قال تعالى في محكم كتابه: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (○) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}(١).
- كما يذكر- إن (الضر) هو كل أذى ومكروه، وهنا عبرة الآية بــ(يمس) أي أن الإنسان إستشعر وقوعه في الضر، فهذا التماس أوجب تقطع الأسباب والحلول أمامه؛ فأثمر حالة الإنابة والرجوع عنده إلى مسبب الأسباب، فعاد لفطرته التي بُنيت على الإفتقار والحاجة لخالقها.
كما إن هذا (الضر) ليس شر وأذى محض كما يُتصور! إنما في باطنه نعمة ونور- كما يقال في كل محنة منحة- وأهم هذه المنح هي رجوع الإنسان إلى ربه، وإستشعاره لحقيقة ضعفه وضعف كل الوسائل المادية التي هو متعلق بها ومنشغل بها عن مصدر غناه وقوته الحقيقية.
لكن الإنسان من الصنف الأول الذي أشارت إليه الآية (الغير متذكر/الغافل) ما أن يصل إلى هذه اللحظة المفصلية في حياته، ويستجيب الله تعالى له برفع ذلك الضر حتى يعود إلى ما كان عليه من غفلة فيتمسك بالأسباب المادية، فيجحد بلطف الله تعالى به ورحمته، فلا يشكر فضله عليه بل ينسب الفضل للوسائل التي هي في الأصل خلق من خلق الله تعالى، فهذا ممن ألقيت عليه الحجة ولم ينتفع منها...! فيقع في مفهوم الإستدراج، الذي أشار اليه إمامنا الحسين(عليه السلام) بقوله: [الإستدراج من الله سبحانه وتعالى لعبده أن يسبغ عليه النعم، ويسلبه الشكر](٢).
وكمثال نحن الآن مع أزمة هذا الفيروس هناك الكثير ممن وصلوا لمرحلة الإنابة والالتجاء إلى الله تعالى لرفع هذا الضر، ولكن ما أن يرفع حتى يرجعون الفضل للتطور العلمي ومن سيكتشف الدواء، متناسين لطف الله تعالى ومجري الشفاء عبر هذه الأسباب المادية!.
بينما الإنسان من الصنف الثاني (المتذكر) في التعامل مع الحياة بكل تفاصيلها، تراه في حالة لجوء وإستعانة بالله تعالى دائمة سواء بوجود الضر وبعدم وجوده، لأنه في حالة إتصال دائم بهذا الرب الحكيم المدبر، تراه ممن يحذر الآخرة ويرجو الرحمة الدائمة.
يحذر أن يكون ممن نسى الله تعالى بعد أن خوله نعمة العافية؛ فيكون ممن يستدرج بالعطايا والنعم -كما أشار سيد الشهداء- ولكنه منسي وغير ملتفت إليه عند رب هذه العطايا والنعم، ويرجو دوام نظرته ورعايته بشكرها.
وعليه علائم وجود الفطرة السليمة ظاهرة فهو لا يغفل عن أصل إنه لابد له من الرجوع إلى الله تعالى بعد موته، ولابد له من أن يكون في حالة رجوع إلى الله تعالى في كل مفاصل حياته، وفي كل أموره، أفراحه وأتراحه راجيا، طالبا منه المدد والعناية والتوفيق والتسديد، فلا يكون ممن يلتفت للنعم ويغفل عن شكر المنعم.
-------
(١) الزمر: 8-9.
(٢) تحف العقول: ص١٧٥.
اضافةتعليق
التعليقات