عُقد اجتماع لجمع من المؤمنات والناشطات الكترونيا على تطبيق whatsapp، مع توجيهات سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) وذلك في 12/1/2021، المصادف 27 جمادى الأولى، 1442 هـ.
حيث بدأ سماحته بذكر الآية القرآنية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبينُ)[1]. وقال: هذه الآية الشريفة تعد من الآيات التي تتضمن إنذاراً قوياً وشديداً لكل انسان، وعلى كل شخص أن يلتفت إليه وأن يستحضره في كل مرحلة في حياته.
وهذه الآية الشريفة تستبطن فيما تستبطن وتتضمن فيما تتضمن الإشارة إلى مسألتين من أخطر المسائل، إحداهما مسألة تتعلق بعلم النفس والأخرى مسألة تتعلق بعلم الكلام، وكلتا المسألتين ينبغي أن نضعهما نصب أعيننا دائماً. ولكن قبل ذلك علينا أن نتعرف على تفسير قوله تعالى: (حَرْف)
ماذا يعني الحرف؟
الحرف يعني الطرف وقد فُسّر بالشك أيضاً، والشك، لدى التدبر، هو طرف اليقين، أي إن من الناس من يعيش على حرفٍ، على طرفِ مدبب من جبل مثلاً حيث إن من الممكن أن ينهار به في أية لحظة، فكما أن من يقف على طرف الجبل غير مستقر ويُخشى عليه السقوط كذلك الذي لا يملك إيماناً مستقرا فإنه يعيش القلق والخوف الدائم ومن الممكن في كل آنٍ أن يسقط في أعماق الوادي (وادي الكفر والانحراف) والمأساة أن كثيراً من الناس هم من هذا القبيل، إيمانهم ليس إيماناً مستقراً بل هو كإيمان من يعيش على طرف جبل أي على حافة جبلٍ مشرفٍ على هوة عميقة.
ويمكن أن نتصور ذلك بصورة ثانية وهي من يقف على طرفٍ من الجيش، أي في أطرافه ونهاياته، عكس البطل الضرغام الذي يصول ويجول في وسط المعمعة والمعركة، لا يخاف شيئا ولا يخشى (بايع مخلص بتعبير آخر)، ولكنّ بعض الناس يقفون على طرف الجيش حتى إذا كانت الكرة للمسلمين يكون معهم، أي مع من يأخذ الغنائم، وإذا كانت الكرة على المسلمين يكون أسرع ما يكون للهرب بسرعة مادام يتحرك على طرف الجيش. وأما المسألتان فـ:
شاكلتان: من يعبد على حرف ومن يعبد في كل الحالات
المسألة الأولى: هي قاعدة في علم النفس، فإن الله سبحانه وتعالى يشير إلى نمطين من أنماط الشخصية الإنسانية: النمط الأول من يعبد الله على حرف، على طرف، لأن الإيمان لم يدخل إلى أعماقه أي إنه يعيش على طرف الإيمان لذا فإنه قد يسقط في الهاوية في أية لحظة، لكن القسم الآخر يعيش في بحبوحة من الإيمان أو فقل: الذي يعشعش في عمق جوانجه.
وإذا عرفنا أن للناس شاكلتين ونمطين فيجب أن نستكشف حالنا ونراقب إيماننا فهل هو على حرف والعياذ بالله، أو ليس على حرف، وتجليات ذلك كثيرة:
التجلي الأول: عندما تنفجر قوتكم الغضبية تجاه ابنكم، أخوكم، أحد أقربائكم، أحد جيرانكم، زميلكم في الدراسة أو العمل، فهنا يظهر واقع الإنسان وإن إيمانه على حرف أم على غير حرف، أما في الحالات العادية فإن الجميع يبدو وضعه جيداً وحسنا، إنما عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، فعند تفجّر القوة الغضبية يتبين واقع إيمان الإنسان أنه كالجبل الراسخ أو على حرف يزول بأدنى مهيّج للقوة الغضبية، فيسب ويتهم ويتهجم وقد يضرب ويجرح أو يفعل الأفاعيل.
التجلي الآخر، القوة الشهوية، فإن بعض الناس يسيطر على قوته الشهوية سيطرة كاملة فهذا إيمانه مستقر من هذه الجهة، فلا ينظر إلى امرأة أجنبية وإن استهوته، أو لا تنظر إلى رجل أجنبي وإن استرعى نظرها وبالها، وصور أخرى أشد من هذه الصور.
