تعرف القيادة الإسلامية بأنها تقع في طريق الوسط بين منعطفي الفوضى والديكتاتورية وأنها النظام الفاصل يتوسع ما اقتضته المصلحة، ويؤيد مالا تتحقق المصلحة بدونه.
أما الغرب والشرق فليس في نظمهما القيادية تلك المرونة المنطقية المعقولة التي نجدها في الإسلام، فهي تتمسك بأحكامها دون رعاية المصلحة، وتفرط في جانب على حساب التفريط بجانب آخر.
فالفوضى الغربية تفتح الأبواب واسعة عالية أمام شهوات الإنسان، فإذا بالاستغلال يطغى على العدالة، وإذا بالميوعة تقضي على الضبط، وإذا بالفحشاء تنتشر انتشارا على حساب الخلق والكرامة، وإذا بالأفكار الخطيرة تأكل التوازن الثقافي للأمة كما تأكل النار الهشيم.
وأما النظم الديكتاتورية في بلاد أخرى فتخنق الأمة، وتضعها في قوقعة ضيقة في القوالب الجاهزة الثابتة التي لا تسمح لمواهب الأمة أن تتفتح، ولا لأفكارها ان تنمو وتسمو.
فحرية السفر والفكر والتجارة والشؤون الشخصية تذبح في الديكتاتوريات المقيتة، كما تذبح كرامة الفرد، وعزة الأسرة، وشرف المجتمع في دنيا الغرب وفي نظامه.
وما هو السبب؟
لعل السبب في هذا الحيف والتعدي الفاضح الذي أقحمت البشرية إما إلى الاستبداد وإما إلى الفوضى، لعل السبب في ذلك هو أمر واحد فقط وهو: إن نظم الغرب لم تشأ أن تعطي لفرد واحد -هو القائد الأعلى- كامل الصلاحية خشية منه على حريات الجماهير، فلذلك تورطت في الفوضى، وإن النظم الاستبدادية خشيت من عاقبة الفوضى فأعطت الدولة (القيادة) كامل الصلاحيات فصادرت حريات الجماهير وكرامتها.
فالسبب يكمن في عدم قدرة النظام الغربي (ويمثله الشعب كله) على أن يقف على مصالحه، فلا يتعداها إلى الأخذ بشهواته الضارة به، وفي عدم قدرة النظام الديكتاتوري (ويمثله القائد المستبد) على تحقيق كرامة الإنسان، وهو يريد أن يوجهه إلى مصالحه، ويوقفه دون الشهوات المضرة به.
أما القيادة الإسلامية، فبما أنها تقوم على قاعدة فكرية صلبة وبما أن الشعب يؤمن بها وبجدارتها واستقامتها، وهي تؤمن بالشعب وبحقوقه، وبما أن الجميع قد اتفقوا –تربويا لا خطابيا- على رعاية مصالحهم المتمثلة والموجودة في المناهج الدينية، فإنها تستطيع من تحقيق كلا الأمرين:
١-تحديد الأمة بمصالحها
٢-صيانة كرامة كل فرد منها
ولذلك فإن القيادة في ظل الإسلام تعطي الناس الحرية والكرامة الكاملتين، في الوقت الذي قد تنتزع منهم بعضا لتحقيق مصلحتهم، وتحدده وتمنعه عنهم لتوفير سعادتهم.
والمبدأ الذي يتجرد له القائد، ويخضع له الناس لا يعطي القيادة إلاّ من يراعي مصالح الناس ويحققها، ويثق الناس بهذه الصفة فيه، فإذا حدد شهواتهم أطاعوه، لأنهم يعرفون لماذا تكون للقيادة الإسلامية تلك المرونة التي يفقدها غيره من نظم الأرض.
وربما تتمكن النظم الغربية أو الديكتاتورية من تعديل بعض انحرافاتها، والتقارب فيما بينها ليزيد هذا من ضبطه وتوجيهه، ويحد ذاك من ديكتاتوريته واستبداديته، ربما يستطيعون ذلك بعض الاستطاعة كما هم فاعلوه الآن، إلا أنهم لابد لهم أن يعرفوا نقطة واحدة وهي: مادامت الجماهير لا تتوفر لها التربية الروحية فإن اعطاءها كامل الحريات خطأ كبير، لأنها ستستخدم هذه الحريات في غير صالحها.
ومادامت الروح التضحوية لم تنضج في القيادة، فإن إعطاءها هي الأخرى حق التوجيه والإدارة المطلق خطأ كبير أيضا، إذ أنها ستنطلق من موقع القيادة هذا سبعا ضاريا على الجماهير، وتوجهها إلى ما يضمن مصالح القادة ومآربهم الخاصة، دون مصالح الشعوب ومآربها.
إن الإسلام إذ يضع للناس قسطاس المصلحة وميزان العدالة فإنه يمهد السبيل إلى هذا الهدف الأسمى قبل ذلك باشتراط العدالة المستمرة في القائد الأعلى التي تحصنه عن استغلال حق التوجيه المخول إليه فيما يضاد مصلحة الأمة.
وإذ يعطي الناس حرياتهم، فإنه يربيهم قبل ذلك على التقيد بالدين تربية مثلى حتى تعود تفضل مصالحها على شهواتها، سواء المصالح التي يعينها لهم العقل، أو توضحها لهم القيادة، ذلك لأنهم يعرفون أن القيادة لا تعمل إلا في صالحهم، لأنها قد تجردت للحق وللمصلحة ولهم تجردا كاملا.
وبهذا نعرف السبب الذي يعطي الدين هذا المقدار الضخم من الصلاحيات بيد القائد الأعلى، ويوسع له الطريق في سبيل تحقيق المصلحة التي يراها للأمة.
اضافةتعليق
التعليقات