أشرقت شمس صباح يوم الثامن عشر من ذو الحجة وإذا بنور يطل عليّ من نافذة الغرفة، فوقفت واتجهت نحوها لأنظر من نافذتي نور الشمس الساطع على الكون والسماء الزرقاء وجمال المنظر، شيئا لم أره من قبل كان، وبعدها حضرت نفسي ومظهري لأذهب الى مدرستي لتلقي العلم الذي أنير به طريقي، وأكملت السير وإذا بصديقتي تصرخ عليّ لكي أنتظرها ونذهب معا فوقفت واقتربت إلي وأثناء الطريق أخذنا الكلام عن رجل صار للناس أميراً، وملأ الكون بنوره، يعسوب الدين أمير النحل، وأنهينا كلامنا قبل أن نصل بدقائق قليلة، فدخلت انا وصديقتي الى المدرسة وجلست كل واحدة بمكانها المخصص لها، فكان اليوم جميلا كنا فرحين بهذا اليوم وبعد مضي قليل من الوقت جاءت إلينا الأستاذة فاستقبلناها بالتحية والسلام.. وبدأت بالتحدث إلينا جميعاً فقالت لنا:
اليوم لا أعطيكم درسا.. ونحن ملأت شفاهنا الابتسامة والفرحة في قلوبنا، وبعدها تحدثت وقالت: اليوم سيكون الدرس مختلفا عن بقية الدروس، اليوم هو مناسبة وعيد لجميع المسلمين وشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، اليوم نصّب علي بن ابي طالب (عليه السلام) ولياً وأميرا على كل من في الأرض من المسلمين، علي النور المبين والنبأ العظيم أبا الحسنين. وفيما تتحدث الكل أندهش وأنصت وملأ القاعة الهدوء والانتباه والاصغاء الى كلامها الذي كلما ذكر أسمه شعّ الكون بضيائه، وبعدها قالت: سوف أقوم بطرح بعض اﻻسئلة عليكم يا طالباتي وعليكم اجابتي لننظر لمعلوماتكم عن إمامكم عليه أفضل الصلاة والسلام، وبدأت بالسؤال؟؟ وكان الاول:
من هو الأمير وسيف الله المسلول؟؟ فرفعت صديقتي يدها للإجابة فقالت هو حامي الحمية، هو أبو اليتامى والمساكين هو قاضي حاجات المؤمنين، هو النور المبين هو باب المدينة، هو قالع باب خبير هو ذاك الأمير علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وبعدها قالت يكفي أحسنتِ يا ابنتي نوَّر الإمام طريقك. فجلست وابتسمت لكلامها عنها وحمدت الله.
فأتت بسؤال آخر وقالت: ما هو عيد الغدير؟ وملأ الكون بنوره؟؟
فقمت بالإجابة وتحدثت قائلة: بدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث لجميع المسلمين عن هذا اليوم المبارك فقال:
فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد.
يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته؟!
جبرائيل يبلّغ الرسول (ص)
لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (صلى الله عليه وآله وسلم) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من المسلمين إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) عن الله بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل (عليه السلام) عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلها مرّتين وذلك للتأكيد: مرة عند وقوفه بالموقف، وأخرى عند كونه في مسجد الخيف، وفي كل منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء (عليهم السلام) وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد، ويأخذ منهم البيعة له على ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالى بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
الرسول يقوم بالمهمة:
من كنت مولاه فعلي مولاه فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايضاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض.
ثم أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديه فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإن الرجل منهم ليضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (صلى الله عليه وآله وسلم) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا علياً (عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعى إلى الأمّة نفسه، وأشار إلى أمر الإستخلاف فنصب علياً (عليه السلام) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها ما يلي:
«معاشر الناس، ان الله أوحى إليّ يقول: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)). وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي على اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.
فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد. معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وظل رسول الله يقول معاشر الناس، حتى وصل إلى قوله:
اللهم احشرنا مع محمد وآل محمد معاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الّذي قلت، وسلّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. معاشر الناس، إنّ فضائل عليّ عند الله عزّوجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه. معاشر الناس، من يطع الله ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا.
ثم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نادى بأعلى صوته ويده في يد علي (عليه السلام) وقال: «يا أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟.
قالوا بأجمعهم: بلى يا رسول الله.
فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بضبع علي (عليه السلام) حتى رأى الناس بياض ابطيهما، وقال على النسق من غير فصل: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ وآلِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد».