التجلي الثالث: الحسد، فإن بعض الرجال أو النساء قد لا يبتلى بالحسد لعدم وجود منافس يتغلب عليه ببعض المواصفات، لكن الامتحان إنما هو فيما لو ابتلي بمنافس قوي، ففي مجال العمل الثقافي والديني، في المساجد والحسينيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية، أحيانا الرجل أو المرأة يمضي / تمضي بشكل جيد، لكن إذا تغلب / تغلبت عليه / عليها منافس / منافِسة، فقد نجد الحسد يحركه / يحركها فتبدأ مسيرة النميمة والتهمة والإهانة وغير ذلك لا سمح الله، فهذا مصداق أو مظهر لـ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ).
الإيمان المستقر والمستودع
المسألة الأخرى هي قاعدة من قواعد علم الكلام تترابط مع القاعدة الأولى أيضاً، وهي ماورد في الروايات من وجود نوعين للإيمان، الإيمان المُستقَر والإيمان المستودَع أعاذنا الله وإياكم من الإيمان المستودع.
الإيمان المستودع يجسده رجل كالزبير، إذ أنه كان مؤمناً ولم يكن منافقاً في المرحلة الأولى من حياته، فقد كان سيفاً من سيوف الله، وقد يكون الإنسان بالفعل صالحاً، مثل بلعم ابن باعوراء الذي كان واقعاً صالحاً في تلك الفترة، بل إنه بلغ من الصلاح موقعاً أعطاه الله الاسم الأعظم، لكن إيمانه كان مستعاراً، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوينَ)[2] وقد يفقد الإنسان إيمانه أو يؤخذ الإيمان منه قبل سنين أو أشهر أو ساعات أو حتى لحظات. فعلينا أن نستجير بالله من الإيمان المستودع وذلك الإيمان الذي يسلب من الإنسان قبل موته، فيدخل النار والعياذ بالله، أما المستقر فإنه هو الذي يسحبه إلى الجنة.
هل ياترى إيماننا مستقر أم مستودع؟
كل واحد منا عليه أن يخشى ذلك، وأن يفكر في ذلك، وأن يبحث عن الأسباب وسُبُل العلاج، وأن يستكشف نفسه، أو إيمانه هل هو على حرفٍ أم لا.
وهناك صور معبرة للسقوط المدوّي لأناس كانوا في مراحل سابقة أناسا صالحين. نذكر منها مثالين، كل منها معبّر إلى أبعد الحدود:
حمامة المسجد والسقوط المدوي
الأولى قصة عبد الملك بن مروان، ومن المعروف أنه كان يسمى حمامة المسجد لأنه كان مرابطاً في المسجد الحرام، ليل نهار يقرأ القرآن، يصلي، يركع، يسجد، وما أشبه، وكان قد بلغ من شدة ورعه، - حسب ما يتصوره الناس، وحسب ما كان يبدو من أحواله -، أنه كما ينقل في "نثر الدرر للآبي"، إنه كان يقول، أي عبد الملك: كنتُ أمشي في الزرع فأتقي الـجُندب أن أقتله، (أي لهذه الدرجة كان محتاطاً، يراقب حركاته كي لا يضع رجله على جرادةٍ!)، وقال أيضاً: (إني كنت أتحرج أن أطأ نملة) ثم يتابع: ويقول (وإن الحجاج ليكتب إليّ الآن في قتل فئام[3] من الناس فما أحفل بذلك!) ويقول أيضاً (وقالت لي حبي المدينية: أقتلت عمرا؟ فقلت: قتلته وهو أعز علي من دم ناظري. ولكن لا يجتمع فحلان في شول. (أي في قطيع) ).
فهكذا كان عبد الملك بن مروان بتلك الحال مما يبدو عليه من الزهد والورع والتقوى لكنه بلغ إلى تلك الحالة التي لا يحفل بقتل المآت من الأنفس المحترمة..
ومما جاء في محاضرات الأدباء، عن عبد الملك (الذي كما قلنا كان يسمى حمامة المسجد، للزومه المسجد الحرام) أنه لما أتاه الخبر بخلافته. كان المصحف في حجره، فوضعه جانباً وقال: هذا فراق بيني وبينك. (فهذا قد نطق بذلك بلسانه، إلا إن بعض الناس لا ينطقون بذلك لكن أعمالهم تفصح عن جوهرهم).
