في هذا المقال سندرك أهمية القراءة وكيفية تحديد الهدف الأُخروي وما هي رسالة الإنسان العظيمة، هذا الرجل الذي وصل الحال له لإرتداء الصاية والعمامة والعباء الخاصة برجال الدين لقد نشأ منذ طفولتهِ إلى أن أصبح عمره 13 سنة بمجتمع العصابات. لا دين ولا عادات ولا تقاليد تمنعهم من إرتكاب الجرائم الكبيرة ولا يعرفون ما هو الإسلام وما هو الدين أصلًا.
يقول متين: كنت أنشأ بمجتمع أما أن تكون جزءًا منهم أو تكون الضحية لا خيار غيره، وعلى ذلك معظمهم كان يستسلم ويختار أن يندرج معهم كي لا يكون الضحية، لقد كان الإرشاد ضئيلًا بظل تلك الظروف والواقع الذي أعيش إذ لا يوجد إلا ظلام.
يقول عندما دخلت السجن وجدت الراحة هناك فقد كان الخارج أمرّ من السجن، قلت وقتها وأخيراً أستطيع الإسترخاء لقد وجدت هناك أغلب أقاربي الذين دخلوا بسبب إرتكابهم لجريمة معينة وقد عشت معهم أيامًا لطيفة في السجن لم أقضها معهم في الخارج، لقد دخلت السجن وأنا بعمر السادسة عشر ولقد سبق وأن تم القبض علي ولكني أفلت، يضيف أنه كان عيد ميلادي في السنة الثالثة عشر في السجن والرابعة عشر في السجن وفي عيد ميلادي الخامس عشر كنت موقوفًا، وقد دخلت سجناً مؤبداً بسبب إرتكابي لجريمة قتل.
وأنا بعمر 17 إلى 25 هناك بدأت أدرك أن الحياة أكبر من بيع المخدرات والعصابات والسرقات والأسلحة والقتل وماشاكل ذلك، هنالك أمور أكبر ومهمات أكثر من ذلك كله على الإنسان أن يسير عليها وأن تكون حياته مختلفة ولكن لابد من أن أدرس وأتعلم لكي أعرف وأكتشف أكثر، كانت عائلتي مسيحية لذا كنت مؤمنا بوجود إله ولكن لم أكن أتبع أي دين منظم لنفسي فبدأت أُقارن بين الأديان لأرى من الصحيح ومن الخطأ فأطلعت على الإسلام قلت لأرى ماذا تقول كتبهم فبدأت أقرأ؛ فقرات الإنجيل وأنا بداخل السجن تم الوصول إليه ورأيت فيه الكثير من الأخطاء، كنت ألاحظ أن بعض النصوص تقول شيئًا والآخر يقول شيئًا معاكساً فيكون مناقضاً له في يوم من الأيام. رأيتُ أحدهم يصلي في الزنزانة المقابلة ولم أكن أعي ماذا يفعل ما هذه الحركات التي يقوم بها، إذ أنني لم أرى هكذا منظر أمامي من قَبل.
أحدهم أخبرني عن القرآن فقلت له ما هذا سألته، قال لي هذا دين أتى ما بعد دين عيسى فطلبت منه أن يخبرني عنه ومع الوقت إستطعت أن أقرأ القرآن وأقرأ الآيات المتعلقة بالمسيح كانوا يسألوني بعض الأسئلة ولا أعرف ماذا أجيبهم لقد سألوني أول مرة دخلت فيها السجن هل أنت شيعي أم سني وأنا لم أسمع بهذين المصطلحين من قبل أبدًا.
حينما رأيت ذلك الرجل يصلي بدأت أربط الأحداث ما بين ما قرأته في القرآن وما أراه أمامي شعرت حينها كأنه هنالك شيء أو ربط بين ما قرأت وما أرى فأنتظرت في يوم من الأيام إلى أن ينتهي من صلاته فلدي أسئلة كثيرة.
سألته كثيرا من الأسئلة؛ عن العقيدة والمسيح وكان يجيبني بكل دقة حتى أنهُ أقنعني بدين الإسلام بعدما قارنته بالأديان الأخرى، لقد أدركت أنه يجب أن نتبع الحق كيف ما كان لأن الإنسان مسؤول عن نفسه وقراراته ليس ما يعتقده الناس، لقد شعرت وأحسست أن ما بعد دخولي إلى هذا الدين ستكون هنالك عدة مشاكل ولكني رأيته هو الحق وهو الصحيح.
