إنَّ أبرز ما يُميز الأدعية المأثورة لدينا إنها لا تُعلمنا الطلب فقط، بل تُعطينا المطالب أيضًا، فهي تُعزز الجانب المعنوي في التذللِ ودوام السؤال من الله تعالى، وايضًا تُنبهنا لمفاتيحِ تَحقيق ما ندعوا لنيلهِ، ولِنَصل لما نصبوا إليه.
وإحدى هذه الأدعية المهمة هي دعاء زمن الغيبة، إذ ندعوا بإحدى فقراته بــ: [اللّهم وَلا تَسْلُبْنَا الْيَقينَ لِطُولِ الْأَمَدِ في غَيْبَتِهِ، وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانتظارهُ وَالْإيمانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْيَقينِ في ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصلاة عَلَيْهِ، حَتَّى لا يُقَنِّطَن طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ ظُهُورِهِ وَقِيامِهِ، وَيَكُونَ يَقينُنا في ذلِكَ كَيَقينِنا في قِيامِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَما جاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزيلِكَ](١)، إذ تتمحور الفقرات حول طلب حفظ سمة مهمة جدًا وهي[اليقين].
فالداعي هنا يطلب أن لا يُسلب التوفيق بقوله: [وَلا تَسْلُبْنَا]، فتَخذِلهُ نفسه بقلةِ الصبر على اختبار طول وقت غيبة إمامه، فيرى تحقق الفرج والظهور على إنه أمرًا بعيدًا، وعدم رؤيته لشخصه (عج) يجعله يائسًا قنوطًا، وبلوغ ذلك الطلب بمقومات ذُكرت في نفس الفقرات، وهي بمثابة مفاتيح عملية تُجنبنا الوقوع بهذا الخذلان، وذلك بقولنا: [وَلا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانتظارهُ وَالْإيمانَ بِهِ].
واللطيف أننا لو تأملنا بتوالي المفردات -المطالب- نجد أن [الذِكر] قُدِم على [الإيمان]، وقد توسطهما [الانتظار]، أي إنه يطلب عدم نسيان ذكره وانتظاره الناتج من وجود الإيمان لا الموجد له، ذلك الذي يجعله فيما بعد أقوى يقينًا، فعن الرسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال:[اليقين الإيمان كله](٢)، فليس كل المؤمنين بالإمام (عج) في زمن غيبته هم يؤمنون عن يقين، وإنما كمال الإيمان هو ما يثمر يقينًا في لا بدية خروج الإمام من غيبته مهما طال الأمد.
وبعبارة أخرى: لكون تقوية ورفع مستوى الإيمان به (عج) يُكتسب بالإستمرار في طلب معرفة الإمام (عج) كمقاماته وخصائصه الإلهية، سماته ونهجه، هو ما يحقق المقوم الآخر وهو الإنتظار الإيجابي الفعال والحركي، وعندئذ هو بلا شك سيكون لمن عَرفَه مؤمنًا محبًا منتظرًا؛ ومداومًا على ذكره.
وتذكره وحضوره في وجدانه هذا هو ما يوصله لكمال الإيمان في القضية المهدوية؛ فيوجد في نفسه اليقين، بالنتيجة أن هذه المقومات الثلاثة هي كالواجبات التي لا غنى لكل مُنتظِر عنها؛ لتُشكل دائرة متصلة تحيط بقلبه فتحصن يقينه المهدوي وتحفظه من السلبِ.
ثم مع بلوغ هذا المستوى بلا شك فإن اليقين ليس فقط سيتحقق وإنما سيكون [يقين قوي]، لذا هنا تأدبًا يعود ليطلب المؤمن المتيقن أن لا يُسلب ما بلغه من هذه القوة في اليقين، وذلك من خلال مقومين جديدين هما [وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصلاة عَلَيْهِ].
فمتى ما كان ممن يَلهج بالدعاء لإمامه، وذو صلة وتواصل بالصلاة عليه، الإمام (عج) بالمقابل سيشمله بدعائه، وبتسديده ويمده من أنواره (عج)، فهما كالنوافل يُحَصنان يقين المؤمن من الضعف وليس من السلب.
وهكذا يكون الداعي العامل ممن وصفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله: «يا عليُّ، وَاعْلَمْ أنَّ أَعْجَبَ الناسِ إيماناً، وأَعظَمَهُمْ يقيناً، قَوْمٌ يكونونَ في آخرِ الزمان، لم يلْحَقوا النبيَّ، وحَجَبَتْهُمُ الحُجَّةُ، فآمَنوا بِسَوادٍ على بياضٍ»(٣)، وذلك بقولنا في ختام الفقرات: [وَيَكُونَ يَقينُنا في ذلِكَ كَيَقينِنا في قِيامِ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَما جاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزيلِكَ] .
______
اضافةتعليق
التعليقات