يعم جميع أنحاء العالم الخوف والقلق من كائن أدق من أن يُرىٰ بالعين المجردة، مجرد كائن مجهري لا يملك أي أجهزة لتوليد الطاقة أو التكاثر وإنتاج البروتينات، ألا وهو فيروس كورونا (كوفيد-19).
هذا المجهري بث الرعب والقلق بل الهلع أيضاً في كل بقاع الأرض، حيث ظهر فجأة وحِيكت لكيفية ظهوره مئات القصص من مؤامرات سياسية والأسلحة السرية وتناول الحيوانات والقوارض وغيره.
أصيب مئات الآلاف بذلك الفيروس حتى تعدى المليون نسمة وتوفي الآلاف وأصبح مصير البشر مجهول للعلم، ووقف الطب عاجزا عن الوصول للعلاج أو اللقاح المناسب إلى هذه اللحظة، وربما هناك بصيص من الأمل المشرق بإذن الله بايجاد العلاج واللقاح المناسب.
أُغلقت الحدود بين الدول والمحلات التجارية والمجمعات ومنعت التجمعات والمناسبات حتى الخاصة منها، وتم حظر التجول وفرض الحظر المنزلي في بقاع الأرض وتضررت المصالح الدولية والاقتصادية والشخصية أيضاً للجميع.
قد تختلف الطرق الوقائية من دولة لأخرى على حسب قدرة تلك الدولة وامكانياتها الاقتصادية لتوفير سبل النجاة من هذا المصير الغامض.
وكان هذا الوباء بمثابة جرس الانذار لجميع البشر بجميع الملل والديانات والمذاهب للصحوة من الغفلة.
البعض اعتبره نهاية العالم، والبعض مستهتر لا يبالي، والبعض فقد الأمل بالنجاة، ولكن هناك فئة متمسكة بالأمل والنظر للجانب الايجابي لتلك الأزمة وتنتظر الفرج القريب.
ياترى هل كان هذا الوباء فعلاً جرس له صوت أم كان صامتا؟
اعتقد أن صوت ذلك الجرس تختلف حدة سماعه من شخص لآخر.
في ظل هذه الظروف نرى البعض رغم توفر كل وسائل الراحة من مأكل وملبس وسكن آمن ومرتب مضمون وجلوسه في المنزل مع أبنائه وأسرته في أمن وأمان وحتى عدم اضطراره للخروج للعمل وتعرضه للعدوى، هو وباقي أفراد اسرته [يتذمر]!.
نعم يتذمر، هل تعلم مما يتذمر؟
يتذمر من الملل والراحة في منزله، في حين غيره مجبر على العمل دون ارادته وتعرضه للعدوى في أي لحظة.
يتذمر من ازعاج الأولاد، في حين البعض محروم من رؤية أسرته بسبب الغربة وابتعاده عن وطنه لتوفير لقمة العيش الكريمة المتواضعة.
يتذمر لزيادة وزنه من كثرة الأكل واختلاف أنواع الطعام ويسخر من كمية وأنواع الطعام التي يأكلها، في حين يبحث البعض عن لقمة أو كسرة من الخبز لسد جوعه وأحياناً لا يجدها.
يتذمر من الفراغ وعدم الحركة ليظهر بشكل مقزز كأنه أجلكم الله (كالبهائم) لا هم لها سوى النوم والأكل فقط كما وصفهم الله عزوجل في كتابه الكريم: [أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ]١.
في حين البعض يتمنى دقيقة من السكون والراحة من طاحونة العمل والتعب.
يتذمر من الحظر وجلوسه في مسكنه بأمان وخصوصية كاملة وعدم قدرته على الخروج، في حين نجد غيره محاط بعدد من الأفراد بغرفة واحده ويفتقد لأصغر حق من حقوقه في الخصوصية واحتمال تعرضه للعدوى من الاشخاص الذين يعيشون معه في نفس الغرفة وهي مسكنه الوحيد بلا حول ولا قوة، بل هناك الملايين من المشردين أو بلا مأوى.
يتذمر لعدم قدرته على شراء الكماليات والأمور الثانوية وممارسة عاداته السيئة من الاسراف والتبذير، في حين هناك الآلاف لا يملكون قوت يومهم ولا مرتب شهري ولا حتى عمل.
إذن متى نحمد الله ونشكره على النعم؟
حمداً لله قلباً وقالباً وليس لقلقة لسان؟
نقول الحمد لله ولكن هل فعلاً نحن نستشعر الحمد، هل نحن من الشاكرين؟
لنحذر أن نكون من الجاحدين لنعم الله كما ذكرهم الله في قرآنه حيث قال جل جلاله، [وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ]٢.
وربما كلمة أو تذمر أو سخرية صغيرة جلبت النقم، كما ورد عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع): [رب كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة ]٣.
كل مايحدث الآن يوضح المعنى الحقيقي لفناء الدنيا وزوال النعم وعدم دوام شيء سوى الله عزوجل.
وعلى المؤمن دائماً الحذر من زوالها والشكر الدائم لبقائها، فقد ورد عن النبيِّ الكريمِ (ص) أنَّه قال: "احسِنوا مجاورةَ النِعمِ، لا تَملُّوها ولا تُنفِّروها، فإنَّها قلَّما نفَرتْ من قومٍ فعادتْ إليهم".٤.
إذن حان وقت الصحوة والعودة والتوبة لله القادر القاهر فقدرة الله ورحمته عجيبة تعجز الأذهان عن معرفتها، ولكن اصرار الانسان على التمرد والتذمر وعدم الشكر وتقدير النعم يؤدي إلى هلاكه كما أهلك الله الأمم السابقة وهو قادر على ذلك حيث قال في المصحف الشريف: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (•) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (•) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ]٥.
لنجدد التوبة لله عزوجل ونرفع أصواتنا بالدعاء والتوسل ونتعظ من آيات الله قبل فوات الأوان، ونعتبر من الأمم السابقة ولا نسلك طريقهم بل نتمسك بالصراط المستقيم ونظل ثابتين على هذا الطريق حتى بعد زوال تلك الغمة إن شاء الله عن هذه الأمة ولانعود لتلك الغفلة المهلكة بإذن الله كما فعل الذين سبقونا وذكرهم الله في القرآن الشريف [وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (•) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (•) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ]٦.
هذا الوباء كشف معدن الانسان الحقيقي في الأزمات ومدى قوة ايمانه وعقيدته وصبره، ومعرفة قيمة النعم والحذر كل الحذر من زوالها وادامتها بالشكر والحمد فكان بمثابة غربلة للعقيدة. ودمتم سالمين.
---------------
اضافةتعليق
التعليقات