يالها من صيحة، تصدعت لها قلوب المؤمنين يا أسد الله، يا أبا المعلى، تعالت نفسك على الظالم، واعتلت برداء القيم والمبدأ، حتى علا غضبا لله، ونال شهادة البكاء والعزاء ومواساة الجرح المفدى من بيت النبوة، يا رسول الله أنت المعزى، وقد ثلمت الشريعة بفقدها، أسدا ضرغاما، لا يخاف في الله لومة لائم.
لأن حمزة (سلام الله عليه) لم يكن عم النبي فقط بل أسد الدين وحاميا له، وأخا في المصائب والشدائد لرسوله (صلوات الله عليه).
أبيت إلا أن يكون صوتك زئيرا، بوجه من يتعدى حدود الإيمان وشخص الرسول، حين تجرأت سيوفهم وجهه الكريم الشريف، فوجأت جماجمهم ضربة لا قرار لها في أم التاريخ .
فترصدت الأنواء إلا أن تقتله بسهم السواد ووحشية الملاذ ..
(يقول وحشي: ولما كان يوم اُحد كمنت لحمزة في أصل شجرة ليدنوا منّي، وكان حمزة يومئذ قد أعلم بريشة نعامة في صدره، فو الله إنّي لأنظر إليه يهدّ الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء، فهززت حربتي ـ ـ حتّى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته ـ وهي أسفل البطن ـ حتّى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغلب، وتركته وايّاها حتّى مات، ثمّ أتيته فأخذت حربتي ثمّ رجعت الى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنّما قتلته لأعتق).
تؤمن العقيدة المحمدية، والعلوية الغراء أن لغضبك سر إلهي وهبه الله لبيت النبوة، ليتقد غضبه ثورة، على كل ناصبي، وكان للتكوين حكاية وحكمة، أن يكون خلقك على قدر من الصلابة لتكون حاميا لنبيك ومحتضننا اياه من كل بلية تريد هلاكه .
(في كتاب الطرف للسيد ابن طاووس (قدس الله روحه) نقلا من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد عن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: لما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة دعا الناس إلى البيعة فبايع كلهم على السمع والطاعة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخلا دعا عليا فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي، ويسأله كتمان ذلك، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وحمزة وفاطمة (عليهم السلام) فقال لهم: بايعوني بيعة الرضا، فقال حمزة: بأبي أنت وأمي على ما نبايع؟ أليس قد بايعنا؟ فقال: يا أسد الله وأسد رسوله تبايع لله ولرسوله بالوفاء والاستقامة لابن أخيك إذن تستكمل الايمان، قال: نعم سمعا وطاعة، وبسط يده، فقال لهم: يد الله فوق أيديكم، علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة وفاطمة سيدة نساء العالمين والسبطان: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، هذا شرط من الله على جميع المسلمين من الجن والإنس أجمعين، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما، ثم قرأ: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله".
على مدى الرعاية الربانية لك، كان حلمك وكرمك، وكتابك التليد، صفوة في ذاتك وكمالاتك، وعمق معرفتك، أيدتك أفواه التقى، وبكت عليك أسود الكلمة، وقد شاركت النبوة لبنا مصفى على مدى البقاء وعمرك الشريف .
امتلكت هيبة القوة، وفهم الرسالة، وقد ملكك الله وألبسك لباس هيبته ولم يملكك أحد سوى نبيه ووليه فامتعضت نفسك من ضجيج التفكير المتدني وجملت الوجود ببطولاتك، وهاجرت الكمين بالرضا، كنت أمة، بقوة البساطة وبساطة القوة، وأضحت نواظرك ابتسامة، يراها الظالم غضبا وزئيرا، اكتفيت بصمت التحدي وجمال التصرف عند الامتحان، حتى كتبت نواصيك سلالم محاسن .
في بصائر الدرجات: (عن عبد الرحمن بن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: على قائمة العرش مكتوب: حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء).
تقر بالتقصير أقلامنا، في نحت حقك على مدى ذكرك في صحيفة أعمالنا، وقد صُبغت منابرنا قوةً ورفضا من تاريخ همتك، لأنك أنت الاندهاش الذي أقر بالفضيلة لشخصك العالم، فالعين قاصرة في إلمام ماتضمنته الفوائد من سيرتك، وقد كنت أنت الشمس زمن إطلالة السلام أرض العبادة مكة المكرمة .
تجلدت نفسك، سوى من فاتحة البيت، آل أبي طالب وكنت اسما لاذعا على من يعاديهم، وكان البر سبيلك وبكل الصور، حتى هابك كل قريب وبعيد، وبيت الدعوة مقيد بالدليل المفيد وأنت يا أبا عمارة، عامر بالتحدي ومعمر الثقة، قد صالحت نفسك إلا الوثوب على الحق، لذا كان لك ذلك الموقف الغاضب. الذي لا يعرف المواربة، تغلظ على من يحترف للتاريخ اسما، ولونا مختلفا إلا وتقتله بسورة غضبك الذي لا يعرف التردد .
في حقيبة الدمعة، بكتك النبوة، وكتبت دفاتر التقدير إنك أنت الأسد الذي فارقت روحه الدنيا بإفتخار القوة، كم رحلة من عمرك الشريف قد حاربت لأجل العقيدة، وكم ليل داج سهرت فيه مقلتيك خضوعا حتى تنام عيون الثكلى بأمان.. وهذا ما آلت له مسيرة الضمان أن لا تنام على خطأ، ولا تأكل من حرام، وتتعلم ما هو أعظم في حال الزمان.
قال وحشي قاتل حمزة عم النبي (عليهم صلوات الله)، لمّا رآني رسول الله في الطائف قال: أوحشي قلت: نعم يا رسول الله.
قال: اقعد فحدّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته بما جرى له معه، فلمّا فرغت من حديثي قال: ويحك! غيّب عنّي وجهك فلا أرينّك.
الفكر اليوم، بحاجة إلى شخص يتحمل أعباء الفقر الذهني، ليقدم البديل ويسعى إلى صحوة ذي دراسة وتخطيط ممهدا بالقدرة والفكرة الوتر، وإيضاح كل فقرات الحياة ضمن سلسلة محاور لها أسس تعتمد على الفضيلة والجد والاجتهاد والجهاد في ذات الله، وإلى رجل تتمثل فيه صفات الهيبة والجرأة وبيده عصا التأديب قولا وعملا، أن يكون عما، وأخا للشريعة، كما كان حمزة (سلام الله عليه) لنبي الله (عليه وآله صلوات الله) ..
البيت الايماني يحتاج إلى تكرار كثير من المواقف، وتعديل فارقة البصيرة في القلوب، وتجديد الأسلوب لفهم شخوص القيم عبر التاريخ، وأن لا تفقد الراحلة حملها عند مطب الاستسلام لأي فكرة ومقال، وأن تدرس المحافل أعمق المواجهات وتتعلم منها بنات الأفكار، وتتخذ من الصفوة لها بيانا محفوفا بالدليل والمثابرة.
الاسلام حياة شاملة، مرفقة بالشواهد قديما وحديثا فكل قيمة ماجدة ثمنها أرواح خالدة، ولنعرف أن عصا الأنبياء والصفوة، لهي أقوى العصي وأبهى خلودا في الوجود وإن الحكايا مهضومة قد جلدها الدمع وأبكاها على من بكاه الرسول، وواساه المرتضى، وا48جتمعت التعازي على فقده من كل موالي صبور .
اضافةتعليق
التعليقات