عندما كنت في الرابعة عشر من عمري ذهبت مع والدتي إلى مجلس عزاء احتفاءً بذكرى رواية وفاة الزهراء عليها السلام جذبني حديث الداعية كانت تتحدث عن سيدة نساء العالمين بطريقة جميلة جدا.
قالت: تمثل الزهراء عليها السلام أشرف ما في المرأة من إنسانية وصيانة وكرامة وقداسة ورعاية وعناية، وإن الزهراء عليها السلام بعمرها القصير مدرسة في العطاء والمعرفة والعلم والأخلاق فهي الأم الروحية لكل امرأة تحب آل البيت عليهم السلام. لذا على كل امرأة أن تجعل الزهراء عليها السلام قدوتها وأن تلتزم بأخلاقيات سيدة نساء العالمين.
توقفت عند كلمة القدوة وبدأت تتمحور في رأسي أسئلة حول هذه الكلمة.. فأنا كنت كأي فتاة في عمر المراهقة مشتتة الهوية وتبحث عن قدوة لترسم خطواتها المستقبلية وبدأت أتساءل هل يمكن أن أتخذ من الزهراء عليها السلام قدوة لي وكيف سيكون ذلك؟
عندما رجعنا للبيت سألت والدتي لماذا يجب أن نختار قدوة لنا، أجابتني وجود القدوة في حياتنا شيء مهم جداً لأن التأثر بالأفعال أبلغ بكثير من التأثير بالكلام وحده، ولكن يجب أن نختار الشخص الجيد ليكون قدوة لنا، قلت لها ولماذا يجب أن تكون فاطمة الزهراء قدوتنا؟؟
أجابت لأنها بنت خير البشر حبيبنا في الدنيا وشفيعنا في الآخرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تربت الزهراء في بيت النبوة وترعرعت في أحضان الرسول وارتوت منه كل تعاليم الدين والأخلاق والإنسانية عاشت في شخصيَّتها شخصيّة رسول الله (ص) في كثيرٍ من عناصرها المميَّزة المستلهمة من عناصر شخصيّته المميّزة. فمن تستحق أن تكون قدوتنا غيرها.
من هنا بدأت رحلة البحث عن الزهراء عليها السلام من هذه السيدة التي يتحدث عنها الجميع وتتغنى المحافل في سيرتها وكيف لي أن أجعلها قدوتي، بقيت في تلك الليلة عالقة وسط أسئلة كثيرة لم أجد لها جوابا وفي الصباح أيقظتني والدتي وأعطتني كتيبا صغيرا عن سيدة نساء العالمين، كان عنوانه على ما أظن سيرة الزهراء عليها السلام، كان الكتيب بسيط اللغة ويحتوي على قصص وعبر من حياة الزهراء عليها السلام وعلاقتها بوالدها صلى الله وآله وسلم وزوجها الإمام علي عليه السلام، أخذت الكتاب بكل حماس لعلي أجد جواباً لأسئلتي واجد القدوة التي أبحث عنها.
فعلا بدأت أقرأ في الكتاب وأبحرت في حياتها عليها السلام كانت مزهرة تحمل نسمات رياح عطرة وعبر مشرقة، إن البتول عليها السلام باب من أبواب الله وهبها الله أوفر حظ من العظمة، وأوفى نصيب من الجلالة لايمكن لأية امرأة أن تنول هذه المنزلة الرفيعة فهي عالمة غير معلمة خرجت من أطهر بيت على بقاع الأرض ونالت مكانة الأولياء والعظماء، إنها هدية رب العالمين للنساء ومدرسة لكل امرأة مسلمة وموالية لآل البيت عليهم السلام.
عندما قرأت الكتاب شعرت بارتياح عميق وصفاء جميل، شعرت بأن روحي قد سكنت وأفكاري ترتبت، جلست على أريكتي مبتسمة وكنت متأسفة أنني لم أعش الحقبة الزمنية التي عاشتها الزهراء عليها السلام حتى أتشرف بلقاء الصديقة الطاهرة التي تعتبر تذكرة لدخول أبواب الجنان، تلك الأميرة المبجلة التي ستكون مفتاح النجاح والفلاح والسرور والسعادة لكل فتاة تسير وفق خطاها.
