لاشك فيه أنه ما من مسلم رضي بالله رَبَّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً إلا وهو يسعى إلى تحصيل رضا الله، ويتلمس الطرق التي تقربه، ونيل رضاه ويبتعد عن كل ما يؤدي إلى سخطه وعقوبته.
وتلك المكانة التي يهبها الله لمن يختاره من عباده بعد أن يُدنيه ويقربهُ له ماهي إلا بسعي المؤمن لتلك المكانة العظيمة في الحياة في ظلِّ هذا الهدف والسعي في الوصول له حتى يجمعُ الدنيا والدين، ويُؤسِّسُ لتنميةٍ شاملةٍ، ونجاحٍ مُستمرٍّ في الحياة لجميع أعمالنا، حين نجعلُ هدفَنا الأعلى رِضوان الله. وهو ليس بالأمر العسير؛ إلا على من ابتعد عن الله وناء بجانبه نحو المعاصي والمنكرات وترك العمل بكتابه الكريم.
وليس التقرب إلى الله مختص ومختصر على الأنبياء والصالحين، بل ينال شرف رحمة، ورضا الله من عمل بقوانين وشرايع دينه، وكما أكد لله على سائر العبادات والعمل بها، أكد على قراءة القرآن وحذر من هجره، ومن فضل القرآن الكريم يوم القيامة هو شفاعته لأصحابه.
فالقرآن الكريم يحاجج عن صاحبه يوم القيامة، وينال قارئ القرآن الكريم الجنة بحسب عمله بما يقرأه من القرآن، فقد روى عن النبي _صلّى الله عليه وآله_ أنه قال: "يقالُ لصَاحِبِ القرآنِ اقرَأْ وارتَقِ ورتِّلْ كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرؤُها".
وينال قارئ القرآن الأجر الجزيل من الله تعالى، ولعل أعظم هذا الثواب هو جعل قارئ القرآن من أهل الله وخاصته، فلا شيء أعظم من أن يصبح العبد من أولياء الله الصالحين. عن النبي -صلّى الله عليه وآله- أنّه قال: "إنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ الناسِ، وإنَّ أهْلَ القرآنِ أهْلُ اللهِ وخاصَّتُه".
وإذا رغب العبد في معرفة كيفية ذلك الحب يجده في لهفته والشوق إلى تلاوة القرآن فهو حديث الله وكلامه المنزل على النبي محمد (صل الله عليه وآله) في أفضل الشهور منزلة شهر رمضان الذي اختصّه بالصيام.
لذا نلحظ أن قراءة القرآن في شهر رمضان لها وقع عظيم في نفس المؤمن. ونحن في أعظم الشهور وأحبها إلى الله شهر رمضان المُبارَكٌ، افترضَ اللهُ علينا صِيامَه، حيث تُفتَحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيه الشياطينُ، فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ.
إن فضائل وأجر قراءة القرآن لا تعد ولا تحصى فهو ربيع القلوب كما قال عنه الإمام الصادق عندما سئل عن فضله، حيث قال (عليه السلام): (لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان).
فكل أيام تلاوة القرآن لها منزلة عظيمة ولكن لقراءة القرآن الكريم لذّة وجوا خاصا لقارئه في شهر رمضان المبارك بحيث يترك الأثر الروحي والنفسي في القارئ على طوال أشهر السنة ما بعد شهر رمضان، ويخلق له شوقا في انتظار هذا الشهر المبارك على مدار السنة مما يكشف لنا سرا من أسرار هذا الشهر المبارك وهو تعلقه بالقرآن الكريم، من حيث الشوق إلى قراءته، في ذكرى نزول القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. على رسول الله في خير ليلة من لياليه المباركة ليلة القدر.
وأيضا ورد في الروايات أن قراءة القرآن الكريم بصورة عامة في كل الأوقات له من الأجر ما لا يحصى فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين.
وبعد معرفتنا بأهمية قراءة القرآن في أي وقت بصورة عامة وفي شهر رمضان بصورة خاصة فما الذي ينبغي علينا تقديمه للقرآن الكريم في هذا الشهر المبارك التي تتفتح به كل السبل إلى الله تعالى، والذي يقول فيه الامام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه إذا دخل شهر رمضان -: (الحمد لله الذي حبانا بدينه واختصنا بملته وسبلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره رمضان، شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام).
ينبغي علينا أن نهيئ جوا خاصا نستخلصه من وقتنا في هذا الشهر المبارك ونخصصه لتلاوة وحفظ وتفسير آيات القرآن الكريم، إذ لا ينبغي علينا هجر القرآن الكريم في شهر كشهر رمضان لأن هجر القرآن الكريم في مثل هذا الشهر يعد من الخسارة في التجارة مع الله تعالى والعياذ بالله، فما أجمل أن يتاجر الإنسان مع الله تعالى في شهر تضاعف به الحسنات إلى أضعاف لا يعلمها إلا الله.
ويكفي القرآن عظمة ومنزلة أنه كلام الله العظيم، ومعجزة نبيه الكريم، وأن آياته تكفلت بهداية الناس في جميع أمورهم وشؤونهم، وضمنت لهم الحصول على الغاية القصوى والسعادة الكبرى في الدنيا والآخرة. وأعظم أهل الأرض منزلة عند الله هم قرّاء القرآن.
اضافةتعليق
التعليقات