الحديث عن حفيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو جعفر ابن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، وهو سادسُ أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وقد لُقّب بالصادق لصدقه في القول والفعل، وفي روايةٍ أنّ النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله قال: "إذا وُلد ابني جعفر بن محمّد بن علي فسمّوه بالصادق، فهو صادقٌ مصدَّقٌ يصدّقه مَن يؤمن به ويصدّقه مَن لا يؤمن به"، وحين نلقب الإمام بالصادق هذا لا يعني أن هذه الصفة موجودة به أكثر من وجودها في باقي الأئمة والعياذ بالله، ولكن السبب في تلقيبه بهذا اللقب هو أن الأحداث و الوقائع في زمانه ساعدت على إبراز هذه الصفة أكثر، وكذلك الحال في كل صفة عرف بها بقية الأئمة.
نحن نتحدث عن شخصية عظيمة جامعة لجميع العلوم والمعارف والكمالات، هو من أهل العصمة والقداسة والطهارة، هو من أهل بيت النبوّة والوحي، في بيت جدّهم محمّد صلّى الله عليه وآله نزل الوحي والقرآن، هو القمر السادس من أئمة أهل البيت وثامن المعصومين روحي
وأرواح المؤمنين له الفداء، وحين نود أن نتطرق للحديث عنه فمن أين وكيف نبدأ؟ وعما نتحدث؟
أعن علمه؟ فهو الذي ملأ الكون علماً وفقهاً، أم عن مدرسته؟ التي لم يشهد التاريخ على مر العصور لها مثيل، مدرسة يربو طلابها على أربعة آلاف يدرّس فيها الفقه، والحديث، والتفسير، والأخلاق، والفلسفة، والفلك، والطب، والكيمياء، إلى غيرها من العلوم والفنون.
ولا تقل جوانب حياته الأخرى أهمية من ناحية العلم والورع والحكمة والتقوى، فأئمتنا صلوات الله عليهم قد خصهم الله بما لا يوجد عند غيرهم من اتساع أفقههم في جميع مجالات الحياة، بينما نجد غيرهم إذا اختص في شيء فشل في غيره، لكنهم عليهم السلام فقد جمعوا الفضائل والمكارم، وسبقوا الناس إلى كل منقبة حسنة، وخصلة خيرة.
عاش الإمام جعفر بن محمد الصادق في مرحلة دقيقة من تاريخ العالم الإسلامي بين سقوط الدولة الأموية وقيام دولة بني العباس وكان عالما فقيها احتل مكانة رفيعة بين علماء المسلمين كافة، وكانت حلقته الفقهية في المدينة المنورة تجتذب علماء المسلمين من كافة المذاهب، ودرس فيها أبو حنيفة النعمان، الذي قال "لولا السنتان لهلك النعمان"، في إشارة إلى السنتين اللتين درس فيهما عند الإمام الصادق، وكذلك درس عنده مالك بن أنس. وعرف الإمام الصادق بأنه فقيه المناظرات حيث ناظر الملحدين وأرباب الآراء الإسلامية ورؤساء المعتزلة وناظر القائلين بالقياس والرأي وناظر عبد الله بن الفضل الهاشمي وابن أبي العوجاء.
قال عنه الشيخ الأزهري، محمد أبو زهرة في كتابه "الإمام جعفر الصادق": ("نشأ جعفرُ في مهد العلم ومعدنه، نشأ ببيت النبوّة الذي توارث علمها كابراً عن كابر. عاش في مدينة جدّه رسول الله فتغذّى من ذلك الغرس الطاهر، وأشرق في قلبه نورُ الحكمة بما درس وما تلقّى وبما فحص ومحّص. كان قوةً فكرية في عصره، فلم يكتفِ بالدراسات الإسلامية وعلوم القرآن والسُنّة والعقيدة، بل اتجه إلى دراسة الكون وأسراره، ثمّ حلّق بعقله الجبّار في سماء الأفلاك ومدار الشمس والقمر والنجوم، كما عنى عناية كبرى بدراسة النفس الإنسانية، وإذا كان التاريخ يقرّر أنّ سقراط قد أنزل الفلسفة من السماء، فإنّ جعفر الصادق كان علامة فارقة في كل مدارك العلوم").
ومما لا شك فيه أن أكثر من ٨٠٪ من تراثنا الشيعي يعود إلى الإمامين الصادقين، وخصوصاً الإمام جعفر الصادق عليه السلام، والسبب أنه في زمن الإمام الصادق عليه السلام استطاع الإمام أن ينشر العلوم الفقهية وعلوم التفسير وكافة العلوم، وأتيحت له الفرصة أكثر من غيره من الأئمة، وبالتالي أصبحت الشيعة تسمى ب"الجعفرية" نسبة له صلوات الله عليه.
عندما نرى هذه الشخصية بما فيها من هذه الكمالات، من هذه العلوم، ونأتي من ضمنها إلى علم الفقه وإلى علم الحديث، فقد يتساءل البعض ممن لا حظ لهم بمعرفة هذه الشخصية المباركة، فيقول: من أين تعلّم الإمام الصادق عليه السلام هذه العلوم؟ هل هو مجرّد راوٍ من الرواة الذين استمعوا الروايات من غيرهم أو تتلمذ على يد أحد؟ من أين أخذ الإمام الصادق هذه العلوم؟ هنا يجيبنا الإمام الصادق عندما يقول: "حديثي حديث أبي"، عن جده، عن علي ابن الحسين، عن الحسين ابن علي، عن علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن الله سبحانه وتعالى.
اضافةتعليق
التعليقات