ثوب بلون الفرح، وصبغة بلغة الولاية، يستلطفها محفل المبايعة، وكتيبة التأليف ترف بجملها عمقا في تورد معجمها لتنال بهجة الدارين.
تعاهدنا الفطرة بورق الطالع وخيرة آياته، أن العيد صندوق بركة ينعمها أهلها ومحبيها، يرتضيه ب لونه الأبلج، وسماء ذات العنقود الأخضر، ب رقة الحرف، وشوق المبدأ، وتيار الفكرة والعقيدة..
الغدير.. بيعة وولاية
ويتساءل أهل العباء من حب أهل الكساء.. من يحذو القماقم، ويتبع الفراقد، ف الياقوت هو الجائزة، ومشرب الكوثر سقاية له خالدة؟!
ف يخترق الجواب حجب الغيث، ك الشهب الثاقبة، راجحة عاقلة..
إن العطشى، رواد بيت مكة ومنى، وزمزم والصفا، غذائها ولاية علي بن أبي طالب وأتباعه شرف وعناية وحجاب، عبارات وافدة تلهجها القلوب العاشقة، ل سعيها راضية، حتى وإن وخز السعدان أقدام، ف الصراط رصد، والعتبى لمن جثى ل طلب الرضى، ف يذوب الخلد خجلا لأهل الصدق، ويجتمع تحت راية عالية سامية بيد أمير الولاية..
تتجلى عند أعتاب تراتيله ملائكة سهد، طالبة غرقد، وكتب شهد إثبات ولايته، وتجديد بيعته، أمرا منصوصا من الله ورسوله، وأن عليا ولي الله.
في العيد، يبايع الموالي وكفه مكتوب عليه، أتباع علي جنة، يستعد لإثبات صفته وذاته، وقطف ثمار الرضى من آل المصطفى، يسمع ويرتل رحمة لنفسه وأداء لصلاته وصحوته، يتفقد الأهل ويعانق الأحبة حبا وفرحا ل تجديد البيعة والولاية، نعمة هم فيها خالدين..
ف الشمس هي علي، والقمر الزهراء فاطمة، والنجم والشجر يسجدان، طاعة موصلة وعبقا مألوفا بعطر النبوة ونبع الرسالة ذات قرار ومعين..
ف تتجسد التضحية أعواما وأدوارا تختلف جيلا عن جيل، ووترا يتبعه الوتير، وفكرا ماله مثيل ورداء وسترا لأمة الغرق، وأسلوبا مميزا يرتدي ثوبا جديدا وطرحا ذا منهجية تتفق وعلم الحاضر ب ثبات وحكمة متجددة لرواد البيعة وحب عليا عليه السلام ومبايعته حتى لا تنقلب الزهرة من معصم زهوها إلا ب نور هو أكبر من نور السماوات والأرض.
رحلة الغدير
عند بدء النداء يوم كان للمجد بيت تحت شجرة السلام، وبيعة الأوفياء، التقت حناجر لتعانق محاجر العطاء وسيف الذكاء، ورفيع الوقاء، عليا سيد البلغاء لتنال شرف المفاخرة، وعزة الحضور..
فهل هناك شقي تحدى الولاية والله شاهد لها يوم الجزاء؟! نعم هناك السقيفة العشواء، فوضى مسمومة، وضغط معبأ من تراب الخيبة وسيوف متعطشة للدم والانتقام وحب الشهوات.. عدتهم هي والشيطان سواء، لا ولن تعترف ب مبدأ، هاجرة كل القيم ارتضعت مسخا مقيتا، سنينهم عجاف، سيوفهم موقوتة لقتل الأبرياء واحتضان الحمراء، وذبح الصلاة في محرابها، والوثوب على معاصم الولاية والتدوين على جدران هجرهم نحن الأمراء.
ماذا حدث في غدير خم
في هذا اليوم تحديدا يوم الثامن عشر من ذي الحجة، في 18 من ذي الحجة في العام العاشر من الهجرة، وأثناء عودة الحجاج من رحلة الحج في طريقهم إلى المدينة، أمر الرسول صلوات الله عليه وآله بالتوقف في مكان يعرف (بغدير خم)، وإلقاء بعض الوصايا المهمة، ثم أعقب ذلك بتبيان فضل علي بن أبي طالب خاصة، حيث كان مما قاله في حقه، بعد أن أمسك يده ورفعها عالياً ليشاهدها الآلاف من المسلمين الحاضرين "من كنت مولاه، فهذا علي مولاه" اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله.
