تلك الخِرقةُ السوداء، كانتَ تحملُ بين طياتها أنفاس النبي المُحمد (ص)..
تدنو إشتياقاً لـ لثمَ رأسه، تهفو لتضم ذلك العلم الوقور، لتحتضنَ تلك السماحة الاخلاقية، حتى ينبعثُ فيها شيءُ من روح محمد فيُصيرها تُرعةً زاخرةُ بالحياة ..
تنظُر لذلك القلم الذي ما برحَ يُداعبُ أصابعه دون كلل او ملل، يحَّملُ على ظهر مداده أسفار (المقدس)، بين تلك الدهاليز العظمى لمدنُ العلم يرتشفُ كي يتزود، فيصيرُ شريان الحياة لأمل كان يكبرُ شيئاً فَ شيَء بين اضلاع الصادق..
تلك التفاصِيل التي كانت تُغفو على مُحياه الملكوتي، كانت تبوحُ بكل ما يُخفى علينا، ذلك النور المُقتبس من وجه فاطم الطُهر كان يحنو على وجهه رويداً رويداً وكأنه تسبيحة فاطم بتلك التكبيرة، التحميدة والتسبيحة ..
السُؤدد الذي كان إرثاً من الحسن المُجتبى كان جميل البهاء وهو يتربعُ فيكَ صُورة حَسنة للحُسن ..
تلك الرشفة التي كانت بكف مدينة العلم قد شاءت ان تمنحكَ خلوداً لا يعرف الزوال، وكأن علياً صلوات الله والف سلام عليه قد غذاكَ من ابواب العلم باباً فُتحَ لك دون غيركَ ..
وتلك الآه وذلك الشجنُ بتلك الحرارة التي ما تنطفىء ولا تنطفىء، كان الأرث من كربلاء عَهدتُه اليكِ حين وطأ ترابها الدم الذي سكن الخُلد، آه وألف آه تتكسَّر بين الاضلاع، تزفرها الانفاس الحبيسة بالحُزن، كربلاء، كربلاء كانت تسكنكَ بكل جوارحك، جوانحك، بكُلكَ، وكأنك تندبه، جداه من أين لي التصبَّر على ما دهاكَ؟
هذا كان بعضاً من (تفاصيل محمد) تلك التفاصيل التي إستشعرها قلبي المقُصر والممتلىء بالذنوب على جهله بشخصه المقُدس، ومثلي لا يدركُ قلب المحمد ولا حقيقته ولكن هي نبضات تنفَّسها القلبُ ها هُنا..
أذكرُ جيداً ذلك اليوم، مازال يعيشُ في ذاكرتي، مازال حزنه وفيٌ جداً، يُداهمني كلما نظرتُ لشيء من آثاره ..
استيقظ حُزني على صوت التلفاز وهو ينعى الحُلم!
على صوت بكاء الصادق ونحيبه وهو مُتحسراً (لقد كان أملي لمُستقبل الاسلام، كان أملي ليقود المسيرة من بعدي).
استيقظ الفزع على صوت قَتلْ ذلك الامل، ذلك الذي لطالما كان يشرقُ بين حدقتيِّ الصادق، استيقظ يُتمِ قلبي حين ادركتُ ان صاحب برنامج (الإسلام والحياة) لن يعود وأنه غُيِبَ تحت الثرى، عندها أيقنتُ حقاً انَّ الحياة التي به إكتست (ال المعرفة) قد إستحالت نكرة (حياة)..
كنتُ قد إعتدتُ زيارته عند حرم جده، بعد أن أبوح لشباكه بكلُ تلك الأشواق التي تُثقل كاهلَ قلبي، أتوجهُ اليه، أُتمتمُ بيني وبين دمعي أنهُ هو مُسك الختام، هو من سيرفعُ زيارتي بين كفيه المُقدستين من أجل أنَّ تُختمَ من المولى الحبيب (مُسجل الزوار حبيب ابن مظاهر سلام الاه عليه)، أجلسُ عنده، اقرأ الفاتحة ثُم بعدها أساله الدُعاء والشفاعة عند أمه الصَّديقة..
إشتقتُ لصوته ذلك المُنبه الذي يُوقظني من غفلتي كُلما سهوْتُ، لـ الجلوس عنده، كنتُ منذُ مدة لم أذهبُ اليه بسبب عمليات الاعمار في الحضرة المُقدسة .
إشتقتُ لحروفه، كلماته، أفكاره ورؤاه تلك التي كان يراها لـ هذا الاسلام المُحمدي، أستذكرُ بعض مؤلفاته..
البداية كانت عند: الحُسين عظمة إلهية وعطاء بلا حدود..
