اهتم علماء الأعصاب بأن يتوفر لديهم بيانات أو معلومات تربط بين أنماط سلوك طفل ما قبل المدرسة وبين الخصائص الدقيقة للدماغ النامي للتعرف على الأساس النيورولوجى لكل أداء يظهره الطفل. وفى ضوء ما قدمته باتريشيا فقد أشارت إلى أنه yale في جامعة )Patricia-Goldman-Rakie جولدمان راکی أصبح من المعروف للخبراء أن الخلايا في اللحاء الأمامي لمخ القردة الصغيرة هي المسئولة عن الوصول إلى الشيء المخبأ فى المواقف المعملية الاختبارية.
وبالمماثلة بالنسبة لطفل السنة الأولى من العمر. وكان هذا هو أفضل ما أمكن التوصل إليه .. في الوقت الذي تركت فيه باقي العلامات الفاصلة في حياة الطفل غير معروفة وغير مفهومة. ومع ذلك ومع تطور أدوات قياس نمو المخفإنه أصبح الأمر الآن أكثر يسرا، وأتاح الفرصة لمزيد من التخمينات العلمية والتربوية .
ويمكن القول أن عملية الأغشية الدهنية حول الأعصاب (الميلين) -Myelina tion) والتي سبق الحديث عنها في الفصل الثالث تظل فينشاطها في مرحلة ما قبل الدراسة وخاصة للحاء الأمامي للدماغ. كما أنها تستمر في نشاطها حتى سن العاشرة وما بعدها. وهي تساعد على أنماط السلوك الحركي وردود الأفعال العصبية التي يظهرها الطفل.
كما يظهر أهمية هذه العملية مع الطفل الأكبر من خلال سرعة الاستجابة وسرعة رد الفعل، وتكون الأفكار والآراء بشكل قصدى، وأكثر مثالية. ويمكن القول أن عملية تكون الأغشية المحيطة بالأعصاب Myelination لها علاقة بالفروق التي نلاحظها بين الأطفال في كثير من الجوانب. فهناك الطفل الذي يمشى كالبطة، وأولئك الذين يعانون من القدم المسطحة .... فكل هذه الفروق ترتبط بعملية تكون الأغشية المحيطة بالأعصاب.
إن تدفق نمو الوصلات العصبية أو نقاط الالتقاء بين تفريعات الخلايا العصبية تتيح لنا شبكة كثيفة في الأعصاب البصرية وذلك عند سن الرابعة، وتتيح أيضا نموا في اللحاء الأمامي للمخ عند سن العاشرة ومعروف أن اللحاء البصرى مرتبط مباشرة بعملية الإبصار بطبيعة الحال، إلا أنه أيضا مرتبط أيضا بالصور والأفكار البصرية.
وتأسيسا على هذه الأدلة فإن تميز وتفوق طفل مرحلة ما قبل المدرسة في عمليات ومهارات التخيل في هذه السن ربما يكون مرجعها - في جزء منه مرتبط بشدة كثافة الوصلات العصبية في هذه المنطقة، أو أن هناك ضعفا في نقاط التوصيل يمكن أن تبدأ في الأعصاب البصرية لطفل ما قبل المدرسة وتستمر لسنوات؛ لذلك فإن شحذ ونمو الفص الأمامي للحاء المخ لا يمكن أن يصل إلى اكتماله قبل سن العاشرة، ويتزامن مع صقل ونمو المهارات اللغوية، وحل المشكلات، والذكاء بصفة عامة .
إن إتاحة الفرصة لطفل ما قبل المدرسة للجرى واللعب، والممارسة هو المسئول عن ذلك الدماغ السوبر والقياسات التي قام بها هاری (شوجانی Harry (Chugani، والتي تمت في إحدى مستشفيات ديترويت وكانت عن عمليات الهدم والبناء التي تحدث في الدماغ لأطفال سن الثالثة والرابعة أظهرت أن المخ يحرق كميات من الجلوكوز تعادل ضعف ما يحرقه دماغ الكبار. ويرى البعض أن هذه المعدلات العالية للهدم والبناء الميتابوليزم) في مرحلة طفل ما قبل المدرسة تسهم في ضبط ذلك النمو الرهيب في الوصلات العصبية والتوصيلات بين الخلايا، وهي أيضا المسئولة عن ذلك الجهد الضائع في عمليات تعليم وتعلم طفل هذه المرحلة.
ومن خلال الدراسات العديدة التي قام بها كيرت فيشر (Kurt Fisher) ، فقد أمكنه أن يحدد النمو المفاجئ في حجم الدماغ في حوالي سن الرابعة، والتي يبدو أنها تتزامن أيضا مع بعض التغيرات الملاحظة الأخرى. وقد أظهرت قياسات EEG رسام المخ الكهربائي الخاصة بذبذبات الدماغ والمخ، أن هناك زيادة مفاجئة في نشاط الدماغ. فيما بين سن الثلاث والأربع سنوات وذلك في موقعين من المواقع الأساسية المرتبطة باللغة وهما منطقة بروكا، وهي المسئولة والحاكمة لإنتاج الكلام. وفي منطقة ورينك (Wernicke) وهي المرتبطة بفهم الكلام.
