لا يكفُ العبدُ المؤمن في السعي للحصول على مأموله، لو كان حقا يود الوصول لكان يردد دوما ويناجي ربه: إلهي إما أن تصل روحي للأرواح العُليا أو تخرج روحي من بدني..
وطريقُ الوصول والولوج لهذا العالم مفتوح للجميع حتى المذنبين، وماعليه سوى التوبة،
والتوبة من أعظم الأبواب التي وضعها الباري للعبد، وللتوبة مراتب حسب مراتب التائبين
وفي كتاب مصباح الشريعة الذي نُسِبَ للإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام:
"التوبة حبل الله ومدد عنايته ولا بد من مداومة التوبة على كل حال وكل فرقة من العباد له توبة؛ فتوبة الأولياء من تلوّن الخطرات، و توبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله وتوبة العام من الذنوب..
والانسان لو حقق وحصل مقدمات التوبة سيكون مستعدا من أعماق وجوده للعلاج وستقول كل ذرة من وجوده بكامل مراتب وصور التضرع والابتهال إلى الله تعالى: (أتوب إلى الله). وفي النتيجة كل المراتب الأخرى للسالك سوف تتم على أكمل وجه".
نأخذ لمحة قليلة عن عمق معاني التوبة، يقول ذوي العلم والمعرفة: كل حركات الانسان وسكناته، مثل (العزم والارادة / الحب والبغض / استشعار السعادة والحزن) تتأثر بأحوال القلب وصفاته.
سئل القلب من أينَ يحصل على كل تلك الأحوال والصفات؟
هل من العبادات الظاهرية الدائمة؟
أو من اتساق الباطن والظاهر في السلوك؟
إنَّ الخيال والشهوة والغضب والأخلاق الموجودة في مزاج الانسان بإستطاعتهِ التغلب عليها فإذا هو عمل عملا بحواسه مباشرة حصل أثرهُ في القلب وإذا عمل خيراً أصبحَ أثرهُ نورٌ وصفاء
وإذا كان عملٌ سيء صار القلب مظلمٌ مُتكدّر.
لكن إذا كان الانسان مسيطراً على حواسهِ باتساق الباطن مع الظاهر كانت النتيجة جيدة
لكن إن كان الباطن ليس نقيا وثابتا، مثلا إذا هاجت الشهوة بكثرة الأكل وقوة المزاج كيف سيكونُ أثرها في القلب؟
مؤكداً سيكون متلخبطا بكلِ الأحوال وهذهِ الانتقالات تنقل القلب من حال إلى حال.. وبهذا لن نحقق المطلب الذي نسعى إليه، لأن الشهوات هنا تعطي لنا خيال وهذا الخيال ينتقل بِنا من شيء إلى شيء آخر.
ماهي الآثار المترتبة على هذا السلوك؟
بسبب التقلب وعدم انسياق الروح والجسد والباطن والظاهر نحو إتجاهٍ واحد سيكون أثرا بالقلب ومن الآثار التي تكون بالقلب هي الخواطر، والخواطر تعني الأمور التي تنعرض على القلب على شكلِ فكرةٍ أو ذكر معين لشيء معين أو صورة تُرسم في الخيال. ومادمنا ذكرنا الخواطر لابد أن نعرج على القسم الآخر منها فالخواطر تنقسم إلى قسمين:
خاطر يدعو للخير يفيضهُ الباري تعالى بواسطة الملك ويسمى إلهاماً؛ وما هو إلا رسالة تنبيه وحذر من المولى عزوجل لنا لكننا دائما ما لانستجيب لها وهذا فعل الشيطان الذي يحسد الإنسان بوجود ربٍ عظيم وعطوف على عبده. فيختلق خاطرة تدعو إلى الشر بواساطتهِ ويسمى وسوسة.
وهنا يتضح لنا رباطين _إن صح التعبير_ أولاً أثر التوبة ومراتب التوبه ومقامتها على القلب وتنقيتهِ. إذ تُساعد الإنسان على إستلام الخاطرة التي تكون من الله له ويُفرزن بينها وبين الوسوسة.
فيبدأ الإنسان بتجاهلهِ لأنَّ الوسوسة تأتي من الرجيم ومن باطن ومزاج مضطرب ما إن تجاهلهُ الإنسان حتى اختفى..
أخيراً لابد من معرفة أُسس التوبة وإتقان السلوك الذي يندرج مع الباطن والظاهر هنا لابد أن تكون التوبة حسية باطنية ظاهرية ومُتَيَقنة. ونعلم أيضا أهمية التوبة ومراقبة النفس والإعتراف بالذنوب التي حالت بيننا وبين الله فهي سببت لنا حواجز الخذلان.
لذا علينا أن نُدرِك الرحمة التي شملنا الباري بها ونراقب أنفُسنا حتى نتوفق لمعرفة الإلهام والفيض الذي يأتي من الرب..
اضافةتعليق
التعليقات