لقد قرأت أول كتاب لأطلع على دين الإسلام كان عنوانه "ثمَّ اهتديت" للشيخ التيجاني قرأته وكان دليلا كافياً بالنسبة لي عن الدين فقد لاحظت أن الذين يتبعون أهل البيت هم مختلفين ومعرفتهم أفضل من غيرهم لأنهم قرأوا كثيرًا وعندما تقرأ أحاديث أهل البيت نجد النور هناك لقد كان كل شيء يحدث يقينيًا، مثلا هلال رمضان لو كان أحد أخبرنا عنه لن نعي ذلك ولكن عندما نقرأ عنه ونراه بأعيننا هنا تتجلى الحقيقة واليقين بفعل وقراءة ورؤية واضحة، فكان المؤمنون لا يجيبون على أي سؤال إلا بعد أن يقرأوا وهذا ساهم في تقوية جانب الفضول للبحث عن الحقيقة في نفسي.
كان يقول لقد عشت أجمل أيام حياتي وأنا في السجن فقد كان عالما مغايراً عن الخارج، ندرس، نأكل، نصلي، نتناقش، كالأخوة، لم نتعارض بسبب إختلاف معين كنا كشخص واحد كنا في هدف واحد وهو النجاة ومعرفة طريق الحق.
يقول إن الأغلب يقرأ القرآن ولكن القرآن بدون معرفة أهل البيت لم نفهمه.
يقول بعد خروجي من السجن إنتقلت إلى واشنطن لأبحث عن مساجد في المنطقة وقد أرشدني أحد الأخوة إلى شخص ليدلني إلى مساجد عديدة كان من أبناء المذهب السني، في مرة كنت أتجول معه فسمعت مسجدا يقول "أشهد أن عليًا ولي الله" قلت هذا هو مبتغاي يمكنك أن تكمل رحلة الإستكشاف ولكني وجدت وطني، في أول زيارتي إلى شهيد كربلاء من بعد ما قرأت عنه عن سيرته الطاهرة وتضحياته المؤلمة وقصته الموجعة رأيت نفسي فقيرا أمام بذخ وعطاء ما يقدموه الشيعة في الأربعين.
كان هنالك في السجن كتابًا يُصنف كرواية فيه قصة الإمام الحسين كاملة وقد رواها الكاتب بطريقة سرد روائي وقد قرأته عدة مرات وقد قرأه بعض السجناء وكان في ذلك الكتاب سر عظيم فالكثير من الأمور والنقاط جعلتهم ينجذبون إلى ما طُرح في الكتاب فقد تفاعل الكثير بطريقة عجيبة به؛ فقررت أن أعطي هذا الكتاب إلى أحد السجناء الذي كان يتلذذ برؤية القتل والتحقير وكانت أسعد لحظاته أن يتشاجر أحد معه أو يتشاجر إثنان أمامه فكان الحقد مسيطراً ومتشرباً في دمه وكان يُعرف إنه الأقوى فقد كان صلبًا إلى درجة عالية وعندما أعطيته الكتاب وأنا أتابعه قد وصل إلى أقل النصف من الكتاب وأعاده إلي وهو يبكي، قد قال لي إن ما جرى على بطل الرواية مؤلم للغاية وكلما فتحت الكتاب وقرأت أبكي ولا أريد أن يراني أحد وأنا أبكي فأبدو ضعيفًا وقد عاد إلي الكتاب في وقتها لقد كان الأغلب يشعرون أنهم مظلومون متألمون ولكن بعد قراءتهم لهذا الكتاب فقد أعطاهم الأمل وأشعرهم أنهم ليسوا هم فقط مظلومين فقد يوجد أحد قد ظُلم أكثر منهم، بالرغم من عدم معرفتهم بالحسين، ولأنني وجدت التأثير البالغ عليهم في تلك السنوات بقراءتهم لهذا الكتاب فأول زيارتي للإمام الحسين في الأربعين وقد وجدت وقتها نفسي فقيرًا أمام بذخ وعطاء الشيعة قررت إعداد كتاب خاص بسيرة الإمام الحسين كاملة وبأدق التفاصيل مع ذكر إسمه وإيصاله إلى السجناء الذين خلفتهم ورائي أصحابي وأصدقائي.
إن أغلب الذين يخرجون من السجن أما يقومون بجريمة أخرى ثم يعودون أو أنهم يخرجون فينتبهون على أخطائهم ولا يعودوا إلى جرائمهم وينسى إسمهم تمامًا ولكنني قررت أن أكون مختلفاً فقد علمنا الله في القرآن أن أحدنا يجب أن يدرس ثم يعود ليتعلم ويُعلم أهله..
