تمتاز العبادات في الإسلام بشموليتها لكافة جوانب حياة الفرد فمنها: الروحية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخـلاقية وغيرها. ولكل عبادة من هذه العبادات دور مهم في الحياة، وإذا ما تعمقنا في نظرنا لهذه العبادات فسوف نتعرف على بعض الحكم والأسرار الإلهية فيها والتي يعبر عنها التشريع الإسلامي بهذا الخصوص واستطاع العلم أن يكشف عن بعضها.
فالصلاة بصورة عامة تلبي الجانب الروحي والتربوي لدى الفرد المسلم، بينما الحج حيث يجتمع المسلمون من شتى بقاع العالم في الديار المقدسة يعبر عن الجانب الاجتماعي والسياسي لدى المجتمعات الإسلامية، وأما الزكاة فهي تعبر عن الجانب الاقتصادي لدى الفرد والمجتمع الإيماني، وهكذا بالنسبة إلى السلام واحترام الكبير والعطف على الصغير ومساعدة المحتاج كلها أمور تعبر عن الجانب الأخلاقي الذي يتحلى به المسلمون كافة.
وعلى هذا فإن بعض العبادات لا يراد بها الجانب التربوي فـقط بل تحقيق المصلحة الاجتماعية التي تتكفل بها مثل عبادة: الزكـاة والخمس والصدقة وغيرها. ومن هذا نكتشف أن الإسلام لا يفصل بين الدين والحياة، ويجعل من الفرد العابد يشعر بقيمة الحياة وبقيمة مايقوم به من عبادات، على عكس الديانات والمذاهب الأخرى التي فصلت الدين عن الحياة وحصرته في أطر ضيقة وممارسات لا تعدو كونها طقوساً فارغة المحتوى، كما الحال لدى المترهبين والمتصوفين ومن أشبه، إن الإسلام يرفض فصل الدين عن الحياة. نعم إن العبادة في الإسلام وإن كانت تمثل علاقة بين الإنسان ـ والله ولكنها صيغت في الشريعة الإسلامية بنحو لتكون أداة لعلاقة الإنسان بالإنسان، ولا تؤدي هذه العبادة - أياً كانت - دورها ما لم تكن قوة فاعـلة في توجيه ما يواكبها من علاقات اجتماعية توجيهاً صالحاً. فعبادة الإنفاق ـ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتهذيب نفس وروح الفرد المسلم المطيع لربه، تعلمه وتشجعه على البذل والإنفاق في سبيل الله لتنفي البخل والشح. وتسهم بشكل فاعل في عملية تقدم وتطور المجمتع المسلم من خلال تسليم ولي الأمر الشرعي ليصرفها في مصارفها كبناء المؤسسات الدينية والصحية، ونشر أحكام الدين وإرشاد الضالين وغير ذلك من الأمور المهمة وهنا تكمن أهمية الإنفاق والزكاة وما لها من أثر على المؤمن نفسه ومجتمعه.
إن الله تعالى ليس بحاجة إلى أموالنا بقدر ما نحن بحاجة بذل هذه الأموال في سبيل الله، فنحن الفقراء إلى الله، ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه، وللبخل آثار سيئة على الإنسان نفسه منها: جلب الدم فالبخيل مدعوم دوماً، والبخل يزري بصاحبه وهو مدعاة للذل فالبخيل ذليل أبداً وإن كان بين أعزته، كما يكسبه العار ويدخله النار لا محالة، ومن آثار البخل الأخرى أنه يوجب البغضاء ويمنع الشكر، ويكسب المقت ويشين المحاسن ويشيع العيوب؛ فإن البخيل يمقته الغريب وينفر منه القريب والبخل مما يفسد الأخوة، فمنعك خيرك يدعو إلى صحبة غيرك، مما يجعلك غريباً بين أهلك وإخوانك ولا غربة كالبخل.
إن من أبخل الناس من بخل بإخراج ما افترضه الله سبحانه في أمواله من حق معلوم للسائل والمحروم، ومنع الأموال من مستحقها، ومن بخل على نفسه بماله فقد خلّفه لوراثه في النهاية فيكون المهنأ لغيره والوزر عليه حيث ينوه بحمله.
إن الشرع الحنيف قد جعل لكل شيء زكاة، وزكاة الجاه بذله. يقول الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ( قدس سره الشريف) وفي الحديث: إن أكثر مايشتكي منه أهل النار كلمة: (سوف) وكم أنا -شخصياَ-رأيت أناساً قالوا: سنفعل، لكن الأجل لم يهملهم وتركوا الحياة متحسرين، ولابد إنهم يقولون الآن :
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}. (سورة المؤمنون) فيقال له: {كَلاَّ}.
كما أن كل نجاح يحتاج إلى سعي، فالسعي إلى انتشار فضائل الإسلام وخلاصه من شرور الكفار ومن يترصدون لسقوط دولة المسلمين ولا تكون إلا بتقدم الإسلام وقوة المسلمين وتوحدهم في البلاد ولا يتقدم الإسلام إلا إذا كانت هناك مؤسسات ومشاريع ووعي جماهيري لدى المسلمين بما يتطلبه العصر الحاضر، وإلا فالإنعزال وعدم دعم المشاريع والمؤسسات التي لا تواكب تطور الغرب القابض على زمام المسلمين اليوم بأكبر قدر من المال والرجال والتفكير والتخطيط، سيضعف من هيبة دولة المسلمين وقوتها، فالتطور والتقدم لايقوم إلا بتفعيل عبادة الإنفاق لدعم المؤسسات والمشاريع والوعي، حيث لا تحصل إلا بالمال والرجال والذين تجمعهم المؤسسات الموثوقة لخدمة الأمة.
وليس أمر الإنفاق مقصور على خدمة فرد أو فئة معينه من المجتمع بل خدمة الإنفاق يجب أن تكون أكبر وأوسع لخدمة الأمة المسلمة، فإذا تأخر الإسلام نهبت ثروات الأمة، فكيف يدافع شعب عن هويته إذا كان يقمع في ظلمات الجهل، فكل نظام تكون قوته في التجديد والدعم والعمل وهذا لا يتحقق إلا بتكاتف المسلمين والدعم المالي لتحقيق موازنة عادلة تدار من هيئات منظمة لها أهداف علمية وعملية لمساعدة المحتاجين ونشر تعاليم الدين الإلهي الواحد إلى أقصى بقاع المعمورة.
اضافةتعليق
التعليقات