ذكرت إحدى النساء قصتها مع زوجها الظالم منذ أشهر، وأقسمت بالله أنها ذاقت منه الويل والعذاب، وأنه لم يكتفِ بهذا الظلم فقط، بل منعها حتى من رؤية أقرب الناس إليها ألا وهم أولادها، حتى أنها وسطّت أهل الخير لكن من دون جدوى، وقد زادت لوعتها ومرارتها في العيش معه، (من تكون في موقفي وفي مثل حالتي)، حينها لم أملك جوابا ولكن طلبت منها الصبر والدعاء، الله يهدي من يشاء، في داخلي تمنيت أن لو كان بيدي حجر لضربت ذلك الزوج القاسي فأي قلب يحمل هذا الزوج؟.
في عالم اليوم كثيرا ما نسمع شكاوى من قبل الزوجين، ولا نعلم ايهما الظالم والمظلوم فكلاهما يُبرىء نفسه، لو رجعنا الى الزمن الماضي لوجدنا ثمة نساء عاشرن رجال ظالمين متسلطين، فعوضهم الله وصبّرهم بالجنة والمكانة العالية، ولبيان مكانة آسيا بنت مزاحم، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيهن: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اربع: آسية بنت مزاحم، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد).
فكانت الملكة تعيش في قصرٍ فخمٍ مليئ بالحراس، الجواري والعبيد يحيطون بها من كل جانب، في انتظار اشارة منها، جنة صورها زوجها الملك (فرعون) فكانت تقارن بجمال الدنيا، مترفة منعمة بالحرير والمجوهرات، زوجها الملك ظالم مستبد يطغى في الحكم، ويستكبر عن عبادة الله، وادعى الألوهية وأمر جنوده بأن يعبدوه ويقدسوه، فقال: انا ربكم الاعلى.
في ذاكرة التاريخ اسية بنت مزاحم..
في القران الكريم امثلة كثيرة ضرب الله بها للمؤمنين، ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))، عندما يضرب الله مثلا بإمرأة لابد ان تكون عظيمة ومثال صالح ليخلد الى الآن، صابرة محتسبة في سبيل الله تعالى، لم تأخذها نفسها في عالم المغريات والملوكية. فجزاها الله عن ايمانها بيتا في الجنة.
نسبها: هي آسية بنت مزاحم بن عبيد الديان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن النبي يوسف (عليه السلام) وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى (عليه الصلاة السلام).
ويبدو من اسمها انها كانت عربية من الهكسوس الحاكم السوسة، الرعاة او الحكام الذين حكموا مصر لمدة ما يقارب القرنين من الزمان.
الصندوق والصغير..
موقف السيدة آسية حينما وصل الصندوق الملقى في نهر النيل، فلما مر الصندوق الذي يحمل الطفل الرضيع على مقربة من قصر فرعون، التقطه الحرس ووضعوه بين يدي الملك فرعون فأمر بقتل الصبي خوفا من ان يكون من سلالة بني اسرائيل فأراد قتله بيده، اقتربت نحو الصندوق ورفضت قرار زوجها وطلبت منه ان يكون قرة عين لهما، عسى ان ينفعهما ويتخذونه ولدا، القى الله تعالى محبة الصغير في قلب هذه الملكة التي لم ترزق من زوجها فرعون ولد فتبنته لينشأ ويترعرع في قصر فرعون، عندما لاحظت عليه علامات الايمان بالله وعبادته دون المخلوقات، امنت به وصدقت دعوته، ولكنها في البداية أخفت ذلك خشية فرعون وما لبثت قليلا حتى أشهرت إسلامها واتباعها لدين موسى، كفرت بربوبية زوجها الذي نصب نفسه الرب الاعلى، ولأن قصر فرعون كان يسبح ويهلهل في ذكر فرعون، خوفا من جبروته، لا أحد يجرؤ على ان يقول له، ان الله هو ربك وربنا، او يصرح به.
اسية بين النعيم والجحيم..
اختيار لم يكن بتلك السهولة التي قد نتصورها، فرعون جبروت متكبر وحاكم ظالم، ان رفضت الربوبية سيكون مصيرها الموت، واي موت عند فرعون، وان كتمت ايمانها ولم تعلنه تكون ضعيفة وكأنها لم تؤمن، من دون تردد، الاختيار كان واضحا، جنة الله الخالدة على جنة فرعون الخاوية.
علم فرعون بايمان زوجته، فكان الاختيار ان تعود الى طاعته وعبادته، او ان يصلبها ويحرقها، عقابا لها، وحاول عبثاً ردها الى عبوديته، وأن تعود ملكة وتتربع على العرش، ولكنها كانت ثابتة مؤمنة بدعوة موسى، ولم يزحزحها ترهيب فرعون، لا خوف ولا حزن، افعل يا فرعون ما تريد.
فكان عقابها من الفرعون ربط يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس، حيث الحر وأشعة الشمس الحارقة، ووضعوا صخرة كبيرة على ظهرها، بعد هذا العقاب كان يظن بأنها تعود إليه، خاب ظن فرعون، تحملت وصبرت في سبيل الله والحصول على بيت في الجنة.
شارفت روحها على الرحيل للاعلى، دعت الله بأن يتقبلها في فسيح جناته وأن يبني لها بيتاً في الجنة، قال تعالى: ((إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين))، كشف الله عن بصيرتها فرأت قصرها في الجنة وهي تعذب عندما دعت الله فتبسمت، فقد بني لها بيتاً في الجنة.
جميل ان تصبر المرأة على ظلم زوجها والاجمل عندما يكافئها الله على صبرها، فما أعظم هذه المرأة، نفتقر اليوم لهكذا نماذج صالحة، وما أحوجنا إليها، الشهيدةِ آسيةَ بنتِ مزاحم، نموذجٌ يُحتذى به للمرأة المؤمنة الصابرة.
اضافةتعليق
التعليقات