وقال الزهري يوماً لعبد الملك: بلغني أنك شربت الطُّلا - أي الخمر-؟ (تصوروا هذا المسمى بخليفة المسلمين، فبدل أن يخجل أو يكتم الخبر لاحظوا التبجح والغرور والعصيان)، فقال عبد الملك: إي والله والدماء. أي ليس فقط كان يشرب الخمر، بل يشرب الدماء أيضاً!.
ومن المهم أن نلاحظ كلمته الأخرى، إذ يقول عبد الملك: (عجباً للسلطان، كيف يُحسِن وإذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه) وذلك لأننا نحن كذلك كثيراً ما نعين الظلمة على ظلمهم، فعندما نصفق لظالم أو لجائر مهما كان سواء أكان قريبا لنا أم قائداً لنا أم أي شيء آخر وإذا صفقنا له، صرنا شركاء في ذنبه وجرائمه.
لاحظو بعد ذلك مدة حكومة عبد الملك فلقد كانت 21 سنة وشهر ونصف، كما في المناقب والمثالب للنعماني، كانت ولايته من يوم بويع إلى يوم مات، ولكنه في عالم البرزخ منذ أكثر من ألف سنة وإلى يوم يبعثون، في أشد العذاب. (هل يسوه ذلك؟)
هذه كلها تشكل إنذارات لنا إلى أبعد الحدود، أي إن علينا أن لا نغتر بإيماننا الحالي وإنما علينا أن نبحث في أعماق أعماق قلوبنا لنكتشف حقيقة أن إيماننا من أي قبيل، مستقر أو مستودع؟
ولقد كان هذا المثال مثالاً على امتحان الرياسة: فقد يمتحن شخص بأن يصبح ملكاً على امبراطورية واسعة فيفشل في الامتحان وقد يمتحن شخص بأن يصبح رئيسا لدولة أو رئيس وزراء أو وزيراً، أو معاون وزير، أو نائباً في البرلمان، أو حتى رئيس شركة، فيسقط في الامتحان أيضاً، هذا الفشل خطير، وهو انذار كبير لنا جداً فإن بعض الناس مادام لا يملك مالاً، شهرةً، رياسةً، منافسين، نراه مستقيما في دربه، ولكنه بمجرد أن يواجه منافساً، أو في بعد آخر، توجد لها ضرّة مثلاً، تفقدها غيرتُها إيمانَها، أو بمجرد ما يشاهد الرجل امرأة أخرى في الشركة أو الجامعة، تفقده هذه النظرة إيمانه، فههنا بيت القصيد في الامتحان الإلهي واستكشاف الإيمان المستعار.
إن الانسان عندما يكون منعزلاً أو معتزلاً قد يبدو ثابت القدم، لكن هذا لا قيمة واقعية له، إنما الامتحان يكون عند الفتنة ولدى المنعطفات.
حاطب الجاسوس
المثال الآخر مثال معروف، لكن بعض جوانبه غير معروفة وهو حاطب بن أبي بلتعة المعروف، هذا الرجل بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية، قرّر النبي (صلى الله عليه وآله) فتح مكة، ولكنه قرر أن يفاجئهم، بأن يسلك طريقاً آخر كي لا يكتشفوا أنه يريد أن يهاجم مكة فيستعدوا فيكثر القتل والقتال، فأراد أن يفاجئهم كي لا يُقتل أحد أو لا يتجاوز القتل الحد الأدنى الممكن، إلا أن حاطب خان خيانة مذهلة، فقد كتب رسالة بعثها مع امرأة كانت تسمى سارة إلى مكة، ولكن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وربما معه الزبير وآخر، فاستنقذوا تلك الرسالة منها، أي استرجعوها منها، وبيت القصيد هو أننا نسمع هذا الخبر الأخير لكن أجواء الخبر وما قبله لا نسمعها عادة، فلقد كان حاطب من الشخصيات المهمة، إلى درجة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعثه رسولاً من قبله إلى المقوقس حاكم مصر، يعني أنه كان في موقع غير عادي، كما أنه شهد بدراً وعددا من المشاهد، وكان من الرماة المرموقين، كان متميزاً إلى أبعد الحدود في الحروب لكن مع ذلك سقط في امتحان بسيط سقوطاً مدوياً. هذه كلها تشكل لنا انذارات كبيرة.
