كان البخار يملأ الحمام، فيما راحت قطرات الماء المنهمرة تغسل وجهها وبدنها بنعومة ورقة... أغمضت عينيها استقبالا لاندفاع الماء الشديد من فوهة المرشة المعلقة بالجدار.
الغشاوة تسدل ستارها على أفكارها تحسست التجاعيد البادية على جبينها وحول عينيها بينما انسابت أصابعها تلامس خصلات شعرها الكستنائي الكثيف.
شعرت بنوع من الارتياح جراء استسلامها للواقع الذي تعيشه.. وحيدة بائسة.. لكنها تريد لنفسها ان لا تفقد كل شيء.. هل كان ماعاشته خسارة.. هزت رأسها بعنف.. لكن البخار الكثيف اجبرها على الهدوء وتذكرت انها وحيدة .
ومازال الماء ينهمر بشدة حاملا الحرارة والدفء ..
أما هي فكانت تكظم بداخلها آهة حزينة.. تهاجم نفسها بين الحين والآخر مثلما تحاول أن تكتم صرخة لم تكن لتولد لأنها فقدت صوتها واحتمت بالضباب الذي يلف المكان حولها .
لماذا لا يمنحها هذا الزمن القاسي فرصة للعيش بحرية..
ان تحلم بحرية مثلما هي الفراشات وطيور النورس عند المساء..
ان تخطو دون ان تخشى السقوط ..
كل ما تريده ان تنسى مسؤوليتها حيال وجودها ..
لا تريد ان يكون لحياتها خط مرسوم او لمعصمها قيد موثوق.
ابتسمت خلسة من نفسها فيما كان الماء ينزل مداعبا جفنيها..
فتحت عينيها.. طالعتها المرأة الضبابية.. رأت شبح امراة اخرى غير ما كانت عليه، رحلت احلامها الغضة الى المنفى وعاشت واقع اخر غير ما كانت تبتغيه، واندثرت معالم جمالها وأنهكها الزمن حتى لم تعد تستسيغ رتابة الحياة التي تضبب الاخرون بها حياتها، لم تستطع الصبر على الانكسار الذي رأته باديا في عينيها..
بقيت وحيدة بائسة، جل ما في مخيلتها كيف رفضت الاقتران بكل من طلبها زوجة له، كيف استصغرت شأنهم وكيف ايدها الاخوة والابوين، كيف زينت لها الدنيا ان مالها وجمالها سيبقيان معها دون زوال وهما سر سعادتها الى ابد الابدين، تناست ان الحياة قاسم مشترك منذ بدء الخليقة فهو قانون الهي يسري ليومنا هذا.
وها هي في نهاية المطاف دون مال وجمال واسرة تحتويها، وحيدة حزينة، احست بمرارة الوحدة لتوها أرادت أن تصرخ بقوة لعلها تريح من على قلبها تلك الغصة.. لكنها لم تقدر فالضباب الكثيف لم يعطيها فرصة للصراخ.
اضافةتعليق
التعليقات