عندما نلقي نظرة لما يجري في عالم اليوم من فساد ودمار، وقتل وظلم واستكبار، ونتأمل في محكم كتابه نجد إنه لم يخلو -وهو المُحكم- من ذكر علة وسبب ما نحن فيه، وتبيان الحل أيضا.
ففي سورة البقرة، نجد وصف واضحاً وصريحاً لصنفين من الولاة والحُكام اللذين لابد أن يكون أحدهما هو المتولي لأمور عامة الناس، والمدير لشؤونهم، كما وتذكر أحوالهما وصفاتهما الأساسية التي لا يمكن أن نتنازل عنها عند التشخيص ثم الإقرار أيهما هو الأحق والأصلح لتولي شؤون الناس.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(○)وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(○)وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ(○)وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:٢٠٤-٢٠٧).
المدعي (الولي الفاسد المفسد)
إذ نجد إن الصنف الأول من الناس الذي ذكرته الآيات الثلاثة الأولى هو الذي لا يصلح لحكم وتولي شؤون الناس، وتعالى مطلع على أحواله وسرائره، لذا المُبصر بنور الله تعالى لا يُخدع بما يُظهره من حُسن، وبما يتفوه بلسانه من معسول القول، بل يَشم من أقواله رائحة الكذب، ويدرك بوعيه إتصافه بالخداع والمكر، فلا يرتضيه ليكون وليا عليه.
أما من يُخدع -وهم الأكثر للأسف!-بما يَطرحه هذا المُدعي من عهود ووعود قبل التولي، فقد ذكرت الآيات علامات أيضاً تكشف زيف إدعائه؛ وذلك بما سيُظهره من أفعال تكون نقيض لكل تلك الأقوال، ولن يكتفي بذلك، إنما سيسعى لإفساد حتى ما هو صالح كي يوصل الناس إلى مرحلة اليأس من الصلاح؛ فيرضون بأقل القليل من متطلبات الحياة، وسيَجِدُ ويجتهد بأن يُشرك كل من يُشار إليه بالصلاح في فساده؛ فإن بلغ، جعله عاجزاً عن الوقوف في وجهه إن تمكن من ذلك بحال من الأحوال.
كما إنه لا يأخذ بنصح الناصحين، ولا بتذكرة المُذكرين، لأنه مطبوع القلب، لا يرى إلا نفسه ومنافعها، فيرى فساده صلاحاً كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(البقرة:11).
الداعي (الولي الصالح المصلح)
بالمقابل تعالى لم يُخلي أرضه من القيادات العادلة الواجب إتباعها، من الدعاة والحجج الهداة، كما في الصنف الآخر الذي أشارت له الآية الأخيرة، فعن الإمام الباقر(عليه السلام) إنه قال في تفسير هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام)...](١).
وعن الإمام الرضا(عليه السلام) واصفاً الإمام الحق بقوله: [الإمام يُحلّ حلال الله، ويُحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة... -وهو- الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق،... أمين الله في خَلْقه، وحُجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذّابّ عن حُرَمِ الله... واحد دهره، لا يُدانيه أحد، ولا يُعادِلُه عالِم، ولا يوجد منه بدل ولا له مِثْلٌ ولا نظير...](٢).
فالمصداق الأعلى للولي الحق هو الإمام المُنصب من قبل الله تعالى، وإمامنا المهدي (عج) هو المتمم لهذه المصاديق-كثقافة قرآنية- وبه يتحقق العدل والصلاح الشامل والتام لا غير.
لذا فإن مجرد التفكير بنوافذ أخرى، وانتظار الإصلاح من جهات أخرى هو كاشف على أن أملنا في غيره، وأن طموحنا في الحضور بين يديه، وفي دولته ليس كما يراد وينبغي!.
بالنتيجة الواقع يقول: إن تسلط الحاكم الظالم والولي الفاسد على المجتمع البشري هو خياره واختياره، لذا فمتى ما توجه المجتمع نحو القيادة الحقة، وحصل السعي الجاد والتطلع الحقيقي للعيش في ظل قيادته، وظهر الإضطرار الحقيقي لإمام الزمان وحده، هنا يمكن أن نتقدم خطوات نحو تعجيل الفرج الأعظم، ونكون أقرب لتحقق مشيئة الله سبحانه في إظهار أمره، وإنجاز وعده بتشييد دولته العالمية التي سينعم الجميع بها بالعدل والسلام والأمان.
_________
اضافةتعليق
التعليقات