كيف نستكشف أنفسنا؟
وهنا يواجهنا سؤالان:
أولاً: كيف نكتشف أنفسنا وأن إيماننا مستقر أم مستودع، خاصةً أولئك الذين يقفون في مواقع متقدمة من المجتمع يعني، الخطباء، الخطيبات، مديرات ومدراء المؤسسات وغير ذلك؟
ثانياً: كيف نكتشف غيرنا أيضاً ذلك أنه من الممكن أن نتخذ لأنفسنا معاوناً أو تتخذ هذه المرأة المديرة للمؤسسة معاونةً فمن المهم جداً أن تستكشف واقعها وأن إيمانها مستقر أو إيمانها مستودع؟
الجواب: أن هناك طرق كثيرة للاستكشاف.. نقتصر ههنا على طريقين:
استبطان الذات
الطريق الأول: استبطان الذات، وللاستبطان معانٍ متعددة نشير إلى إحداها وهو: السير في الأنفس، إن الله سبحانه يقول: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) والاستبطان يعني استكشاف الإنسان لأغواره وباطنه ولكن كيف؟
إن الجواب هو: أن هناك طرق عديدة ومنها ما يسمى بحديث النفس، إذ إن الإنسان كثيراً ما يتحدث مع نفسه ويخاطبها.. راقبوا أنفسكم في مختلف الأوقات وفي مختلف الأمكنة: في العمل، المطبخ، الشارع، المدرسة، فستجدون أنكم كثيراً ما تتحدثون مع أنفسكم بصوت خفي وهذا يندرج تحت مسمى حديث النفس، وهذا الحديث الخفي يكشف للإنسان أن نظرته للأمور متشائمة أو متفائلة؟، وهل هو حسود أو لا؟ وهل هو حقود أو ليس كذلك، هل قوته الغضبية متفجرة أو لا..
ترون أحياناً أنه عندما يتعرض أحدكم للإهانة (أو تتصورون أنه أهانكم) تتحدثون في أنفسكم: أنني سأفعل به كذا أو كذا.. أو يا ليت يحدث له كذا وكذا.. هذه أحاديث النفس وهي مؤشر قوي يكشف عمق الإنسان: هل هذا الإنسان صبورٌ أو لا؟ وهل هو وقورٌ عند الهزاهز أو ليس بوقور؟، حليمٌ ذو أناة أو ليس كذلك؟ وما هي مديات قوته الغضبية والشهوية؟ وما إلى ذلك.
هذه هي خطرات الفكر أو حديث النفس، فإذا أردتم استبطان ذواتكم فراقبوا أحاديثكم لأنفسكم فإذا رأيتم هذه الأحاديث إيجابية إيمانية صالحة فإطمئنوا أكثر، أما إذا كانت سلبية تحدثكم بالمعاصي لا سمح الله فحاولوا تغييرها.
التغذية الراجعة
الطريق الثاني: هو ما يسمى بالتغذية الراجعة أو مراقبة تقييم الآخرين، إن الكثير منا مع الأسف حساس جداً لأية كلمة يسمعها من الطرف الآخر إذا كان يقيمكم تقييماً سلبياً، بينما العكس من ذلك يستفاد من الرواية الشريفة: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ)[4] والمرآة عنما تكشف لكم عن وجود نقطة سوداء في جبينكم مثلاً فإن عليكم أن تشكروا المرآة عملياً، بأن تنظفوها مثلاً كي تكشف عيوبكم أكثر فأكثر لا أن تكسروها .
فإذا رأيتم أحداً ينتقدكم حتى لو كان مغرضاً وحتى لو كان الانتقاد عنيفاً وجارحاً فعليكم أن تدققوا في لبّ الكلام، فلعل نقده يحمل بعض الصدق، فغيروا حينئذٍ ما بأنفسكم، والحاصل: أنه إذا رأيتم أن استجابتكم لنقد الآخرين لكم ونهيهم إياكم عن المنكر إيجابية فهذا يعد مؤشراً على استقرار الإيمان ولو نوعاً ما لأن معنى ذلك أنكم سحقتم الأنا في أنفسكم وجعلتم الحق هدفكم وغرضكم وديدنكم، أما إذا رأيتم أنفسكم تأنف قبول وتقبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن ذلك يجب أن يثير قلقكم.
ما هي آليات الإصلاح؟
والسؤال الآن: ما هي السبل والطرق التي يمكن أن ننتقل بها من الإيمان المستودع إن كان مستودعاً، إلى الإيمان المستقر؟ الجواب: هنالك طرق نشير إلى بعضها:
الدعاء
الطريق الأول: الدعاء والإلحاح في الدعاء إضافة إلى التوسل والإصرار على التوسل؛ لأن حسن العاقبة وسوء العاقبة منوطان فيما هما منوطان به بالدعاء (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، والله يحب العبد الدعّاء واللحوح في الدعاء.
