تنهض ام هاشم فجرا كعادتها وبعد الصلاة والدعاء بالرزق والصحة لاولادها وزوجها ثم تبدأ مشوار عملها الزراعي المضني في مزرعتها الصغيرة فتحوي محصولها من الخضار وتنظف الارض من الادغال وتعبء ما جنته باكياس ثم تتجه نحو حقل العجول لتتفقد مواشيها وتجمع ما صنعته ليلا من جبن وقيمر ولبن رائب. تحمل انتاجها على ظهر حمار الى اقرب شارع او (ستوته) ان وجدت وترافق السائق الى السوق لتساوم بنفسها على الأسعار وتبيع منتجاتها ثم تشتري ماتحتاجه من سلع ليومها المضني من حبوب وارزاق يابسة وسكر وشاي وتعود وقت الضحى الى بيتها على نفس العجلة لتبدأ مشوار عمل آخر من الوظائف والمهام المنزلية الأخرى، وبين متابعة صغارها ومدارسهم واستقبال ضيوفها وانجاز واجباتها ينهض ابنها الوحيد بعد الثانية ظهرا ليتصدر المضيف ويستقبل الضيوف ويتشدق بكرمه ويجود بما جناه ذراع والدته وشقيقاته .
هذا هو حال المرأة المزارعة في ريف كربلاء وجنوب العراق بأكمله. مهمات عمل منزلية وتربوية وحقلية مضنية مع حرمان من اكمال التعليم والتعلم وحق اختيار الزوج او اختبار نوع العمل وحق الاستفادة من الخدمات الصحية الا ماندر وعندما يهدد الموت حياة بعض النساء. وفي اليوم العالمي للمراة الريفية طالبت منظمات انسانية ودولية برفع المستوى العلمي والمعاشي والثقافي للمرأة المزارعة وحماية حقوقها الاجتماعية والاقتصادية .
نساء تعيل الرجال
من ريف الهندية تروي لي (ام هادي) قصتها مع الكفاح مع الأرض والزرع والترمل قائلة: توفي زوجي وهو لايزال شابا ترك لي سبع بنات وولدين صغار كان اكبرهم في السادسة من عمره وقد عانيت كثيرا وقاتلت تقريبا وحملت السلاح من اجل الحصول على نصيبنا في الميراث من اهله واعمامه فقد هددوني بأخذ الارض لأن البنات لاترث على حد تعبيرهم لكني وقفت لهم بالمرصاد وبنيت داري بيدي انا وابنتي الكبرى وكانت هذه اول رحلة العناء. كان زوجي يملك بقرة واحدة فقط وبعض الدواجن والماشية. وبهذا القليل بدأت ارض خضراء وبقرة وأربع رؤوس من المواشي وأعداد من الدواجن. وتحملت إعالة أولادي الصغار أنا وبناتي السبعة.
زوجت اثنين من البنات والأخريات تأخر زواجهن بسبب العادات والتقاليد العشائرية التي تمنع زواج البنات من غير العشيرة وبسبب نظام النهوة في عشيرتنا ولكننا لم نستسلم فقد كنا نحن الستة نعمل ونفلح ونربي المواشي والدواجن ونحرث الارض ونزرعها لنعيل اولادي الصغار الى ان تخرج الكبير من الكلية وهو عاطل الان بدون عمل والثاني اكمل معهد تكنولوجيا وهو الاخر عاطل عن العمل ولاتسمح لي اخلاقي ان اترك اولادي يعملون في البناء او الخدمة وارضنا موجودة فزوجتهم من كدي وكد اخواتهم لاني احلم ان ارى احفادي ولا يفعلون سوى النوم والجلوس على الانترنيت نهارا وفي المساء يجلسون في المضيف الذي بنيته انا وبناتي مع اقرانهم للتسلية وتناول الاطعمة والشاي. وتضيف ام هادي: ان كل واحدة من بناتي مستقلة الان اقتصاديا لأنها تتولى تربية عجول او دواجن او ماشية وتزرع قطعة ارض خاصة بها وكل واحدة تنفق على نفسها واتحمل انا مصاريف البيت والمضيف بشكل كامل ويتولى الاولاد متابعة سقي الارض عندما يصل الماء الينا او يقومون بمراجعة الدوائر الحكومية لبعض المعاملات وغيرها والذهاب الى المدينة لانجاز بعض الامور التي تعجز عنها النساء.
وتوضح ام هادي ان هذا الشيء ليس غريبا وهو شائع الان في الريف العراقي حيث تعمل النساء كل الاعمال المضنية وتنفق على الرجال وانا اعتبر نفسي قوية ومحظوظة لان اولادي لايحاسبوني على ما ابيع من المزروعات ولايسلبون اجري وعملي بل ان الاحترام والمحبة موجوده بيننا ومتبادلة. ولكننا فطرنا على هذا الواقع ماذا نفعل .
وقالت (ام علي) من ناحية ام رواية ان زوجها ينتظرها في البيت عندما تعود الى المنزل من السوق بعد تسويق منتجاتها وهو يحسب ويخمن سعر المحصول ويطالب به عند عودتها لأنه يعتبر انه يملك كل شيء بما فيه جهدي وعملي ولكني احتاط للأمر وأوفر جزء بسيط من دخلي عند صديقة لي للطوارئ وزوجي يعطيني مصروف البيت واوفّر منه.
