أهم شيء في حياة الإنسان أن يكون المستقبل لديهِ واضح الرؤية يلمع في أشعه الشمس وفي الهواء الطلق فالصورة القادمة للمستقبل التي يلفها الضباب ويُغطيها الغموض تجعل من الصعب على الإنسان أن يعيش في أمن وسلام وسعادة فليس أقوى على قلب المرء من أن يكون أمامهُ مستقبل زاهر يلوح لهُ براية الأمل وبيرق العطاء.
إن الثقة بالمستقبل هي وحدها التي تُفجر طاقات هذا الإنسان لتوظيفها في بناء الحب والسلام وبمقدار ما يكون المستقبل مشرق الرؤية واضح الهدف يكون تقدم الإنسان في الحياة ولأهمية الموضوع نجد القرآن الكريم يعلمنا كيف نمشي إلى المستقبل في النور والأمل وليس في الظلام واليأس يقول الحق "ولا يكن أمركم عليكم هم".
والغمة تعني الحيرة والضياع ومن ثم الحزن والكرب لإنعدام رؤية المستقبل والحديث عن الإمام المهدي (عليه السلام) هو حديث عن المستقبل وعن الأمل والتفاؤل بالخير والنصر فما أحلاهُ من حديث وما أروعهُ من موضوع، أجل إنهُ حديث العطاء حديث المستقبل وإن المستقبل هو مرحلة من مراحل الزمن فلابد لنا من معرفة نظرية الإسلام في أهمية الزمن بالنسبة للإنسان. بسم الله الرحمن الرحيم (وَٱلۡعَصۡرِ ١إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣).
أجل بهذا العمق من التفكير تحدث القرآن الكريم عن أهمية الوقت بالنسبة للإنسان إنهُ يُقسم بالعصر أي بالوقت بالزمن الذي هو بمثابة العامل الأول في نجاح الإنسان عندما يربح الحياة في هزيمته عندما يخسر الحياة وحقًا إن الإنسان لفي خسر أن يخسر العالم ويخسر نفسهُ أيضا بإستثناء المؤمنين بالله العاملين بمناهجه الربانية على أن الماء لا يستطيع أن يُفلت من قبضة الزمن بمراحلهِ الثلاث الماضي، والحاضر، والمستقبل، إنهُ بساط مفروش تحت أرجل البشرية جمعاء فمثلما الزمن الماضي يشكل خلفية تأريخية لا يمكن الإستغناء عنها بحال من الأحوال وذلك أن التأريخ يضيء الطريق أمام الإنسان خلال رحلة الحياة ومن دون الإحاطة بتجارب الآخرين في غضون الأيام السالفة يكاد يكون من أصاب العيش في الحياة بنجاح بل قد يكون من مستحيل في بعض الأحيان وليس هناك شك في أن الإنسان بلا تأريخ يعني الإنسان بلا خلفية حضارية بلا هوية وبالتالي يفقد إنتمائه الثقافي..
إن الغاء التعريف معناهُ إلغاء الذاكرة وإطلاق النار عليها وهنا يكمن الخطر إن أخطر ما تصاب به الأمة هو أن تلغي تأريخها وتنسى عظماءها الذين صنعوا مجدها بعرقهم ودمائهم وإلا فكيف يمكن التعرف على هوية الحق ووجه الباطل وبالمثل عندما يقص علينا القرآن الكريم أحسن القصص فإنهُ إنما يريد أن يعرض الحق والباطل علينا بشكل يلائم فطرتنا ويناسب صبغتنا كبشر بمعنى أنهُ يطرح الحق من خلال أشخاص كما يطرح الباطل من خلال أشخاص أيضا.
وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نميز الخبيث من الطيب فنعرف الحق من خلال موسى تمامًا كما نعرف الباطل من خلال فرعون وأيضا نهتدي إلى الحق من خلال شخصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نعرف الباطل من خلال أبي سفيان ونفس الشيء يقال بالنسبة لأهل البيت (عليهم السلام) من وجهة و من جهة وخصومهم من جهة ثانية وبكلمة أهل البيت مع الحق والحق معهم أين ماحل ونزل بينما أعدائهم مع الباطل في كل زمان ومكان فهم رواد الحق في حين أن أعدائهم غارقون في الباطل.