الصدقة
الطريق الثاني: الصدقة، وفي الرواية عن الصدقة (إن البلاء ينزل من السماء كقطر المطر فتصعد الصدقة وترجعها معها) وأي بلاء أشد من خسران الإيمان وخسران العقيدة والانحراف عن الدرب؟ فإذا تصدق الإنسان على يتيمٍ أو مسكينٍ أو فقير أو ما أشبه ذلك واستمر على هذا المنهج فببركة هذه الصدقة قد يغير الله سبحانه وتعالى المكتوب في لوح المحو الإثبات ويحول إيمانه إذا كان مستودعاً إلى إيمان مستقر.
اعملوا على عكس ما تحدثكم به أنفسكم
الآلية الثالثة وهي: اعملوا على عكس ما تحدثكم به أنفسكم (إن النفس لأمارة بالسوء) فمثلاً لو رأيتم في أنفسكم حسداً تجاه مؤمن أو بعض الحقد أو التكبر فاعملوا على العكس: إذ إن الانسان الذي يحسد ويحقد شخصاً فمن الطبيعي أن يمتعض منه وأن ينعكس ذلك على جوارحه فيقلل من احترامه للطرف الآخر وقد يقطب له وجهه، فعليكم أن تعملوا بالعكس فإذا رأيتم في داخلكم حسداً أو حقداً تجاه مؤمن أو مؤمنة فتواضعوا له أكثر واحترموه أكثر ولبّوا حوائجه أسرع وذلك كي تكسروا أنف الشيطان وتبعدوه عن أنفسكم؛ ذلك أن نفس الانسان شريرة فإذا رأت صاحبها استجاب للحسد أو الغضب، فإنها تزداد طمعاً بكم أما إذا كسرتم جماحها بأن عكستم المعادلة فستنعكس المعادلة فإذا رأيتم مثلاً أن ما بكم من كِبر يدفعكم نحو أن تجلسوا في صدر المجلس، فاعملوا على العكس بالجلوس في ذيل المجلس أو آخره مثلاً.
انظر إلى الأسوأ منك / أو الأفضل
الآلية الرابعة أن على الإنسان أن ينظر في الأعمال الصالحة إلى الأفضل منه والأكثر عملاً وينظر في الرزايا والمصائب إلى الأسوأ منه وفي النِعم إلى الأقل منه فهذا ما يثبت إيمان الإنسان، فإذا نزلت به مصيبة كبيرة كـ فقد والديه مثلاً أو فقد أولاده فجأة أو فقد زوجها / زوجته، فلابد له فوراً من أن يستحضر صور أولئك الذين نزلت بهم مصائب أعظم منه فإن ذلك مما يربط على قلبه، وفي الاتجاه المقابل (في النعم)، عليه أن ينظر إلى من هو أقل منه نِعَماً فيشكر الله على ما حباه وأولاه، فإذا لاحظت المرأة مثلاً أن الأخرى جمالها أكثر أو مالها أكثر أو موقعها الاجتماعي أكثر فقد يثير هذا عندها الحسد وكذلك الرجل تماماً، فعلى الإنسان أن يصرف ذهنه حينئذٍ وينظر إلى من جماله أقل وماله أقل وولده وعشيرته أقل أو ما شابه ذلك فهذا مما يثبت الإيمان بلطف الله تعالى.
الإيحاء الذاتي
الآلية الخامسة: الإيحاء الذاتي والتلقين المتواصل بأن يخاطب الانسان باستمرار ذاته: إياك أن تزلّ قدمك في هذا الامتحان.. إياك.. إياك.. وعلى الانسان أن يقرأ الآيات والروايات التي تثبت قدم الإنسان وتربط على قلب الانسان (اللهم ثبت أقدامنا) نكررها باستمرار وأن يكرر الآيات والروايات المختلفة التي تفيد هذا المعنى، مثلاً ورد في الدعاء أن يقرأ الانسان الدعاء التالي الذي نختم به الحديث:
(بسم الله الرحمن الرحيم) (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا وأصلح لي شأني كله).
وأيضاً كرروا هذا الدعاء دائماً فهو دعاءٌ عجيبٌ في التأثير (بسم الله الرحمن الرحيم) (يا حي يا قيوم يا محيي القلوب أسألك أن تحيي قلبي اللهم صل على محمد وآل محمد) هذا الدعاء ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) تكرره ثلاث مرات عندما تتذكر.
اللهم صل على محمد وآل محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اضافةتعليق
التعليقات