لا يخفى على الجميع كيف كانت حياة الإمام علي (عليه السلام) أثناء خلافته وكيف كانت طريقة تعامله مع الناس من ناحية التنمية الإجتماعية حيث كانت مليئة بالتفاهم والعدل بين جميع الناس ولا يأخذ حق أحد أو يظلم أحد حيث كان الجميع سواسية عنده و يتناقش مع الصغير قبل الكبير في أبسط الأمور التي تحدث في زمن خلافته. وقد كان حريصاً جداً ومهموماً بتطوير ابناء الامة و يسعى لتلبية مطالبها في مختلف المجالات ، وكان مهتماً بمصطلحنا الدارج اليوم مصطلح التنمية البشرية حيث لم يكن فقط مجرد رجل ديني ينشر العقيدة و تطبيق العقيدة ، ولا مجرد رجل سياسي يسعى إلى فرض حكمه و تطبيق قوانين حكمه على بلده ، بل كان صاحب مشروع حضاري يستهدف إسعاد الإنسان وتفجير طاقاته وكفاءاته، ليتمتع بحياة كريمة، ويتجه إلى الفاعلية والإنتاج، وذلك هو المقصد الأساس للعقيدة والشريعة الإسلامية .
ففي مجال التنمية السياسية، يشجع الإمام علي (عليه السلام) الناس على الجهر بآرائهم السياسية، وأن لا يترددوا في الاعتراض على الخطأ أمام الحاكم، وأن لا يتعاملوا مع الحاكم بمنطق التملق والتزلف. يقول: (فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوني بما يتحفظ به عند أهل البادرة-أي عند أهل الغضب- ولا تخالطوني بالمصانعة -أي بالمجاملة- ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماسِ اعظامٍ لنفسي فإنه استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإلي لست في نفسي بفوق أن اخطى ولا آمن ذلك من فعلي).
وقد أعلن الإمام أمام الناس ضمانه لحقوق المعارضة، وعدم مضايقتهم اجتماعياً، والضغط عليهم اقتصادياً، ولا استخدام العنف ضدهم، ما دامت معارضتهم سلمية لم يشهروا فيها السلاح.
جاء في دعائم الإسلام أنه خطب بالكوفة فقام رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله، فسكت علي، ثم قام آخر وآخر، فلما أكثروا عليه قال : (كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم من مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبذؤكم بحرب حتى تبدؤونا به).
و من ناحية التنمية الإقتصادية فقد كان حريصاً جداً على حقوق الناس ويسعى لتوفير احتياجاتهم وما يرغبون به ويوجد اكثر من دليل لذلك نجده في كتب التاريخ أن علياً خاطب أهل الكوفة قائلاً: ما أصبح في الكوفة أحد إلا ناعماً-أي مرفَّهاً-، وإن أدناهم منزلة ليأكل من البر، ويجلس في الظل -له مسكن-، ويشرب من ماء الفرات.، والكوفة في ذلك الوقت، كانت مصراً عظيماً، ذات كثافة سكانية، وتنوع في الأعراق، يقطنه أناس من مختلف الأمصار، ومن مختلف البقاع، فيها عرب من مختلف قبائلهم، وفيها موالي أي عجم، وفيها عسكريون، وفيها مدنيون، وفيها أنواع من الناس بتوجهاتهم الفكرية المختلفة، فيها من كان يحب الإمام، وفيها من كان يناوئه.
قال السيد حسين البراقي ت 1322هـ في كتابه تاريخ الكوفة: كانت الكوفة واسعة كبيرة تتصل قراها وجبّاناتها إلى الفرات الأصلي وقرى العذار فهي تبلغ ستة عشر ميلا وثلثي الميل، قال ياقوت في المعجم: ذكر أن فيها من الدور خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب، وستة آلاف دار لليمن.
مع هذا التنوع يقول: ما أصبح بالكوفة أحدٌ إلا ناعماً، أي يعيش النعمة، يتمتع بالنعم، أو من النعومة بمعنى: الرخاء، وهذا يعني أن كل ساكني الكوفة، سواء من أهلها أو الآتين إليها، لم يعد فيهم أحدٌ إلا وهو يتمتع بالنعم، ثم يقول: إنّ أدناهم مرتبة الحد الأدنى في حياة أهل الكوفة ليأكل من البرّ وهذا يعني أنه لا يوجد جائع في الكوفة، أقل الناس رتبة في وضعه الاجتماعي والاقتصادي يتوفر له الطعام الكافي، ويجلس في الظل يمتلك مسكنا يأوي إليه.
فالطعام والسكن متوفر لكل أحد، وكذا الماء ويشرب من ماء الفرات.
ولهذا النص تأكيدات جاءت في نصوص أخرى منها أنه مرَّ شيخٌ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ما هذا؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني!.
فقال أمير المؤمنين: استعملتموه، حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال.
لا يوجد فرق عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، بين أن يكون هذا الإنسان مسلماً أو نصرانياً، يجب أن تتوفر لكل أحد سبل الحياة الكريمة، وحاجاته الأساس.
وروي أنه: دخل الناس على أمير المؤمنين قبل أن يستشهد بيوم، فشهدوا جميعاً أنّه قد وفّر لهم فيئهم، وظَلَف عن دنياهم، ولم يرتش في إجراء أحكامهم، ولم يتناول من بيت مال المسلمين ما يساوي عقالاً، ولم يأكل من مال نفسه إلا قدر البُلغة، وشهدوا جميعاً أن أبعد الناس منهم بمنزلة أقربهم منه.
وكان الإمام علي (عليه السلام) يحمل قلقاً وهمًّا لاحتمال وجود حالة فقر في المناطق البعيدة عن مقرّ خلافته، يقول ((ولَوْ شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، ولا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ)).
أما من ناحية الصحة و الخدمات فنجده يوفر كُل شيء ولا يجعل أحد من ابناء قومه يحتاج شيء من غيره فكان خير الوزير و القائد لزمانه ، ومن خلال هذا الاطلاع والمعرفة الكاملة لحياة الإمام (عليه السلام) وطريقة تعامله في مجال التنمية الاجتماعية نجده كان ذو حق و عدالة في مختلف مجالات الحياة ولا يخذل أحد أو يسلب حق أحد و كان تفكيره الوحيد رضا الناس واعطاء حقوقهم و لا يقبل أحد أن يأخذ حقهم.
فنحن اليوم بحاجة إلى أناس يقتدون بالمولى علي (عليه السلام) ويسيرون على نهجه بتلبية حاجات الناس التي تطلب منهم عندما يكونوا قادة في هذا الزمان ولا يتأثرون بالقادة الذين سلبوا حقوق الناس في زمانهم .
اضافةتعليق
التعليقات