وفي حالة تمردي او معارضتي يكون الجواب بسيط جدا يطلقّني ويأتي بزوجة اخرى او لايسمح لي بالخروج الى السوق للبيع والتسوق ويلزمني بخدمة المواشي والأرض والبيت ويعطي المحصول الى زوجة اخيه او امه، لهذا انا مضطرة للقيام بهذا الدور مقابل العطاء البسيط خيرا من مكوثي في البيت او نزول زوجة ثانية وهذا وارد جدا في الأرياف .
من جهتها قالت (هناء) تلك المرأة الثلاثينية وهي غير متزوجة: انا اعيش مع اهلي واخوتي المتزوجين ولم يسمحوا لي بإكمال دراستي بل انهيت السادس الابتدائي وأجبروني على ترك المدرسة رغم رغبتي الشديدة في اكمال دراستي، ولأن أرضنا واسعة فأنا مسموح لي ان اربي المواشي والعجول وتعلمت الخياطة بنفسي من الانترنيت ومن خياطة جارتي وساعدني احد اخوتي حين اشترى لي كتالوكات وخرائط ومجلات تعلم الخياطة من السوق واشترى لي ماكنة خياطة ولكن من مالي الخاص طبعا، وتعلمت خياطة الملابس الريفية البسيطة واصبح لي زبائن ولكن اقولها بصراحة لايستولي احد على ما اجنيه من عملي من اموال وانا الان املك بقرتين حلوب وثلاث عجول وكمية من المصوغات الذهبية لابأس بها ولكن لايسمح لنا بالنزول الى الأسواق لتصريف منتجاتنا بل يقوم اخي بأخذ المحصول الى السوق وانا اثق به .
(ام امير) أمراة ريفية في الأربعينات ولكنها تزوجت في مركز قضاء الهندية من موظف في الصحة وهو من غير عشيرتها وبعد ان كبر أولادها الأربعة أرادت ان تحصل على حصتها بميراث والدها فلم تستطع، قالت: حاولت عشائريا فلم تنصفنِ العشيرة لأن زوجي غريب على حد قولهم ولم استطع الدخول في المحاكم بوجه اخوتي لهذا بقيت احاول بكل طريقة ولكنهم اعطوني خيار واحد وهو ان أبني بيت في ارض والدي واسكن معهم واضطررت للانتقال من المدينة للريف (ناحية الخيرات) لأن ارض اهلي كانت قريبة من الشارع وقمت ببناء بيت لي وآخر لابني وصرت احصل على بعض المساعدات البسيطة والهبات منهم ولكن غير هذا لم احصل على حقي في ميراث والدي لأنني اخجل واستصعب ان اشتكي عليهم في المحاكم.
المرأة الريفية وحقوق الإنسان
من جهتها بينت المهندسة الزراعية والناشطة في مجال حقوق المرأة سما النواب "أن المرأة الريفية غالبا ما تعيش في خط المواجهة مع الفقر والكوارث الطبيعية وغير ذلك من الأخطار، ويعتمد معظم نساء الأرياف على الموارد الطبيعية في معيشتهن. فهن يشكلن، في البلدان النامية، أكثر من 40 في المائة من القوة العاملة في القطاع الزراعي. وهنّ من يتولى إنتاج وتجهيز وإعداد الكثير من وجبات المجتمع، وهن في الغالب المسؤول الأول عن الأمن الغذائي والوضع الصحي والفرص التعليمية للأسر المعيشية.
إلى ذلك أوصت الجمعية العامة لحقوق الإنسان أن نتيح للمرأة الريفية سبل الوصول إلى موارد الإنتاج الزراعية والطبيعية، فإننا نتيح لها ما تحتاجه من وسائل التمكين. وستتمكن بدورها من الإسهام بشكل أكبر في التخفيف من حدة المجاعة ورفع قدرة المجتمعات المحلية على التأقلم مع آثار تغير المناخ وتدهور التربة والنزوح نحو المدن، وهو ما يعود بالنفع على الجميع. وقد حددت يوما عالميا لحقوق المرأة الريفية في الخامس عشر من كانون الأول من كل عام وبموجب قرارها المرقم 136/62 بوصفه يوما دوليا للمرأة الريفية، وذلك تسليما منها بما تضطلع به النساء الريفيات، بمن فيهن نساء الشعوب الأصلية، من دور وإسهام حاسمين في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي المعيشي. من اجل التصدي للتمييز والحرمان اللذين ما زالا يطالان المرأة الريفية. فالكثير والكثير من نساء الأرياف لا يملكن سبل الوصول إلى الأرض والأسواق والتمويل والحماية والخدمات الاجتماعية. كما أن الكثير منهن يواجهن مخاطر أمنية شديدة أثناء أداء مهامهن المنقذة للأرواح، كجلب الماء أو الحطب.
لهذا علينا أن نعمل سوية لنطلق العنان لإمكانات المرأة الريفية عن طريق حماية حقوقها كإنسان، ودعم النهوض بها اقتصاديا، وتمكينها من الإسهام إسهاما كاملا في بلورة مستقبلنا المشترك.
اضافةتعليق
التعليقات