هذا النشاط للذبذبات المخية ينعكس في تلك الكتل اللفظية، والتي تصل إلى حوالي ( ۹۰۰) كلمة في سن ثلاث سنوات، والتي تزداد إلى(٢٥٠٠) ثم إلى (٣٠٠٠) كلمة قبل وصول الطفل إلى سن الخامسة .
بالإضافة إلى ذلك فإن طفل ما قبل المدرسة يمر بمستوى جديد للتفكير المجرد وهو ما يطلق عليه فيشر Fisher الخرائط التصورية فالطفل يمكنه أن يخلق أو يبتكر شخصيات لعروستين من عرائسه إحداهما تلعب دور الشر والأخرى تلعب دور الخير. ويرى بعض الباحثين هذا النوع من اللعب يظهر في حوالي سن الرابعة، حيث إنه يتطلب مهارات عقلية تنظيرية. بمعنى أن يكون الطفل قد استطاع أن ينمى نوعا من الوعي ليس بعقله الخاص فقط، وإنما بأن الأفراد الآخرين لديهم أيضا عقول، وذاكرة، ومعلومات ورغبات، وأسرار وحتى الآن لا يوجد تحديد دقيق للمنطقة في الدماغ المسئولة عن هذه العملية الخاصة بهذا الوعى عن إدراك الطفل لعقول الآخرين.
وقد افترض روبرت تاتشر من جامعة جنوب فلوريدا، بأن هناك نموا كبيرا يحدث في سن الرابعة إلى الخامسة فيما يتعلق بالوصلات بين نصفي المخ الأيمن والأيسر، ويظهر ذلك في ذبذبات المخ المقاسة.
إن الطفل في سن الرابعة وبصورة أكثر وضوحا لدى الذكور عن الإناث يستطيع أن يدرك أن الناس من حوله تفكر أيضا ويستطيع أن يصنف الناس إلى أن بعضهم شرير والبعض الآخر خير. وقد ظهر من خلال قياس الذبذبات المخية أن هناك زيادة أو طفرة في نمو المخ في الفترة ٤ - ه سنوات، حيث تزداد الرابطة بين نصفى المخ الأيمن – الأيسر.
الإثراء للمعرضين للخطر:
منذ خمسة عشر أو عشرين عاما قبل أن يقوم علماء الأعصاب بالربط بين السلوك المندفع للطفل مع ظواهر محددة في المخ، فإن علماء النفسوالتربويين تحدثوا عن نفس هذا الموضوع من خلال مفهوم عدسة الذكاء.
فالكثيرون في مجال نمو الطفل كانوا مقتنعين تمام الاقتناع بأن التغيرات التي يمر بها الطفل في مراحل العمر المبكرة هي المحدد الأول لذكائه وبالتالي لكثير من مظاهر وأنماط سلوكية، وحتى بداية الستينيات من القرن الماضي كان أصحاب النظريات السلوكية ما زالوا في قوتهم واعتقادهم بفكرتين أساسيتين: الأولى أن الإنسان يختلف عن الحيوان وأن الغرائز لا توجه سلوك الإنسان كما في حالة الحيوان وأنسلوكنا وذكاءنا لا يتوقف على الوراثة وحدها. أما الفكرة الثانية فهي أنه من خلال التغير فى البيئة التربوية والاجتماعية المحيطة بالفرد فإنه بالإمكان أن يتعدل ذكاء الإنسان، وهي بهذا المعنى تفيد بصورة غير مباشرة في فهم وقياس الوظائف العقلية.
فمن خلال العلاقة الارتباطية التي أكدتها الدراسات المختلفة بين المستوى الاقتصادي والاجتماعى المنخفض والمستوى المتدنى لنوعية المدرسة، والمستوى المنخفض للذكاء، كما يقاس بالاختبارات المقننة ... أمكن للسلوكيين تبنى حركة إصلاح تعليمي وتربوى في منتصف الستينيات. وقد تبنى هذه الحملة ليندون جونسون باعتبارها حملة على الفقر، وقد اهتمت هذه الحملة بفكرة أساسية وهي تحسين التعليم بالنسبة للفئات المحرومة من التلاميذ. وقد ظهر العديد من البرامج التعويضية التي استهدفت أطفال مرحلة المدرسة الابتدائية. وكان هناك اعتقاد أساسي بأن نسبة الذكاء يصل إلى قدر من الثبات حوالى سن السادسة، وبالتالي فإن الجهود الموجهة لتحسين الذكاء لابد وأن تبدأمع مرحلة ما قبل المدرسة.
اضافةتعليق
التعليقات