تهواه الروح وتألفه، وتجتاحنا راحة بقربه لا ندرك مكمنها، تناغمه مع أفكارنا وخيالاتنا تمنحنا المتعة وتملكنا رغبة متدفقة لمجالسته ومحادثته واللهو معه، فتتقارب أمزجتنا وذائقتنا، لنتشبه به او يتشبه بنا، تغمرنا فرحة عند لقاءه فتتعانق أرواحنا وتتشابك قبل أيدينا .
فكما تهوى النفس وتحتاج محبة الاهل والزوج، تهوى وتحتاج قرب الصديق ذلك الاخ الذي لم تلده أمك، وهي ميول بالفطرة فنحن نهوى أشخاص ويحلو لنا محادثتهم، فنتشارك معهم الأفراح والأحزان والهموم والأسرار، بينما ننفر من غيرهم ونبتعد.
أصدقائنا تجربة مهمة في جميع مراحل حياتنا، فمن المنطقي افتراض أن الجميع سوف يستسلم لتأثير الأصدقاء في وقت ما من حياته، إن كان صديق صدوق اوصديق سوء، ولهذا فقد ذكره رسول الأمة (ص) بحديث شريف مبينا مخاطره علينا ولكي نأخذ الحيطة والحذر في علاقتتنا معهم حتى نتأكد من أخلاقهم وطباعهم بقوله: (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة).
فمن هم اصدقاء السوء وأي مراحل حياتنا هم الأخطر علينا؟
دكتور علم النفس التربوي احمد موسى المسعودي قال: ضرر صديق السوء في كل المراحل لكن بأشكال ونسب مختلفة، لذلك علينا اولا أن نعرف من هو صديق السوء؟
انه صاحب الأفكار والآراء المغلوطة في كثيرٍ من الأمور والمحب للسيطرة على من حوله والمنافق والمستهين بالمنظومة البشرية الأخلاقية والتقاليد المجتمعية والنافر للنصح والإرشاد وصاحب السلوكيات الخاطئة والمنحرفة.
ثانيا: لو نظرنا الى مرحلة الطفولة نجد أصدقاء السوء رغم ضررهم لكن نسبة الخلاص من تأثيرهم كبيرة بسبب أن اغلب مشاكل ومشاكسات الطفل تكون نابعة من براءته وعفويته التي يتمتع بها، لذا عند انتباه الأهل يتخذون الإجراءت اللازمة كمنع الطفل من مخالطة أقرانهم المشاكسين وتنبيههم للاخطاء سوف يتركونهم بسهولة وكذلك يستجيبوا للنصح.
أما في مرحلة ما بعد الحادي والعشرين من العمر يكون الشخص في مرحلة نضوج وبلوغ وقد تعرض لتجارب ومواقف تساعده على التأني باختيار الأصدقاء او تحليل الشخصيات والكشف السريع لصفاتهم الصالحة والطالحة.
لكن الأخطر هو مرحلة المراهقة والتي تبدأ من سن الحادية عشر وصولا الى الواحد والعشرين وتسمى (المرحلة الحرجة) ويرجئ السبب كونه في هذه الفترة يرى أن جميع ما يقوم به صحيح وغيره هو المخطئ، فيطرأ على طباعه العناد والإصرار والانطوائية وهذا يخلق فجوة بينه وبين الأهل وينتابه إحساس أنهم لايفهمونه، ويكون حساسا ودائما يشعر بعدم الاستقرار النفسي والغبن والتفرقة من قبل الأهل، لذا يميل الى من في نفس عمره ويشعر بالانتماء معهم ويهوى التشبه بصفاتهم وسلوكياتهم الايجابية والسلبية.
ويغلب السلبي كون المراهق في هذا العمر يحب التمرد والتفرد والاختلاف في كل شيء كالملبس والكلام فيعجب بالمفردات الجديدة دون التمييز ان كانت نابية اوصالحة، فأصدقاء السوء دائما يزينون لقرنائهم السلوكيات المنحرفة والاخلاقيات المنحطة ويتباهون بها.
