إن من أهم الحقائق الثابتة، والأخبار الصادقة التي لا يعتريها الشك، ولا يتوجه إليها الريب هي إن الاسلام ومنذ شروق فجره الوضاء اهتم بالعلم والعلماء والزراعة والتجارة والصناعة، وايجاد الثروة والاكتفاء الذاتي، وعنى بكل ذلك عناية فائقة، لتحقيق السعادة للإنسان، وايجاد التقدم والتطور الهادف البناء، والتكامل المنشود في الحياة، وبناءً على هذا المنظور اهتم الاسلام بالصناعة ووجه عنايته الفائقة لها وشجع الصناع وأصحاب المهارات الفنية والقدرات العقلية في ضمن الاسلام وقد حقق في فترة لا تزيد عن قرن من الزمن نهضة علمية وصناعية كبيرة في فروع حياتية شتى، وفتح آفاقا جديدة وواسعة أمام الانسانية إلى الأبد.
ولقد وظفت تلك النهضة في تقديم الانسان وتسهيل أمور حياته ولاسيما في الغرب حيث كانت هي الأساس في حصول هذا التطور الهائل والتقدم التكنولوجي المذهل الذي غزا الفضاء فضلاً عن الأرض، وحقق المعجزات والأحلام في عالمنا المعاصر، وما سيتحقق في مستقبل الحياة سيكون أكبر وأبلغ وأدهش، والذي يلاحظ إن القرآن الكريم رغم أنه كتاب هداية وتوجيه، ودعوة إلى توحيد الله وطاعته وعرض قصص الماضيين إلا أنه ضمن هذه الهداية العقلية والنفسية والروحية، وأشار إلى الكثير من القوانين العلمية، والسنن الطبيعية في عالم الكون، فكانت هي الأساس والمنشأ لظهور مجموعة كبيرة من العلوم والصناعات ودفعت المسلمين إلى تنويع العلوم وتكثير فروعها وابتداع مجالات لم يسبق لها نظير، وقد بلغت ما يقارب خمسمائة نوع خلال أقل من قرنين ونصف وكما يشهد بذلك التاريخ والواقع الانساني، الأمر الذي حدا بالغرب والشرق على حد سواء إلى أن يعتبر المسلمين هم آباء العلم الحديث ومؤسسيه.
ومن الجدير بالذكر أن نعرف أن الاسلام يحث على الصناعة والتصنيع والاكتشاف والاختراع والاستخراج والتنقيب، لكي لا يبقى المسلمون في تخلف علمي وتكنولوجي، ويسبقهم غيرهم في ذلك المضمار، بل يدعوهم دوماً وأبداً إلى مواكبة الحركة العلمية والصناعية والسبق عليها ويرفض احتكار المواهب والأفكار، وهناك آيات عديدة تشير إلى الصناعات المتعددة فنبهت العقل البشري إلى ذلك وشجعته على التحرك من أجل الابداع والاختراع والتصنيع، وفي خدمة الصالح العام، ومن هذه الآيات نذكر جملة منها "أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ"، (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ).
الصناعة في السنة المطهرة: إن الأخبار المباركة الواردة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار قال الإمام علي (عليه السلام): لو شئت لاتخذت من هذا الماء نوراً.
وقال أيضا: (إن من علامات آخر الزمان انسان يتكلم من القمر).
هنا يكشف المفضل في كتابه عن رأي الإمام الصّادق في النبات وأن له روحا، وبعبارة أخرى إن لديه حسا وحركة، ولم تكتشف هذه النظرية العلمية إلاّ في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وأول من قال بأن في النبات حسا تشله السموم وتميته الكهربية هو «بيشا» العالم الفرنسي المتوفى عام ١٨٠٢ م وقد ثبتت هذه النظرية بوجود بعض الأزهار المتفتحة نهارا والمقفلة ليلا، وقام عالم هندي هو (السرجفادس بوز) بوضع آلة دقيقة تظهر بها حركات النبات، وما يتأثر به من المؤثرات الخارجية، كالمنبهات والمخدرات، وانشأ هذا العالم معهدا كبيرا في (كلكتة) لدرس حركات النبات، وانفعاله بالحر والبرد والظلمة والنور .
وقد أصبح من المشهور وجود بعض نباتات تفترس بعض الحشرات والحيوانات الصغيرة، وتوجد أيضا أزهار تضحك وأخرى تبكي وأمثلة ذلك النبتة المستحبة وندى الشمس واعجوبة القدر والاباريق ومصيدة الذباب واللقاح وغير هذه.
(الاستدلال بالقمر في معرفة الشهور) استدل بالقمر ففيه دلالة جليلة تستعملها العامة في معرفة الشهور ولا يقوم عليه حساب السنة لأن دوره لا يستوفي الأزمنة الأربعة ونشور الثمار وتصرمها ولذلك صارت شهور القمر وسنوه تتخلف عن شهور الشمس وسنيها وصار الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة بالشتاء ومرة بالصيف.
(ضوء القمر وما فيه من المنافع) فكر في إنارته في ظلمة الليل والإرب في ذلك فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان وبرد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شيء من العمل.
(خلق الورق ووصفه) تأمل يا مفضل خلق الورق فإنك ترى في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها ومنها دقاق تتخلل تلك الغلاظ منسوجة نسجا دقيقا معجما لو كان مما يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عام كامل ولا احتاج إلى آلات وحركة وعلاج وكلام فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال والسهل وبقاع الأرض كلها بلا حركة ولا كلام إلا بالإرادة النافذة في كل شيء والأمر المطاع واعرف مع ذلك العلة في تلك العروق.
المصدر: التنظير الاسلامي في الاقتصاد الاسلامي. كتاب: توحيد المفضل
اضافةتعليق
التعليقات