قرأته اكثر من خمس مرات، مازلتُ عند كل قراءة يصيبني نفس الأحساس الذي إعتراني عند المرة الأولى..
أقلبُ صفحاته، تتراكضُ عيناي على سطوره، حتى تستحيل كاشفُ يزيل تلك العُتمة من عين بصيرتي، يُصيرني طاقة من الحُب فَ يعرجُ بيَّ نحو كربلاء، آه أيها المُقدس من أنتَ؟ صدقاً أخبرني من أنتَ؟
الآن أدركتُ حقاً وصدقاً إنَّك مثال لـ (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فَ أنتَ تلك القدوة الحية، ذلك المِثال المُقتبس من نور فاطم وعلي وذريتهم..
ركنَّتهُ على جانب، سقطت عيني على: ومضات..
نعم هي ومضات ياسيدي يحتاجها عالمنا، شبابنا، أرواحنا، نحتاجها لتكشفُ تلك العُتمة الجاثمة على بصائرنا، نحتاجها لتشعلُ قبساً يملىء تلك الطُرقات الحالكة ضياءاً، نحتاجها دليلاً يأخذ بأيدينا نحو جادة الصواب، نحتاجها سيدي أيها المُقدس ومضة تشرقُ في نفوسنا التي شارفت على الإنطفاء..
ألم تقلُ أنتَ: فكروا عالمياً وإعملوا عالمياً؟
حين قلت: "القرآن الكريم لغته لغة عالمية.. وهذا يتطلب منّا أن لا نحصر اهتمامنا في بلد أو إقليم أو قومية بل نكون عالَميين في تفكيرنا.. وأن يكون تفكيرنا كما أراده الله سبحانه وتعالى تفكيراً عالَمياً، ألسنا نقول في كل يوم عدة مرات: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، فربوبية الله عالَمية ورحمته للعالمين ورسالته كونية..
ألم تقُل: أسمعوا العالم أصواتكم؟
حين قلتَ: تعلموا الخطابة وإتقانها، تعلموا الكتابة والتأليف بما فيه إحتياجات المجتمع والشباب بالخصوص ..
ألم تقُل: كُلَّ فرد هو مؤسسة؟
حين قلتَ "تشويق كل فرد على العمل والفاعلية والانطلاق وتكوين المؤسسات، حتى يكون كل فرد مشروعاً ومؤسسة".
ألم تقُل:
"الاهتمام بتشكيل لجان لخدمة المجتمع، دينياً وثقافياً وإنسانياً"..
ألم تقُل عليكم بالجد والإجتهاد؟
ألم تكتُب ذاك المؤَلف العظيم: كيف نفهم القرآن؟ وأنتَ ابن الرابعة والعشرين من عمركَ؟
إذن لماذا صرنا غرقى في بحر الكسل والتسويف وملذات الدنيا الفانية؟
لن أتحدث عن شخصيتكَ، أخلاقكَ، علومكَ، وكل ما فيكَ فأنا مُتيقنة انني أمام بحر مُتلاطم من الفضائل والمعرفة..
لن أتحدث عن حُلمكَ، سماحتكَ، صبركَ، إبتسامتكَ فأنتَ القبسُ من نور علي وفاطم سلام الله عليهم..
لن أتحدث عن آلامكَ، صلاة الليل التي ما تركتها من سن تكليفكَ وحتى إستشهادكَ، إجتهادكَ، إنسانيتكَ فأنتَ القدوة التي جُمعتَ فيها كل المحاسن..
لم أقُل ما قلتُ مبالغة ولا وصفاً إنما هو (ومضة) ملئى بالخجل والتقصير من فيضكَ ايها المُقدس..
أتذكرُ دعاءكَ هذا جيداً لا أدري حتى اللحظة لما هو عالقُ في ذهن ذاكرتي هكذا:
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للتأثير في مجرى التاريخ فيما بقي من أعمارنا، وهذا ممكن بإذن الله، إن كان تفكيرنا عالمياً، وعملنا عالمياً".
الآن فقط أيقنتُ جيداً أنكَ تسبقُ عصركَ بآلاف السنين، وأننا فقدناك صدقاً، فقدنَّاك دليلاً نحو السير لآل محمد صلوات الله عليهم..
أيها الحيَّ عند ربك تُرزقُ من جدك وجدتكَ الكأس الأوفى، تصَّدق علينا بالدعاء الذي يُغير سوء حالنا الى حُسن حال..
أبه أيها المقدس، ما بريتُكَ حق البر ولكن اقول: لقد إشتقتُ لصوتكَ الطهور، فَ وداعاً في أمان الله حتى المُلتقى..
اضافةتعليق
التعليقات