الصحابة يبايعون عليّاً (عليه السلام)
ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّى بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (عليه السلام) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه على ذلك.
ففعل الناس ذلك كلّهم يقولون له: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن على عليّ (عليه السلام) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه على ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (عليه السلام) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل علي (عليه السلام) يده فيه قبل ذلك.
القرآن يبارك خلافة علي (عليه السلام)
وعن ابن عباس، وحذيفة، وأبي ذر وغيرهم، انهم قالوا: والله ما برحنا من مكاننا ذلك حتى نزل جبرئيل بهذه الآية عن الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالى برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.
يوم الغدير شعرا
كان شاعر الرسول (ص) حسّان بن ثابت موجودا فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟
فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): قل يا حسّان على اسم الله.
فوقف على نشز من الأرض وتطاول الناس لسماع كلامه، فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم... بخمّ واسمع بالرسول منادياً
فقال: فمن مولاكمُ ونبّيكم؟... فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبيّنا... ولم تلق منّا في الولاية عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنّني... رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه... فكونوا له أتباع صدق موالياً
هناك دعا اللهمّ وآل وليّه... وكن للذي عادى علياً معاديا
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. ثم قام من بعده جماعة من الشعراء وألقوا على مسامع القوم أبياتاً في مدح علي (عليه السلام) وتبجيل هذه المناسبة العظيمة كقيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وغيره.
وأنهيت حديثي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
فشكرتني الأستاذة لكلامي وأثنت عليّ بكلامها الجميل المشجع إلي وابتهجت وفرحت كثيراً فرحة غامرة في أعماقي ومن كل قلبي وكأن الارض لم تسعني من شدة فرحي وسروري وحمدت ربي كثيراً وشكرت مولاي ﻷعطائي هذا العلم الذي ملأ قلبي ولذكره في حياتي كثيراً ..
فأنهت الأستاذة كلامها وقالت لنختم حديثنا بمقطع دعاء الصباح لأمير المؤمنين وبدأنا بالقراءة..
.. يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون، يا من أرقدني في مهاد أمنه وأمانه وأيقظني إلى ما منحني به من مننه وإحسانه وكف أكف السوء عني بيده وسلطانه، صل على الدليل إليك في الليل الأليل والماسك بأسبابك بحبل الشرف الأطول والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار.... واغرس اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع وأجر اللهم لهيبتك من أماقي زفرات الدموع، وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع، الهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي إليك في واضح الطريق، وان أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى....
وأنهينا الدعاء والقت علينا الأستاذة التحية مرة أخرى وخرجت من الصف وبدأنا نتحدث معا عن هذا الدرس الجميل الذي زادنا علماً وشرفا بالتكلم به وبعد مضي من الوقت قرع جرس المدرسة وأعلن نهاية الدوام والذهاب الى المنزل فخرجت انا وصديقتي من المدرسة متوجهين الى منازلنا وننشد أبياتا وشعرا عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في طريقنا، وأكملنا الطريق ووصلت كل واحدة الى منزلها والقينا التحية لبعضنا وبعدها دخلت الى المنزل، كنت فرحة جداً بما حدث لي اليوم من روائع الكلام و عطر أمير المؤمنين (عليه السلام) في أرجاء الكون، فالقيت التحية لأمي وقالت لي: مال وجهك مبتسم وفرح هكذا، فاحتضنت أمي وقلت لها أحبك يا أمي لما علمتِني من علم نافع وأنرتِ دربي وقلبي وغمرتِني بحب الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، كم أشكرك يا أمي لو خدمت طوال عمري لم أفِ جزء مما فعلتِ لي، وذهبت الى غرفتي وأخذت قسطاً من الراحة فإذا باب الغرفة يطرق عليّ واذا بأمي آتية الي مبتهجة، فقلت لها ماذا تريدين مني؟. فقالت لي اقتربي إلي لأقول لك شيئا تحبيه كثيراً، قالت لي: سوف نذهب لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ونحضر عيد الغدير هناك لنبايع الأمير مع المؤمنين، من شدة فرحي هرولت لأحضر نفسي مسرعة قبلهم، أجهز نفسي لأن اشتياقي إليه تجاوز المدى وحبي له لا ينقطع.