ابتعد عن ذبذباته السلبية
واجابت على هذا السؤال، ست علياء العبيدي/ مدربة في التنمية البشرية قائلة: يعرف صديق السوء عندما يتحدث عن زملائه في غيابهم مثلا، يستهزء بهم ذاكرا عيوبهم ومواقفهم الحرجة التي مروا بها او يفشي اسرارهم التي ائتمنوه عليها او سمعها وعرفها بالصدفة، وفي نفس الوقت يظهر امامهم حبه واهتمامه وحرصه عليهم، وكذلك يكون غيورا جدا من زملائه فيصيبه التوتر والحزن اذا تفوق احدهم عليه في شيء، والسلبي كثير الشكوى الذي يرى الحياة مجرد مشاكل ليس لها حلا، هذا سيؤثر كثيرا على تفائل وطموح اصدقائه بسبب ذبذباته السلبية القوية عليهم.
ومما لا شك فيه أن مرحلة المراهقة هي اكثر المراحل التي يتأثر بها الشخص بسبب شخصيته المتأرجحة بين الطفولة والبلوغ فيبحث عن ذاته واكتشاف معالمه ولهذا يتشبه ببعض اصدقائه خصوصا اولئك الذي يعتقد انهم اصحاب شخصيات قوية وافكار متمردة ولهم سطوة على اصدقائهم، واكثر الاضرار التي يتعرض لها المراهق هو اهمال دروسه والمشاكسة والمشاكل في المدرسة وهروبه منها لقضاء اوقاته في اللعب والتسكع وتبادل الكلمات النابية وشرب السكائر.
أصدقاء السوء نوعان
في حين اجابنا محسن الياسري/ خريج كلية الاعلام وصحفي مبتدأ، هكذا عرف لنا نفسه قائلا: صديق السوء خطر على كل مراحل حياة الانسان ولكلا الجنسين، ولقد اصبح خطر اصدقاء السوء اكبر بعد الانفتاح وسهولة التواصل بين البشر حيث اصبح هناك نوعين من الاصدقاء احدهم على الواقع الذي نجده في المدرسة والعمل والمنطقة التي نسكنها او يكون احد اقاربنا وهناك الذي خطورته تكمن في نوع اخر يجب ان الا نغفل عنه وهم الاصدقاء في العالم الافتراضي (الشبكة العنكبوتية) الذين باتوا يشكلون خطرا كبيرا، وخير مثال ماقام به التنظيم الارهابي (داعش) بتجنيد مجموعة كبيرة من الشباب من كافة بقاع العالم عن طريق مصاحبتهم واستمالتهم واقناعهم، فاصدقاء العالم الافتراضي يستطيعون تغيير القيم والمفاهيم والاخلاقيات التي تربى عليها الشباب وربما لا يلاحظه الاهل لا بعد فوات الاوان.
ختاما، تأثير اصدقاء السوء في كل مراحل حياتنا فكما يقال: (أن الصاحب ساحب) وربما فنحن نتأثر بهم سلبا بدون أن نشعر والقرار الصائب هو ابتعادنا السريع عنه مهما كنا بحاجة له .
واكثر عرضة للتأثير هم المراهقين فضغط اصدقائهم عليهم ظاهرة عامة يتعرض لها الجميع.
وتجنبها يحتاج الى:
الأمان والاستقرار داخل الأسرة فهناك علاقة طردية بين التفكك الأسري ورغبة الشباب في تكوين تجمعات شبابية لتشعرهم بالاستقرار والألفة. كذلك العدالة بين الأبناء كي لا يشعر بالتفرقة، الرقابة المستمرة على تصرفاته لكن بدون أن يشعر انه مقيد او غير موثوق به، وتقوية الوازع الديني من خلال تشجيعه على تأدية الفرائض الدينيّة ومصاحبة الصالحين.
معرفة رغباته وميوله وتفضيلاته لأمور الحياة المختلفة ومساعدته على طرد الشعور بالضياع وعدم التركيز والجهل بتحديد مواقفه وآراءه الصريحة اتجاه المواضيع الخطيرة في المجتمع مثل الإدمان على المخدرات، السرقة، القتل.. وغيرها.
اضافةتعليق
التعليقات