إذن: فليس في الإمكان أن ينقطع المرء عن ماضيه الذي ينظر في أخباره، ويستفيد من تجاربه، ويرجع إليه بين حين وآخر ليأخذ منهُ الدروس ويعرف الأشياء على حقيقتها لأن التأريخ لم يكن أفعالًا ميتة مدفونة في تراب الماضي وإنما هو طاقات حية تنفجر في أية لحظة فتفعل بالإنسان فعل المعجزة والقدر وبمقدار ما يولي الإسلام عناية فائقة بالزمن الماضي فإنهُ بنفس المقدار وأكثر يعطيك من العناية والأهمية للحاضر ليس في المستطاع أن ينفصل الإنسان عن حاضره الذي يمثل وجوده في هذهِ الحياة.
وللإسلام نظرة عميقة واعية في هذا المجال فهو يرى أن المطلوب من الإنسان أن يعيش في حدود اليوم بل في حدود اللحظة الراهنة بعيدًا عن هموم الماضي وهواجس المستقبل يقول الإسلام عليك بالساعة التي أنت فيها ويؤكد أكثر فيقول لا تحمل هم يومك الذي لم يأتيك على هم يومك الذي أنت فيه وذلك أن الماضي قد ولى بحلاوته ومرارته وأنت لا تملك منه شيئا سوى الأخذ بالأحسن والأفضل من مواقفه وتجاربه أما المستقبل فهو في رحم الغيب وإنما حياتك تتلخص في الساعة التي تعيشها ففيها نجاحك وفيها إنكسارك وحتى المستقبل يكمل في الساعة الراهنة لأنها تصنع المستقبل وتُضفي عليه لونها خيرا كان أو شرا يقول الإمام علي (عليه السلام): العمر ساعة فأجعلها طاعة وأيضا يقول من تسامى يوماه فهو مغبون وهذهِ أعظم خطوة تقدمية يسجلها الإسلام في طريق الحياة وما يقال في الماضي والحاضر يقال أيضا في المستقبل لأن المستقبل يعني بالنسبة للإنسان عاقبة حلوة أو عاقبة مرة وليس هناك شيء يستطيع أن يقتل السعادة في صدر الإنسان مثل إنعدام الرؤية والغموض الذي يلف المستقبل.
في حين أن فكرة الإمام المنتظر تعطي رؤية زاهية للمستقبل المأمون وهو حديث الأمل والبشرى أعني حديث الإمام المهدي (عليه السلام) إنفاقا ثم قال إن العالم لم يواجه قبل الآن إطلاقًا ولأنه حديث الأمل والمستقبل فهو يهم الشباب ويخصهم أكثر من سواهم من الناس لأن الشباب هم طاقة المستقبل إنه حديث الأمل حديث الغد الأكثر عطاء والأكثر أمنا ورخاء.
إن فكرة الإمام المنتظر تضيء الأمل في القلوب وتعطي القوة وتمنح النشاط في العمل وبالتالي تجعل للحياة قيمة وهدف ومعنى وذلك إنها فكرة تخص مستقبل العالم بأسره وليس مستقبل طائفة معينة من الناس فالعالم اليوم يحتاج أكثر من أي يوم مضى إلى معرفة كاملة وإدراك عميق لحضارة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" إننا نعيش اليوم في عالم أصابهُ الجنون وأعماه الباطل لفه الجهل المطبق وأنساه الشيطان ذكر الله العظيم حتى لم يعد في إمكانه الوقوف على قدميه إنهُ يلتقط أنفاسهُ الأخيرة من هول البشاعة وعمق الصدمة التي أصابتهُ في الأعماق.
اضافةتعليق
التعليقات