وردت مفردة "دابّة" في قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}1.
وفي قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا..}2.
وجاء في اللغة أن مفردة "دابّة" تُطلق على كلّ ما يدبُّ ويتحرك على وجه الأرض من الإنسان والحيوان وغيره.
لقد استوقفتني هذه المفردة في قوله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ )3 .
فأيّ "دابة من الأرض" تخرج وتكلم الناس.. وأين ومتى وكيف؟
في المرويّات الصادرة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أن الدابّة هي مصداق وحيانِي خاصّ يختلف اختلافًا كثيرًا عن مفهومها في اللغة.
فهي آية من آيات الله الكبرى "تخرج من الأرض" في آخر الزمان في أحسن وأجمل صورة.
وورد لها وصفٌ وحيدٌ في القرآن الكريم بمفردة "تكلمهم" أي أنها دابّة تَعقل وتنطق بخلاف ما صورها مفسّرو العامّة عندما ذكروا أنها حيوان صامت مخيف يمشي على أربعة قوائم.
أشارت الرّوايات المستفيضة عند الفريقين عن بعضٍ من أحوالها وخصوصياتها إلى أن المشار إليه ب"دابّة من الأرض" هو خليفة رسول الله، ووصيه، وحامل لوائه، وإمام المتقين، ويعسوب الدين، ووليد الكعبة المشرفة "أمير المؤمنين" علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
فقد روى في تفسير القمي أنّ (رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وهو راقد في المسجد وقد جمع رملًا ووضع رأسه عليه، فحركه رسول الله صلى الله عليه وآله برجله وقال: قُمْ يا دابّة الأرض. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضًا بهذا الإسم؟ فقال: لا والله ما هي إلَّا له خاصة، وهو الدابّة التي ذكرها الله في كتابه، وهو قوله عزّ وجلّ (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ))4.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: (دخلت على علي بن أبي طالب فقال: ألَا أحدثك ثلاثًا قبل أن يدخل علي وعليك داخل؟ قلت: بلى. قال: أنا عبد الله وأنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألَا أخبرك بأنف المهدي وعينيه؟ قال: قلت: بلى. قال: فضرب بيده إلى صدره فقال: أنا) 5.
تبقى التفاصيل في معنى هذه الدابّة وأحوالها مبهمًا عند الناس حتى تحين الساعة، لكنها أمست محلا للسؤال، كما روي عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه (أن رجلًا قال لعمار بن ياسر: في القرآن آية شغلت بالي وجعلتني في شكّ قال عمار: أية آية هي؟ قال: آية «وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون»، فيقول عمار: والله لا أجلس على الأرض ولا آكل طعاما ولا أشرب ماء حتى أريكها. ثم يأخذه عمار إلى الإمام علي، وهو يأكل طعامًا فلما بصر به الإمام علي ناداه فجاء عمار عنده وأكل معه!. فتعجب الرجل ولم يصدق هذا المشهد، إذ كان عمار قد حلف ووعده أن لا يجلس على الأرض ولا يأكل ولا يشرب حتى يريه دابة الأرض، فكأنه نسي وعده!. فلما قام عمار وودع عليًا.. قال له الرجل: عجيب منك أن تقسم بالله أن لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس على الأرض، حتى تريني دابة الأرض. فقال له عمار: أريتكها لو كنت تعقل)6.
زمنُ خروجها
أشار صلوات الله عليه أن زمن خروج "دابة من الأرض" سيكون "بعد طلوع الشمس من مغربها" "وقتل الدّجال وأعوانه" على يد ابنه الإمام المنقذ المهدي صلوات الله عليهما، وروي عنه أيضًا انه سيكون "حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر" أي *بعد ما يكثر الفسق والفساد بين الناس نتيجة تهاونهم عن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر7.
الطّامّة الكُبرى
وصف سيد السادات أمير المؤمنين صلوات الله عليه مرحلة خروجه "بالطامة الكبرى" لهول الأحداث التي ستجري فيها (..قلنا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: خروج دابّة الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان، وعصا موسى، يضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فيطبع فيه: هذا مؤمن حقًّا، ويضعه على وجه كل كافر فيطبع فيه: هذا كافر حقًّا، ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها مَن بين الخافقين بإذن الله بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة)8.
كما جاء في رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم (9) فتسم به أعداءك (10.
وفي رواية عنه أيضًا (إنّ علياً صدِّيق هذه الاُمّة، وفاروقها، ومحدّثها، إنّه هارونها، ويوشعها، وآصفها، وشمعونها، إنّه باب حِطّتها، وسفينة نجاتها، إنّه طالوتها، وذو قرنيها)11.
وَلايةُ عليّ حصني
وتشير الشواهد الأخرى في ما صدر عنهم صلوات الله عليهم إلى رجعة "حجة الله" "المصلح" "المهدي الأكبر" "صاحب الكرّات والرّجعات" "والعصا والميسم" "ولواء الحمد" "والأعراف" في آخر الزمان من الدنيا، وتملِكه* فيها "كذي القرنين"، وإقامة دولته "دولة الدول" وإنجاز الواجب الموعود في زمن الرجعة.
وستكون مرحلة خروج "دابّة من الأرض" التي وصفها أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ب "مفتاح لألف مفتاح آخر" أحد ظهوراته العظيمة، التي سيصنف الناس فيها إلى أخيار وأشرار، وسيفوز فيها الولي المحب لإمامه بمنازلِه وحصونه المنيعة دون العدو. وهنا سيتجلى معنى حديث "السلسة الذهبية" للإمام الرضا صلوات الله عليه "ولاية علي حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي"12.
سيكون ذلك ممهدا لإقامة "الدّولة الكبرى"، دولة سيد الأنبياء والمرسلين المصطفى الأمين محمد صلى الله عليه وآله.. كما وُعد في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}13.
اللهم عجل لوليك النصر وظهور الأمر.
اضافةتعليق
التعليقات