إن معالم الثقافة الإسلامية هي أنها تسخر جميع السبل المشروعة للتمكن من الثبات في النفوس، وتترك السبل غير المشروعة، حيث لا يوجد في الإسلام عبر (قانون الغاية تبرر الوسيلة)، وإنما يجب أن تكون الوسيلة مشروعة لتحقيق الغاية المشروعة، فحينما نأتي إلى القيم الإسلامية والعادات التي أرساها الإسلام، نجد أنه حاول أن يستفيد من جميع السبل، شرط كونها مشروعة؛ لأنه لا يعقل نشر القضاء على قيمة أخرى، فلا يمكن أن ننشر العدل بالجور مثلاً.
إحدى القيم: فلا يمكن أن ننشر العدل في المجتمع عبر ظلمنا لبعض الأفراد، بينما نجد أن بعض الثقافات لا تسخر جميع السبل المشروعة، والبعض الآخر منها يسخر سبلاً غير مشروعة، وأما الإسلام فهو يتيح لنا جميع السبل، ولكن بشرط أن تكون مشروعة، مثلاً: هناك حالات طوارئ كالزلزال، وفي هذه الحالة، وهي طارئة - نجد أن الإسلام يستثمر هذه الحالة للتذكير بالله عز وجل، وربط الناس به سبحانه وبالقيم التي أرادها عبر صلاة، الآيات، وعبر الدعاء، والتوجه لله عز وجل، والتضرع إليه، ففي مثل هذا الوقت لا يترك الإسلام الإنسان وحده، وإنما يبين له واجبات ومستحبات، أو يحرم عليه شيئاً، أو يكره له شيئاً، ليكون على ارتباط دائم ومستمر بالله تعالى.
فإن من معالم الثقافة الإسلامية هو ارتباطها بجميع تفاصيل الحياة؛ ولذا حينما أية قضية من القضايا نجد فيها حكماً شرعياً، إما واجباً أو مستحباً أو حراماً أو مكروهاً، حيث يتم توظيف جميع السبل لترسيخ الثقافة في النفوس. ومن المعالم الأخرى للثقافة الإسلامية هو أنها تشبع الحاجات المعنوية والنفسية للإنسان؛ لأن الإنسان جسد وروح والجسد بحاجة إلى الطعام، فإذا لــم يجد الإنسان طعاماً سليماً فإنه يأكل طعاماً غير صحي؟ وإذا كان في صحراء وكان عطشاناً ووجد ماءً، فحتى لو كان ذلك الماء غير صالح للشرب، إلا أنه سوف يشربه ليروي عطشه، هذا بالنسبة إلى الجسم وأما بالنسبة لروح الإنسان، فهناك كثير من الثقافات لا تلبي الحاجة النفسية والروحية للإنسان، فقد نجد أن بعض الثقافات متطورة تطوراً مادياً، لكن الشعوب التي تحمل هذه الثقافات تنتشر فيها الأمراض النفسية وأما الثقافة الإسلامية فمن ميزاتها أنها تشبع الجانب الروحي للإنسان؛ لأن المصدر الرباني لهذه الثقافة زودها بالحقائق والمعارف الأساسية التي يحتاجها الإنسان.
فالله تعالى خالق الإنسان، ويعلم بتفاصيله، وهو أقرب إليه من حبل الوريد لذا فهو يعلم بحاجاته المعنوية، وحتى أصغر حاجة، وقد لبى هذه الحاجة عبر مجموعة من التشريعات.
إن الثقافة الإسلامية اكتسبت قداسة لأنها ارتبطت بمنظومة دينية، فإذا فعل الإنسان بعض هذه القيم فسوف يُثاب عليه، ويعاقب على تركه أو يُعرض للمساءلة، وقد جعل الله عز وجل هذه القداسة لمفردات هذه الثقافة لكي يحفز الإنسان بقوة على ممارستها بشكل عملي فكل الشعوب لها قيم، لكنها تفتقر للدافع القوي، بحيث إن الإنسان يفكر ماذا سيكسب إذا فعل هذه القيمة؟ وبماذا سيتضرر لو خالفها؟ وهذا قد يحدث حتى في جانب العبادات، فقد يعبد الناس الله عز وجل طمعاً في الجنة أو خوفاً من النار، ولا بأس بذلك، إلا أن الدرجة الكاملة الرفيعة للعبادة هي أن يعبد الناس ربهم عز وجل لأنه أهل لأن يُعبد، فالقيمة حينما تكتسب هذا الجانب من القداسة تكون حافزاً للإنسان، وعليه أن يحولها إلى سلوك عملي في حياته. نعم، توجد هناك مشكلة في المسلمين وليست في الثقافة الإسلامية، وهي تتمثل بعدم وجود الوعي الديني، وهذا ما يؤدي إلى المخالفة.
وقد ذكرنا أن القداسة إنما هي للقيم الدينية وليست لآراء الناس، فالقيمة الإسلامية المجردة يجب أن تكتسب القداسة، ونفس هذه القداسة تفرض على الإنسان أن يلتزم بها.
إن الثقافة الإسلامية مرتبطة بمنظومة أخلاقية متكاملة، حينما نلاحظ نصوص القرآن الكريم، وكلام المعصومين ونأتي إلى سيرتهم وممارساتهم العملية نجد أن الأخلاق السامية الإنسانية حاضرة في كل نص من تلك النصوص، وفي كل قضية من القضايا، وهذا ما نلاحظه في الجانب الأخلاقي في حروب الرسول علم مع الكفار والمشركين، وكذلك في الحروب التي اضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) لخوضها، حيث نجد الجانب الأخلاقي بارزاً بوضوح، فحينما نرجع إلى القرآن الكريم نجد تحفيزاً على هذه المنظومة الأخلاقية.
اضافةتعليق
التعليقات