عدم المعصية شرط متأخر هو وجه دقيق ومهم ويرتبط بنا جميعا وحريٌ بنا أن نتأملهُ وهو أن إختيار مفردة (عسى) لعلهُ يكون لإحتمال حدوث زيغ وانحراف بعد ذلك مما يعني أن عدم ذلك الزيغ والإنحراف هو شرط قبول التوبة، بنحو الشرطين المتأخر إننا نتصور عادة عندما نندم حقا ونتوب صدقًا فإن الله سوف يتوب علينا حتمًا لكن هذا التصور متأمل فيه كما سيتضح.
إذ قد يقال إن عدم المعصية اللاحقة هي شرط قبول التوبة عن المعصية السابقة بنحو شرطًا متأخر مطلقًا أو في الجملة وكلا الكلامين له وجه لكن هل عدم المعصية اللاحقة شرط بنحو الكاشف أو بنحو الناقل فهنالك إحتمالان، الإحتمال الأول الكشف بأن يقال إن الله سبحانه وتعالى رأى هذا الشخص قد إعتدى على أبنائه بالضرب أو على زوجتهِ ظلمًا ثم تاب لكنهُ جل إسمه حيث يعلم بأنه بعد ساعة سيضربها من جديد فإنهُ سبحانه وتعالى لا يقبل توبته من البداية فحيث علم الله معصيته اللاحقة لم يقبل توبته السابقة.
الإحتمال الثاني النقل، أي أن هذا الذنب يمحى بتوبته لكنهُ إذا عصى من جديد فإن تلك العقرب في المثال السابق يُعاد خلقها من جديد وبعبارة اخرى أن الكذب تولد عقربًا فإذا ندم الكاذب وتاب فان الله سبحانه وتعالى يقضي على تلك العقرب فإن كذب مرة ثانية أُعيدت الحياة لتلك العقرب الأولى مع خلق العقرب الجديد الناتجة عن الكذب الثانية والله العالم.
وقد يستدل على ذلك بأدلة منها أدله الحظ كقولهِ تعالى أُولئك هبطت أعمالهم ومن الأعمال التوبة فتحبط بآثارها ونتائجها فالحبط معناه أن الإنسان إذا صلى وصام وزكى وحج وخمس وجاهد في سبيل الله خمسين سنة ثم بعد ذلك زاغ فإن هذا الزيغ وهذا الإنحراف والضلال يكون كحريق أتى على الهشيم فأحرقه كله وكقوله تعالى {فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم سقف من فوقهم} فهذهِ التوبة هي التي تحبط فإن الإنسان إذا عصى معصية ثم تاب قبل الله منه توبته، وإن نفس هذهِ التوبة هي منشأ لآثار وبركات كثيرة لكنهُ لو عصى بعد ذلك فإن توبتهُ ستحبط عندئذٍ وتعد كلا توبة فتأمل ولنلاحظ هذهِ الرواية قال: رسول (الله صلى الله عليه واله وسلم) في التوبة النصوح التي هي مصب الآية الشريفة: (أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللبن إلى الضر) والمثال لطيف ودقيق فإن اللبن عندما يخرج من ضرع الشات أو غيرها فإنهُ لا يعود أبدًا إليه كما هو أوضح من الشمس بالتوبة النصوح هي هذه التوبة بحيث إن الإنسان إذا صدرت منه معصية وتاب فإنهُ لا يعود إلى ذلك الذنب أبدًا.
وقد يستشم من هذهِ الرواية أنهُ لو رجع إلى الذنب فإن توبته لم تكن نصوحا وليست مقبوله عند الله وقد علق الله سبحانه وتعالى التكفير والجنة على التوبة النصوح.
اضافةتعليق
التعليقات