في يوم صيفي شديد الحر، أجلس في غرفتي على الكرسي الهزاز بين الكتب بعيدا عن أعين الناس، كثيرا ما أجلس وحيدة حائرة هذه الايام مع تشتت افكاري أمام العقبات المنتشرة على ساحة ذهني،
وصرت كثيرة الصمت، لم اكلم أحدا بما يضايقني ويزاحم روحي الضعيفة في هذا العالم، في لحظات سكوني احدّث نفسي بحديث لا اريد سماعه وابحث له عن جواب..
لم اكن هكذا يوما، اشعر بالأحباط وبالحزن فمن عادتي التفكير بإيجابية ودائما ما ألّقن نفسي ان ايام البلاء لن تدوم وان
الانسان يواجه في حياته كثيرا من المشاكل والعقبات التي تحول دون تحقيق أهدافه، وتختلف درجة وشدّة هذه العقبات حتى قد تصل شدتها إلى أن يصاب الانسان بحالة من الإحباط واليأس تجعله يستسلم لهذه المعوقات ويعتقد أنه لا خلاص منها.
ولكن هل اصبحت فاقدة للأمل؟! ام ان مايدور حولي افقدني الشعور بالأمل وبالغد المشرق؟! كثيرا ما يتبادر لذهني هذا السؤال: أستتغير حالنا ام انها ستسوء، هل يمكنني التغيّر ام اخذ موقف المتفرّج؟!
اسئلة كثيرة تدور في خاطري لم اجد لها جوابا خصوصا ونحن بين من يبيع دمائنا بأرخص الاثمان وبين من يشتري قتلنا بأي ثمن.
ليتني لم اكن في هذا الزمان، ولكن اي زمان ترى قد خلا من هؤلاء الذين ينصبون لنا العداء؟!
مايشغل بالي وتفكيري البحث عن مكان يخلوا من النواصب، لأهرع اليه ليس خوفا منهم ولكن لأبني مملكتي واضع اولادي بعيدا عنهم واعيش بسلام، ولكن لا جدوى فقد انتشر مخالفوا فكر اهل البيت وملؤوا ما حولهم من فتن واضطرابات وحروب وقتل وتهتك سياسي وخلقي بلغ اخر حد من الاستهتار والسقوط..
منذ ايام وانيسي في وحدتي كتابي فقط، يحدثني بلسان الصمت وهذا مايريحني من ضجيج وفوضى العالم الخارجي فأهرب لأطالع كتب التاريخ لأطّلع على اخبار الماضين بالخصوص عندما تواجهني مشكلة فابحث عن حل لها من كتب التاريخ من سيرة اهل البيت (ع).
فبينما اقّلب صفحات التاريخ باحثة عن زمان يخلوا من ظلم وجهل ومن اعداء الانسانية والدين، وبالتأكيد لم اجد زمنا خلا منهم ولكنهم اخجلوا صفحات التاريخ الاسلامي نفسه على مر الازمان، ما يشعرني براحة نفسية ويطمئن قلبي ان التاريخ يعيد نفسه وان مرت عليه الليالي والايام وحتى السنين، فزماننا هذا كثير الشبه بزمن امامة الامام جعفر الصادق (ع) فكما كان الامام في عصر انتهاء دولة وبداية اخرى فنحن كذلك.
هاقد انتهى كابوسنا مع ذهاب حكم الطاغية صدام والذي كان كثير الشبه بحكم بني امية وظلمهم للإمام وشيعته، وكما هو معروف
من أمر حكام الدولة الاموية كيف حوّلوا الخلافة من موقع يقود الأمة الإسلامية إلى الله، حولوه إلى موقع يقود الأمة إلى خدمة أهوائهم ومصالحهم وسلطانهم بشتى الوسائل غير الشرعية، من قتل ونهب وسبي وظلم وترف واستبداد، وذلك تحت ظلال الشعارات الإسلامية الكبيرة! حتى أضحى القتل سُنّة، وأضحى التلاعب بالرؤوس بدعة مستساغة، ولم يقف الأمر عند رؤوس الناس الأبرياء ورؤوس الثائرين على النظام الأموي الحاكم حتى تعداه ليتلاعب الحكام الأمويون برؤوس أهلهم وإخوتهم وبني عمومتهم من الأمويين أيضا طمعا بالسلطان وخوفا من ضياعه.. كل هذا وكان الامام محاصر ومراقب موضوع تحت الاقامة الجبرية تحيطه اعين السلاطين الجائرين كي لا ينشر علومه ويكمل رسالة ابائه واجداده رسالة السماء.
