لقاء أذاب جليد القلب بعد طول غياب، امتدت أنامله إلى روحي، فلمسات الأصدقاء كانت هي الملاذ المنتظر لضيق أيامي، تلك اللحظات التي لا أعرف كم كان عددها فقد توقف ميل الساعة عندها وجعلت الروح مليئة بالفرح، ثم غادرت بعد أن نفضت غبار اليأس والوحدة التي امتدت لوقت طويل مما جعلني أجزم أن ليس هناك معنى لجملة: (البعيد عن العين بعيد عن القلب)، فكثيرين هم قريبين بالمكان وبعيدين كل البعد عن الروح، حاضرة اجسادهم ولكن شعور الأمان والألفة والحب غائب، كقوالب جامدة لا يرق لها قلب ولا تدمع لها عين بلا وجود للشعور، هذا الذي يجعل قصة طريفة تبادر ذهني حيث يروى انه في احد الايام واثناء صلاة الجمعة في المسجد اختلف المصلون على عدد الركعات التي صلوها في صلاة العشاء حيث قال بعضهم أربعة وقال أحدهم ثلاثة وأقسم أحدهم بالأيمان المغلظة انها ثلاث، فقيل له ولماذا انت متأكد إلى هذه الدرجة، اجاب: عندي أربع محلات والعادة أني انتهي من حسابات محل في كل ركعة وأنا الان أتممت حساب ثلاثة محلات فقط ولم ابدأ في الرابع.
نبتسم أو نسخر إذا سمعنا مثل هذه الحكايات لكن للأسف هذا حال كثيرين يحضرون في اجسادهم وتغادر ارواحهم وبالذات في مجالس الوعظ حيث الجسد حاضر والقلب والفكر غائب وتمتد الظاهرة لتسيطر على اغلب المجالس حتى تلك التي تجمع العائلة والاصدقاء.
فحيث الوقت الذي تكون فيه الناس مجتمعة يخرج منهم جمعاً كبيراً مغادرين لحظات الحب والود والتواصل جاعلين من الارحام اشلاء مبعثرة وفي المقابل امتدت حبالهم السرية الى مكان الشاحن من الهاتف لتلقي السلام وتوثق الارتباط فيكون هو أهلهم الحاضرين واصدقائهم الموجودين ليدرك الحاضر حينما يغادر انه ما سمع شيء ولاأعرف مادار في اثناء الجلسات ولم ترافقه سوى بعض الصور المعقلة في قصته والتي تنتهي بمرور اربعة وعشرون ساعة وربما اقل ان مال مزاجه نحو الحذف.
وهذا مايجعل اهم الخصال التي تجلب الرزق والقرب من الله غائبة عنا لجهل منا او هي غفلة داهمت عقولنا على حين غرة في زمن تسارع فيه كل شيء وبدأنا نشكوا من القلة في جميع نواحي حياتنا وبعدها نرمي اللوم على البارئ الرازق لماذا نحن هكذا وكأننا كنا ننتظر الفرصة لنتهم الخالق ولو انتبهنا لأبسط التصرفات لوجدنا سبباً لهذه القلة وبالذات الرزق وكما قال الإمام علي (عليه السلام) «إنَّ أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم الله . وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضا فيحرمهم الله وهم أتقياء».
حيث ان الرزق قد تنوعت اشكاله فمنه المضمون والمقسوم والمملوك، فان غاب احدهم فهو بسبب، فتخيل ان يكون هذا السبب هو صلة الرحم التي غابت في ظل تواجدنا، فما ضرنا لو اننا اتينا بروحنا قبل اجسادنا فليس المهم ان اراك كم مرة في الاسبوع أو في الشهر بقدر ماهو مهم ان تكون حاضراً في حياتي بشعورك تجاهي واحساسك وسؤالك عني، وليس المهم ان تقول كل يوم احبك بمنشور معلق على حسابك في مواقع التواصل الاجتماعي بقدر ماهو مهم ان تظهر حبك هذا وتشعرني به خلال اليوم، ومن غير المهم عدد اللقاءات ولا الكلام كل يوم بالساعات بقدر ما يفرق ان تكون حاضراً معي بقلبك وعقلك.
فلا يشبع عاطفة متقدة ولا مشاعر ملتهبة إلا كلمة راقية وجلسة دانية ويد حانية على قلبك تأنس بها وينشرح صدرك، إنه الشعور مع الحضور بهما يتحقق الإشباع العاطفي وتتحقق صلة الرحم الحقيقية وهذا مايدعو اليه الاسلام بشتى مفاصله، إذ لا يقبل في الإسلام حضور بلا شعور بينما اغلبنا عاكفين على وسائل التواصل الاجتماعي نعيش حياة افتراضية أقرب للخيال منها إلى الواقع لا يكلم الابن أباه ولا ينظر الزوج في عيني زوجه ولا يصغي إلى همسات صغيره بتركيز ، ولا يلاطف زوجه بحلو المقال، اذاً ألم يحن الوقت لننتبه لكل الاشخاص من حولنا.
فإنه ليس من الضروري أن نضع الكثير من المال لسد رمق الحاجة بينما الحقيقة أن المقربين هم بأشد الحاجة لنظرة أمان وكلمة طيبة تزيل الهم وتشعرهم بانهم اشخاص مهمون بالنسبة لنا فتروي ظمأ الشعور عندهم ولو بكلمة، وهذا ما ورد عن الإمام الصادق (علية السلام): "إن صلة الرحم والبرِّ ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبرّوا باخوانكم، ولو بحسن السلام ورد الجواب".
اضافةتعليق
التعليقات