أغمضت عيني فرحة بهذا الكنز العظيم الذي وجدته وشكرت رب العالمين على هذه المدرسة العظيمة، فجأة ظهرت لي سيدة وقورة جدا كانت تقف على مسافة مني وترتدي عباءة بيضاء تلوح لي بيدها من بعيد كانت كالملاك يشع النور من حولها لم تكن ملامحها واضحة ولكن كان حنانها ونقاءها أوضح من اي شيء آخر، أحسست بدفىء كبير جدا عندما رأيتها.
سألتها من تكونين، أجابتني أنا أم أبيها جئت إليك بعد أن ناديتني إنني ألبي دعوة كل من يعرف حقي، فأنا موجودة أمام من يبحث عني وأشارت لي بيدها، أحسست بطمأنينة غريبة تملأ قلبي وقشعريرة كبيرة تجتاح عروقي، فتحت عيني وكانت الدموع تملأها وجسدي يرتعش، لا أعرف هل كان ذلك بردا أم خوفا ورهبة، أيقنت وقتها أنه لم يكن حلماً أو رسما من مخيلتي، إنها كانت رسالة ربانية لتدلني على الطريق الصحيح لأخطو الخطوة التي ستكون سر سعادتي في المستقبل وفعلا قمت يومها توضئت وصليت ركعتين لوجه الله وتعاهدت مع رب العالمين أن أجعل الزهراء عليها السلام قدوتي في كل شيء.
من ذلك اليوم أصبحت سيدة نساء العالمين عليها السلام لا تفارقني طرفة عين صارت شريكتي في كل خطواتي ونجاحاتي فهي نبراس طريقي وضوء مستقبلي أبحرت في شخصيتها واخذت كل خطوة من خطواتي اسير بها على خطى الزهراء.
انفردت فاطمة الزهراء عليها السلام بصفات ومميزات لم تؤت لأحد غيرها من نساء العالمين فعلاقتها متميزة وفريدة مع والديها وعلى وجه الخصوص علاقتها المتميزة بوالدها سيد الكائنات الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي تخطت كل الحدود لأنها علاقة نورانية ربانية يريد بها الله تعالى أن تكون المثال الأعلى للعلاقة بين الأب وابنته كانت هذه الرسالة الأولى من الزهراء عليها السلام هي مفتاح نجاح أي شخص في حياته هو البر بوالديه.
من بين الفضائل والكمالات التي تميزت بها الزهراء (ع) في أتمِّ درجاتها وأعلى مراتبها هي فضيلة العلم إذ كانت الزهراء (عليها السلام) عالمة بما لــلكلمة من معنى، فإنها كانت تتلقى العلم من مدينة علم الرسالة وهو النبي (صلى الله عـــليه وآله وسلم) ومن بابها وهو علي (عليه السلام).
وهذه رسالة ربانية قبل أن تكون فاطمية للناس في مشارق الأرض ومغاربها وهي فضيلة العلم التي لها الدور الأعظم في تكوين قيمة الإنسان ورفع منزلته وجعله يحوز الدرجات العُلى في عالم الشرف والفضيلة ورُقيِّ النفس وتكامل الروح. وهنا تمسكت بعلمي ودراستي وأيقنت أهمية العلم عند المرأة وسرت على خطاها بكل ثقة واتزان.
إن الحياة هي عبارة عن مدارس ولكل مدرسة أسلوب وطريقة وعلى كل شخص أن يختار المدرسة التي تناسبه وأنا أهدتني الحياة مدرسة بضعة النبوة فهي عبارة عن مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة في العبادة وفي الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار.
رسمت نجاحاتي بخطواتها وسرت على خطاها لأنني أحببت دروسها واستلهمت منها عبر لحياتي إنها نعم القدوة. وأتمنى من كل فتاة في مقتبل العمر محبة للكمال والكرامة وتطمح أن تكون في المستقبل سيدة ناجحة في حياتها أن تتبع خطى سيدة نساء العالمين عليها السلام في صناعة شخصيتها وبناءها لأسرتها وحفاظها على دينها وعفتها فهي امرأة مثالية تفوق جميع نساء العالمين من الأولين والآخرين.
اضافةتعليق
التعليقات