تعد كسوة الكعبة المشرفة من اهم المظاهر والاهتمام والتبجيل للبيت الحرام، ويرتبط تاريخ كسوة الكعبة بتاريخ الكعبة نفسها، اذ يرى بعض العلماء ان اسماعيل عليه السلام قد كسا الكعبة كما ذكر ان عدنان بن ادم الجد الاعلى للرسول (ص) هو اول من كساها، وقيل ان (تبع الحميري) ملك اليمن هو اول من كساها بالخصف وهي ثياب غلاظ تم كساها المعافير ثم كساها الملاء والوصائل .
وبعد الملك تبع كساها الكثيرون في عصر الجاهلية، وكان ذلك واجبا من الواجبات الدينية وكان مباحا لكل من يريد ان يكسو الكعبة ان يفعل متى شاء ومن اي نوع شاء .
وكانت الكسوة تضع من الخصف والوصائل ثياب مخططة يمانية، و الكرار والديباج والخز والنيارق العراقية .
والحبر اليماني والانماط وبالقباطي ثياب مصرية وكلها انواع من النسيج كانت معروفة في الجاهلية،
وكانت الكسوة توضع على الكعبة فوق بعضها فاذا ثقلت او بليت ازيلت عنها وقسمت او دفنت .
ومن ضمن ما يحكى عن كسوة الكعبة في الجاهلية ان (ابو ربيعة بن عبد الله بن عمرو المخزومي) اصبا ثراء واسعا فقال لقريش: انا اكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة.
فوافقت قريش على ذلك وظل يفعل حتى مات .
اكساء الكعبة المشرفة في عهد الرسول
*كان من الطبيعي ان لا يشارك الرسول (ص) ومعه المسلمون في كساء الكعبة قبل الفتح ذلك ان المشركين من قريش لم يتيحوا لهم هذا الامر، الى ان تم فتح مكة فابقى الرسول (ص) على كسوة الكعبة ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امراة كانت تريد تبخيرها فكساها الرسول (ص) بالثياب اليمانية ثم كسيت من بعده بالقباطي .
وتناقلت الروايات ان معاوية كان يكسوا الكعبة مرتين سنويا بالديباج يوم عاشوراء وبالقباطي في اخر شهر رمضان وكذلك قام سائر خلفاء العهد الاموي بأكساء الكعبة وتراكمت الاكسية حتى خشي على الكعبة من تداعي بناءها حتى حج المهدي العباسي سنة 160 للهجرة فأمر بأن لا يبقى عليها رؤى كسوة واحدة وهو المتبع الى الان.
اما (المأمون) فقد كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة بالديباج الاحمر يوم الثامن من ذي الحجة وبالقباطي الابيض اول رجب وفي الديباج في التاسع والعشرون من رمضان، ثم كساها الناصر العباسي وهو خليفة معاصر لصلاح الدين الايوبي ثوبا اخضر ثم ثوبا اسود ومنذ ذلك التاريخ احتفظ باللون الاسود للكسوة، واول حاكم مصري سعى الى كسوة الكعبة المشرفة بعد انقضاء دولة العباسيين هو الملك (الظاهر بيبرس) ثم كساها الملك المظفر ملك اليمن عام (659) للهجرة واستمر يكسوها بالتعاقب مع ملوك مصر.
وفي عام (751 هـ) وقف الملك الصالح اسماعيل بن الناصر محمد قلاوون ملك مصر وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة وكسوة داخلية حمراء وكسوة خضراء للحجرة النبوية الشريفة مرة كل خمس سنوات، ولكن الخديوي (محمد علي باشا) حل ذلك الوقف في اوائل القرن الثالث عشر الهجري واصبحت الكسوة تضع على نفقة الحكومة، واختصت تركيا ومن يتولى السلطنة من ال عثمان بكسوة الكعبة الداخلية وكسوة الحجرة النبوية.
وفي عام (810هـ) ادخلت الستارة المنقوشة التي توضع على واجهة باب الكعبة والتي تسمى بـ (البرقع ) ثم انقطعت مابين سنتي (816 هـ - 818هـ ) ثم استؤنفت عام (819هـ).
صناعة الكسوة
تنسج الكسوة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود وقد نقش عليه بطريقة الجاكار عبارات (لا اله إلا الله محمد رسول الله) و (الله جل جلاله) و (سبحان الله وبحمده) و (سبحان الله العظيم) ويبلغ ارتفاع الثوب (14 متر) ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض (95 سم) مكتوب عليه آيات قرآنية مختلفة بالخط الثلث المركب محاطة بإطار من الزخارف الإسلامية ويطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب .
ويحيط الحزام بالكسوة ويبلغ طوله ( 47 متر) ويتألف من (16) قطعة كما يوجد تحت الحزام على الاركان الصمدية سورة الاخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الاسلامية، وعلى نفس الارتفاع وتحت الحزام ايضا يوجد (6) ايات من القران الكريم مكتوب كل منها داخل اطار منفصل، وفي الفواصل بينهم يوجد شكل قنديل عليه (ياحي يا قيوم) و (الحمد لله رب العالمين) وكل ما تحت الحزام مكتوب بالخط الثلث المركب ومطرز تطريز بارز ومغطى باسلاك الفضة المطلية بالذهب وقد اوجدت هذه القطع في العهد السعودي، اما ستارة باب الكعبة ويطلق عليها (البرقع) فمصنوعة من نفس القماش الحرير الاسود، ارتفاعه سبعة امتار ونصف وعرضها اربعة امتار مكتوب عليها ايات قرانية وزخارف اسلامية كلها مطرزة تطريزا بارزا مغطى باسلاك الفضة المطلية بالذهب، ويغطى الكسوة كلها بقماش خام متين بما في ذلك الستارة وتتكون من خمس قطع اربعة منها تغطي كل واحدة وجه من وجوه الكعبة والخامسة هي الستارة التي توضع على الباب ويتم تجميع هذه القطع على الكعبة نفسها بعد خلع الثوب القديم .
وان اكساء الكعبة المشرفة كان شرف كبير واهتمام لكل الخلفاء والملوك والرؤساء الذين ابدوا الاهتمام واعتبروها من معالي الشرف والتقرب لله ومن كافة الدول الاسلامية.
المصدر: مجلة الفيصل، بتصرف
اضافةتعليق
التعليقات