لقد كانت تصلني عدة رسائل من السجناء أصحابي الذين هم على دين الإسلام يتوسلون إلي أن أرسل إليهم الكتب الشيعية وأن أترجمها لهم إلى اللغة الإنجليزية أي لغتهم فقد كانوا يواجهون المتاعب والمصاعب هناك في السجن من مجادلات ونقاشات بينهم وبين الأديان الأخرى ولا يوجد هناك وسائل إنترنت أو كتب أو بحث يستطيع أن يستشهد فيه المسلم ربما لا يقتنع ولكنه بحاجة إلى دليل أمام عينه فقد كان يصلي ما يقارب أكثر من 300 من الرسائل شهرياً يقولون إننا نتعرض للضرب والسكاكين بعضهم يقول لأنني أصلي بطريقة مختلفة عنهم وبعضهم يقول لأني لم أجد جوابًا لسؤالهم لذا هم بحاجة إلى أدوات للإثبات وفكرتي هي توفيرها لهم فالكتب هي الأداة والسلاح الوحيد لمواجهة السلاح فعرفت ماذا يحتاجون بالضبط لذا كنت أرسل لهم المسائل الأخلاقية وأترجم لهم كتباً هم بحاجة إليها مثل ليالي بيشاور والمراجعات هذا النوع يفيدهم في المناظرات مع سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وتأريخهم.
لم نكتفِ بالقراءة فقط بل كنت أطلب منهم أن يطلبوا تلخيصًا من الذين يقرأون الكتاب أو يقوموا بطرح سؤال ما الذي تعلمته منه حتى ولو بصفحة واحدة وإن كان لديهم أي سؤال يكتبون عن الفقه والعقائد كنا نقول لهم اكتبوا لهم أي سؤال يبدر بذهنكم وسنأتيكم بالإجابة، أنا والمشايخ من معارفي كنا نجيب وكنت أعد لهم منهجًا كاملا وكانوا هناك وكلاء في السجن أصدقائي المقربين فأعطهم الخطة كاملة مثلًا في العقائد يبدأون من هذا الباب وبالدرس الثاني ينتقلون لمرحلة أخرى وهكذا الحال في الفقه والمهدوية والتأريخ.
بقيت على هذه المنهجية إلى ما يقارب العشر سنوات منذ 2013 إلى الآن ولدينا الآن 3000 رجل تشيع في السجن بسبب البرنامج ذاك والكثير منهم يكتب لي إن لم ترسل لنا الكتب لن يساعدنا أحد فأنت الوحيد الذي تجيب وباستطاعتك انتشالنا من عالم إلى آخر وبهذا وضعوا الحجه والمسؤولية علي ووجدت من المفروض والواجب مساعدتهم وفي الواقع أكثر من ذلك العدد لأنهم قد شيعوا عوائلهم أيضًا، كل ذلك بفضل برنامج بعنوان "الفرصة الثانية" كان يحتوي على برنامج أخلاقي عقائدي متكامل.
لقد طلب مني أغلبهم السجادة ومنهم التربة ومنهم المسبحة ومنهم الكتب وقد وصل إلى الآن ما يقارب 26,000 نسخة من الكتب ترجمتها لهم وهي كتب عربية إسلامية وقد أهديت هذا العمل إلى الإمام الحسن العسكري لأنه كان في الإقامة الجبرية كالسجين وقتها ولم أقم بهذا العمل لأجل شيء سوى لرضا الله وخدمة الدين بالرغم من أنه عمل شاق فقد كنت أعمل في دوام كامل وأدرس في الحوزة بعد العمل وبعد الحوزة آكل الطعام (العشاء) وانشغل في هذه الرسائل وهذا البرنامج العبادي كنت أنام أربع ساعات في اليوم فقط ولكن كان في وقتي البركة فربما لا تأتي البركة على شكل مال ولكن تأتي على شكل متسع في الوقت وهو من بركات الأئمه (عليهم السلام).
ويذكر أحد البركات التي نالها يقول لقد رزقت بطفل عمره سنتين وهو لا يتكلم وقد راجعت فيه عدة أطباء متمكنين ولكنهم قالوا من الصعب جدا أن نجد له علاجا وقد قالوا لي أخيرا أنهُ علي أن استسلم للواقع فالطفل لن يتكلم إلى آخر عمره، فأخذت طفلي ذو الثلاث سنوات وأتيت إلى مرقد أبي الفضل (عليه السلام) وقلت له الكثير من الأديان يشمتون بي، فبحق الدين ومعرفتي لكم لا تشمت بي أحدا وارزق طفلي النطق فما إن عدت إلى بلدتي وبعد الإجراءات والفحوصات اتضح أنه سالم ومعافى تمامًا وبدأ يتحدث بطلاقة كاملة والآن هو يبلغ من العمر ست سنوات وهو يتحدث أربع لغات إثنان منهم بطلاقة تامة.
وهنا من هذهِ القصة نُدرك عظمة الدين الإسلامي بالدرجة الأولى والتمسك بآل البيت (عليهم السلام) هو النجاة إضافه إلى أن تأثير الكتب والكلمة البالغ على الإنسان ورسالته الأساسيه التي مَنَ الله بها على الإنسان لكي يكون داعية للدين بشكل واضح. لابد أن نشعر بمدى تقصيرنا تجاه الدين وتجاه الرسالة العظيمة تلك..
اضافةتعليق
التعليقات