وخرجنا من المنزل جميعاً أنا وأهلي للذهاب الى الزيارة متوجهين الى النجف الاشرف، الى النور المبين والقمر المنير الى أمير الكونين ومولى المتقين، جلست في السيارة أعد اللحظات والثواني للوصول الى هناك وعندها وقفت السيارة، قال أبي: وصلنا هيا أنزلوا لنذهب لزيارة الامام، وأثناء توجهنا إليه هب علينا عطر رائحته مسكا وعنبرا نشمها من بعيد، أنه نور الله وولي المؤمنين أضاءه الكون بأنواره فرفعت رأسي عالياً ورأيت نور القبة الذهبية يتلألأ وينثر عطره في أرجاء المكان، وقفت وقلت: أجل انني أمامه أتنفس هواء الجنة ليس في الحلم بل أنها الحقيقة، انهمرت دموعي على وجنتي شوقاً للقاء، فتوجهت الى شباك الأمير وانهالت دموعي وشكوت إليه همومي وتقصيري وبعدها جلست قليلا هناك فبدأت أكتب عنه في مخيلتي وأخذت أكتب في هاتفي كلمات.
فأنى للقلم أن يكتب في صفاته، وماذا عساه يسطر في بيان كمالاته، وقد حارت العقول والأفهام أمام شموخ فضائله التي ملأت الخافقين، ومكارم أخلاقه التي وسعت الكونين. وشهد بفضله وعلوّ مقامه العدو قبل الصديق، لأن النور دائما أقوى من الظلام ووهج الحقيقة يأبى أن يكتمه تراكم الدخان، لذا سطع نور علي عالياً يضيء درب البشرية ويمدها بمنهاج الرسالة المحمدية الخالدة، سيدي، أي فكر يمكنه أن يبلغ مداك؟ وأي قلب يستطيع حوز حبك ونيل رضاك؟ وأي قلم يقدر على الفراغ من ذكر هداك؟ هيهات وطودك شامخ وذكرك باذخ، تحيرت فيك عقول المحبين رغم ولائها المطلق وخرست أصوات القالين وعنت وجوههم لك ذالة مهزومة، أنت الذي ينحدر عنك السيل ولا يرقى إليك الطير.
عجبي في أمة أبت أن تبصر فضلك، ورفضت أن تتزود من معينك، وانحازت عن نجعك اللافي ونبعك الصافي، رضيت بالغدير العكر والماء النكر، تاركة وراءها سلسبيلا رويا.
علي أنت في علاك لا يدركك إلا العلي الأعلى كما قال فيك ذلك نفسك التوأم ومثالك الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لست متاحا إلا لمن رفض الاستعلاء في مقام العبودية، لأنك أول الرافضين للاستعلاء رغم مقامك العالي، ولست وليا إلا لمن والاك بكل ما في الولاء من معنى.
وبعدها سألته يا إمامي يا علي؟ لماذا يصر هؤلاء على المضي قدما في تغييبك وحالك أجل من أن تخفى وحقيقتك أرفع من أن تطوى، حقيقتك هي كالشمس، إن لم يقنعوا بالآيات والأحاديث الواردة في خصوص إمامتك وفضلك، فليقنعوا بأياديك الكثيرة على الإسلام وأهله تلك الأيادي التي اعترف بها العدو والصديق.
بسيفك أقمت عمود الدين وبعلمك وعلوم ذريتك بقيت للدين بارقته واستمر حزبه ظاهرا رغم تعدد أنواع التصفية والإقصاء، ثم خصك الباري تعالى بما لم يخص به أحدا من العالمين إذ زين الكعبة وشرفها بولادتك، فكنت أول وآخر مولود يولد بها، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمي تلك السنة بسنة الخير والبركة.
ثم شاءت كرامة الله عليك أن كانت شهادتك أيضا ببيت الله وأنت متجه إليه، وان كانت حياتك كلها في الله ومع الله والى الله ومن الله تعالى.
وبعدها توجهت نحوه وشكرت الله على نعمة الولاء وأن يجعلنا من أولياءه ويرزقنا زيارته دائماً، وقمت بتوديعه وانا أفارقه وفي حسرة من قلبي لفراقه وبكيت وانهالت دموعي واحمرت عيناي مرة أخرى، فقالت لي أمي: هيا لنذهب.. ورحل عنه جسمي وبقي قلبي وعقلي عنده، فغادرنا وأنا أنظر الى قبته والمكان الرائع تاركة روحي عنده ووصلنا الى السيارة وعدنا الى المنزل، فتوجهت الى غرفتي واسترحت قليلاً وعندما جاء الليل قمت لصلاة الليل وشكرت الله وحمدته على هذا النعمة وأنه رزقنا حب الأئمة الأطهار وزرعها في قلوبنا فالحمد لله رب العالمين.
اضافةتعليق
التعليقات