حينها، انفردت الساحة ب تابعيها، بعضا يدافع عن مبدأ السلام، كتاب الله ورسول وآله الأنام، عترة التقدير عبرة وعبرة وهتاف لا سيف إلا ذو الفقار..
وأخرى تذوب ولاتفترق عن سل السيف وشق الوتين، وشرب الحميم، بحجة التأميم تحت راية الاختلاف رحمة، ولكنها أشبعت ضميرها موجا لايعد الرحمة مفهوما مأثورا بل شرابا غير سائغ ف قتلت وأشهرت وعاثت وتمردت لتواكب هدفا عابثا وسوء عاقبة، وإن الله لعملهم لمن القالين.
فقد نظر علمائهم أن ما وقع في غدير خم، أمرا نبويا بضرورة إظهار الحب والمودة والولاء لعلي بن أبي طالب، وأنه لا يوجد في الحديث ما يدل صراحة على النص باستخلافه أو ولايته.
مع العلم أنها قد شهدت وصاية صريحة من الرسول صلوات الله عليه وآله بخلافة علي بن أبي طالب ليصير خليفة للمسلمين من بعده، وأنّ تلك الوصاية تمنع أن يتولى غيره هذا المنصب، لأنه أمرٌ إلهي لا يجوز تجاهله أو مخالفته.
بينما أوردتها عدد من مصادر المخالفين، مثل مسند أحمد بن حنبل، وسنن ابن ماجة وسنن الترمذي، وسنن النسائي وغيرها، ولولا أهميتها مادونت وكانت محط جدال عند كل الأطراف وبصياغة مختلفة.
أما ابن تيمية، في كتابه منهاج السنة النبوية، يقول "إن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات.
عليا.. ومباركة الغدير
ويبقى أثير القلب علما فريدا ب ايعاز العقل المتفرد صدقا لا نظير له ولا فجوة يعتريها السهاد مادام الحديث وفن الكلمة تتبع شغف الحبيب تلثم الطيب من شفاه قد ذبلت حبا بالله عند بيت السجود وعبق التسبيح شفاعة مقبولة ل توطن أرواح وأجيال على كتاب قد خط الحرف فيه من عين سلسبيل وماء كوثر قد ارتقى فضلا بذكر علي ساقي العليل وشافي كل ضنين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
في الغدير، لا تغدر النفوس بل تتجلى، والكتاب لا يخذل حديثا بل يرقمه بدليل العلم والمعرفة، وتبتهل منه ذوي الإلمام ليعد موسوعة لا مثيل لها من السداد وقوة النقد.
في مكتبة الجملة والتحدي عصرا لا يخضع لغير علي وآل علي، لأن وفد الفكرة وعمارة المقال لا يختم ب صفائه ونقائه إلا ب مبدأ ثابت بعيدا عن التذبذب والتلون حتى يكتمل الكتاب ببركته وترتوي منه عيون قارئة.. شكرا واعجازا.
لأن تجديد الذكرى بهذا اليوم تحديداً ينضوي تحت لواء تجديد مشروعية البيعة، حكما وحاكما، فإذا كان الغدير قد شهد تنصيب علي بن أبي طالب وليا وخليفة من قبل الله تعالى ورسوله نصا وكتابا وبدليل، فإن الإحتفال بذلك اليوم يحمل في طياته دلالات استمداد الحكم الشيعي ومن نفس المصدر الديني المقدس، وهو الأمر الذي يصب في توسيع رقعة صلاحية الاستمرار ب منهجية علوية مع بشائر خير.
يورد الشيخ الصدوق في كتابه الخصال، أن جعفر الصادق عليه السلام لما سُئل من بعض أصحابه عن أهم أعياد المسلمين، رد قائلاً: "أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه للناس عَلَما".
الاحتفال بعيد الغدير له صبغة شعائرية إسلامية متميزة، عيد نال وسام المذهبية والعقائدية الحرة..
عيد تمتع ب انطلاقة واسعة تأريخيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، عيد خلاق له تماس أخلاقي تربوي مباشر مع كل جيل صغيره وكبيره وما اعتاد عليه، وهو صلة الوصل ل مجد الإنسان واحترامه لدينه وشريعته.. لأنه أقوم الأعياد وأفضلها ف كما ختم الله النبوة ب حبيبه محمد صلوات الله عليه وجعله خاتم النبيين وأفضلهم، كذلك ختم الله سبحانه الأعياد ب عيد الغدير، وجعل عليا عليه السلام خاتم الأوصياء، خاتمة وختمة مباركة.
اضافةتعليق
التعليقات