كعهد صدام، كيف كنا محاصرين ممنوعين من نشر وتعليم علوم وثقافة اهل البيت (ع) فكم كانت لنا احلام واماني بعد سقوط صدام وتلاشت مع
دخولنا كابوس اخر بحكم هؤلاء الذين جائوا لدمار بلادنا ونهب خيراته كحكام بني العباس في زمن الامام الصادق (ع) والذين بشعار الدين والتشيع تسلطوا على الحكم.
كان العباسيون في طليعة أنصار ال محمد(صلى الله عليه وآله) بل رفعوا شعارهم ضد بني أمية بأخذ حقوق اهل البيت وأخذ ثاراتهم من بني امية، و لكن سرعان ما تغير كل شيء وظهر دجل بني العباس وما كانت شعاراتهم تلك إلا لخداع الناس و تظليلهم فما ان إستلموا زمام السلطة حتى بدأت حملاتهم الاجرامية الدموية ضد الشيعة و آل محمد(صلى الله عليه واله) ايضا وبدأت مرحلة جديدة من الاضطهاد والظلم
كحكامنا الذين جائوا بأسم الحرية والوحدة والمساواة ولم يبقَ من وعودهم الكاذبة الا لافتات كتبوا عليها مطالب الشعب!!
يضحكون من معاناتنا، ويرقصون على جراحنا.
أسرعت اقلّب صفحات التاريخ لأرى مافعل امامنا في مثل هذه الظروف..
إنّ الامام استغلّ فترة انتقال الحكم من بني امية الى بني العباس، واستطاع خلال هذه الفترة المحدودة، نشر علومه في مشارق الارض ومغاربها حيث كانت الفرصة سانحة للإمام الصادق (ع) ليبدأ انطلاقة علمية كبيرة في اواخر حكم بني امية، وبداية دولة بني العباس، حينما خفّ الضغط السياسي بعض الشيء، مما اتاح لطلبة العلم ورواد المعرفة ان يتقاطروا على مجلسه لينهلوا العلم من نبعه الصافي ومعينه الثري.
وكانت مجالس الإمام مدرسة شاملة لعلوم القرآن، والفقه، والعقائد، والاصول، والفلسفة، بل وحتى الكيمياء والطب وعلم الحساب وعلم الفلك وغيرها من العلوم، وتمكنت الأمة من الإستفادة النسبية من علوم الإمام الصادق (ع)، فقد انشأ الامام جامعة اسلامية كبرى تتلمذ فيها على يديه من الرجال عشرين الفا، وكان الثقاة من بينهم اربعة الاف.
فاستطاع الامام الصادق(عليه السلام) ان يصنع طبقة كبيرة جداً من المثقفين والعلماء واستطاع خلال هذه الفترة المختصرة من الحرية ان ينشر من العلوم ما ملأ الخافقين.
لكن نحن ماذا فعلنا؟ اترانا اقتدينا بإمامنا؟!
فتذكرت علمائنا وما يفعلون، انهم على النهج سائرون فقد استغلوا هذه الفترة في نشر فكر وعلوم اهل البيت (ع) واستطاعوا انتشال الكثير وصححوا افكارهم، كما وانهم انشئوا المدارس والجامعات واسسوا المستشفيات ودور الايتام وفتحوا المؤسسات والجمعيات الخيرية كما فعل الامام الصادق(ع)، اما اعداء فكر اهل البيت فاختاروا القتل والظلم في كل زمان، فالقوم ابناء القوم ونحن شيعتك يا جعفر بن محمد الصادق.
اضافةتعليق
التعليقات