قيود كسرت وأذهان بدأت تفكر: حقيقة أم سراب..
المؤسسة كعادتها نائمة في أحضان المدينة غير مبالية تدعي الاهتمام وتأكل عنقود العنب المتدلي من سماء الخضراء وتشرب رحيق من تعب الفقراء ثم تربت على أكتافهم (ستنالوا مكافئة قيمة على الطاعة لكن بعد ان تتعدل الميزانية، فقسما إن رغيف الخبز صعب علينا ونحن نحفر الصخر لأجلكم)، يعود المساء حاملا هموم اليوم وما قبله ويمتد إلى مالانهاية، تسقط دموع الاطفال جوعا وتكسر ظهور الآباء عوزا وترقع الأم ثياب الأمس لتستر الغد..
والجميع يدعي إنها غابة من يدخلها مفقود والخارج منها مولود وليكن الناظر إليها منتبها فلربما يقع في شراك عوالمها القذرة وليبتعد قدر إستطاعته عن مواطن الريب والشك فكل عادي مشكوك بأمره وكل مهندم يستفسر عنه، أما السلطان وأتباعه فهم الآمنون، إجتمع أهل المدينة وانتفضوا، واشتكى النخيل شح المياه وبكى النهر ماتبقى منه ليروي الباقين، السلطان وكالعادة قدم الوعود البالية لكن هذه المرة صرخ الناس (الحياة الحياة)..
دار التاريخ ورفعت الشعارات وتضاربت الكلمات وراء الأسوار وتراقصت الأحداث معلنة إنها النهاية فهي تفر من شهور اليأس والسنون العجاف بحثا عن غدٍ افضل وكشفت الملفات وسط أهازيج قوية بموكب مهيب وماكانوا يهابونه الأمس تحول من رهبة إلى رغبة في الإنقضاض عليه والفتك به، ولكن مجددا ظهر عبدة التناقضات وأصحاب الشك والمصلحة وعبيد السلطان يصرخون الولاء، وفي كل مرة نظن إننا فهمنا بعض الناس نكتشف إننا لم نفهم شيء وتنفذ الايام فاليوم جموع وغدا جوع وبعدها كل شيء يعود لمكانه..
ثم ينظر المتبقين الى عين التأريخ هل يحرقوا طارق الذل أم لا هل يبقوا مطالبين بالعزة، ثم يسمع صرير مفتاح متشح بسواد ليل كموج البحر يرخي عليهم سدوله ويرفع صوت قاس يروي أنواع الهموم والابتلاء ويقول هل تودون المزيد افتحوا الباب للطارق وألقوه في جب بئره الذي حفره فثقوا انه لايجيد التنمر إلا على المقيدين امثالنا فلاعقوبة تؤدبهم ولا قانون سيردعهم فهم من يضعون القوانين، فإن لم تكسروا قيودكم بأنفسكم فغدا سيكسروا رقابكم ويقيدوا بقية حريتكم ويتركوكم في شظف العيش..
فالأحكام فصلت لهم على المقاس وانتم حجزت لكم حبال المشانق فمسائكم اليوم طغيان طغاة وقلة حيلة مستضعفين في القيد وتيتم جيل وثكل امهات..
فإصرخوا ماعاد الصمت يجدي نفعا ولاعاد الحياء يطرق بابك برغيف خبز فعلي (عليه السلام) غادر وهم لم يتحلوا بما رسم من اخلاق ولم يأخذوا ولو سمة ليروا يتيم او يكسوا عريان..
اعلموا يابني جلدتي ان في الاتحاد قوة وفي حب الأنا ضعف قاتل وسم يسري في العروق حتى يصلك وإن كنت اخر الجسد فحتما سيصلك فالوطن كالجسد الواحد كما قال الرسول الاكرم
(صلى الله عليه واله): ((مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى))، فاليوم ان كنت مكتفيا فاخرج لتشبع جارك واصرخ لتستر غيرك فصوتك نقطة تغيير حتما فإن قلت ماشأني انا فعيشي كريم وراحتي متواجدة اخبرك ان تخرج وإلا فأنك لست منا فمن يقبل بهواننا وظلمنا ليس منا ولايحمل اخلاقنا..
فالتاريخ يروي نفسه مجددا بعنوان إما حلاً او هلاك وان شاء الله حلاً يقي جسد العراق من حشرات الأمس التي باغتته ودخلت لتسممه متناسية أن الوحدة هي ترياق قلعها من جذورها ونحن الوحدة بحد ذاتها.. اليوم بتنا نرثي الوطن برسائل وجدانية فيبك حزنا أما الان علينا رفع رايات الفرح فكفى بنا همّا..
وطني.. أرثي فيك كبرياءنا المجروح النازف بحجم مهاجرينا وشهدائنا بحجم ليالينا العجاف الخاليات من نسيم الأمان بحجمك ياعراق الامم، انا ابنتك ارثي فيك عظمة ابتزها سماسرة الحروب وتناسوا انك وان اصبت ستعود اقوى فما مر عليك قبل اشد منهم فهم في محيطك بعوضة لاتقدر على شيء فقط تلسع والكف منك يهديها الى طريقها المستقيم.
اليوم نعدك بالوحدة فهي اصل العزة وصميم دستورنا وليست هي وليدة الساعة فهي بقدم التشتت وتناحر الأمس الذي عشناه ومازلنا نعاني منه، ووضع اليوم يشير الى إننا وصلنا الى نقطة صار فيها التغيير حتميا لإيجاد البديل الأنفع والأعدل والأرحم بالناس جميعا بعيدا عن قرابة أو نسب فالاتحاد والانسجام حصن منيع لايمكن لأي عدو أن يخترقه فكل الجراحات التي نتكبدها الآن وسابقا والتي ارهقتنا ومزقت ماتبقى منا وجعلتنا طيرا هشا طريا يتحكم بنا الأعداء كيفما يشاؤون كل هذا كان نتيجة للتخلي عن الوحدة وعن الكلمة الواحدة الثابتة واتجاه كل منا لنفسه دون النظر لأخيه والاصغاء للفتن الطائفية والنزعات القومية إلا إن الاسلام يشكل منطلقا لرفع الانسان نحو عالم الكمال ولاشك أن كل اهدافه هي الارتقاء بذات الانسان ويدعو الى الوحدة والانسجام ويجعله هدفا رئيسيا للعمل الناجح والعزة والكرامة..
اضافةتعليق
التعليقات