قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هنالك، ألا أنبئكم بمثل محمد وآله»؟
قالوا بلى يا رسول الله
قال: «محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور وعلي بن أبي طالب عليه السلام في آل محمد صلى الله عليه وآله كأفضل أيام شعبان ولياليه وهو ليلة النصف ويومه، وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدّهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد».
لنتمعن في قول رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلم – (أجدّهم في طاعة الله أقربهم شبهاً بآل محمد)، ماالذي نستلهمه من هذه العبارة؟، كيف يكون المؤمن حقاً؟، وكيف يصل المرء لطاعته تعالى؟، سأترك لكم التبحر بهذه العبارة وفهم المقصود...
في الصلوات التي تُقرأ كل يوم من شهر شعبان نقول في مقطع فيها: "وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان".
شعبان شهر رحمة ورضوان وخيرات تعم كل مكان، تُرى لماذا خُص شهر شعبان بذلك ولِمَ جُعلت به الرحمة الالهية، يقول تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" رحمة الله الواسعة للعالمين أن بعث إليهم محمد وآله الاطهار اهل رحمة وخير ومحبة لكل متعب ظمآن...
وبذكر النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونشر رسالته ارتباط وثيق بسبطه الحسين صلوات الله عليه فقد انتشل محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم العباد من مستنقع الجهل وعرّفهم الخير ونشر رسالة الحق وأوضحها، ثم كان لسبطه دوراً عظيماً في الحفاظ على رسالته وكشف الظلم والمنافقين لذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الحسين مصباح وهدى سفينة نجاة وإمام خير ويُمن وعز وفخر وبحر علم وذخر" عيون أخبار الرضا:1/62، وقريب منه كما رواه الشيخ إبراهيم بن محمد الجويني في كتابه: فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام: 42.
حدثنا: بكر بن سهل، حدثنا: عبد الله بن صالح، حدثني: معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن يعلي بن مرة، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي (ص) أمام القوم، ثم بسط يديه، فجعل حسين يمر مرة هاهنا ومرة هاهنا، فيضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم إعتنقه فقبله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط. الطبراني، المعجم الكبير، باب الحاء، ح2522 .
فشهر الرحمة ابتدأ بميلاد حبيب الرسول الاكرم، من بذل مهجته في الله ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة، ومن بعده توالت ولادات الاقمار الذين ارتبطت أساميهم باسمه وذكرهم بذكره وكأنّ شعبان شهر استقبل الوافدين إلى الله تعالى والمُعطين بلا حدود الذائبين في حبه الباذبلين أنفسهم له، وما أعظم تضحية أبي الفضل العباس بن علي عليه السلام ووفاءه حيث كانت ولادته اليوم الثاني من ولادة اخيه الطُهر الدائم ذكره بذكره تعالى فهو ثار الله وقتيل الله، وكأن سبحانه شاء أن تكون ولادة سيدي أبا الفضل بعد يوم ولادة سيد الشهداء لبيان قربه منه ثم كانت بعده ولادة زين العباد سيد الساجدين من تحمل المآسي والآلام، الاعلام الصادح بالحق، المُوضح مظلومية جده وأبيه صلوات الله وسلامه عليهم..
ثم في الحادي عشر منه يولد القمر الزاهر الهمام علي الأكبر عليه السلام من فدى نفسه لنصرة الدين، ووقف إلى جنب قائده وأبيه، ثم ينتصف الشهر بمجيء آخذ الثأر لهم، بمن ارتبط اسمه باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجده سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليهم السلام، مَنْ حار العالم بوصفه، من وجوده أماناً لأهل الأرض ورحمة، نعم هو المنتظر لإقامة الأمت والعوج، هو المدّخر لتجديد الفرائض والسنن (سيدنا ومولانا إمام زماننا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسيأذن تعالى بظهوره للعيان ويأمر بنشر الحق ويحقق العدل ويملأ الأرض بهاءاً ونوراً متى ما تحققت حكمته.
لكن ونحن الآن في زمن الانتظار، ما وظيفتنا؟ وما الذي يريده منا مولانا المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لنكون ممن يرضاهم تعالى، ويكتبهم من الناصرين لدينه والمُعلين لكلمة الحق، المطيعين له بالسير على ما سار به أوليائه، المتشبهين بهم والمتقربين بهم إليه..
في دعاء زمن الغيبة والوارد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:
نقول:
"اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني".
فأول ماعلى الفرد المسؤول كي يحفظ نفسه من الضلال ولا يتيه بأودية الدنيا الواسعة، هو التوسع بمعرفة إمامه حجة الله عليه، "فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" ينابيع المودة ج:3 ص:372. طبقات الحنفية ص:457.
وأقل ما يكون من معرفة إمام زماننا، هو معرفة مايرضيه ومايسخطه لنعمل بما يُحب لنا أن نعمل به، لذا علينا الرجوع والبحث بما ورد إلينا منه ومعرفة ماصدر عنه وما أوصى به لنتقرب لطاعته تعالى؛ وقد ورد عنه صلوات الله عليه قوله:
"فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرِّبه من محبَّتِنا ويتجنَّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، ....."
فصار واجباً على المرء أن يعمل بما يدخل السرور على قلب محمد وآله الأطهار ويبتعد عن كل ما لايرضوه وبالتالي لا يُرضيه تعالى..
وما يؤلم القلب إنه صلوات الله عليه يتألم من ابتعاد الناس ومخالفتهم ولكن يمُن بكرمه وحنانه عليهم فقد قال: لولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل.
وعن الإمام الهادي (عليه السلام) يقول - لشيعته - اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح..
وأيضاً عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية..."
وعنه (عليه السلام): كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا
وعنه أيضاً (عليه السلام): أي مفضل! قل لشيعتنا: كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه، واتباع رضوانه، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين..
فهم صلوات الله وسلامه عليهم الداعين إلى الله، المُظهرين أمره ونهيه، الدالّين عليه، الثابتين في طاعته، ونحن إذ نُريد التقرب إليه ورضاه، علينا البدء بهم والأخذ عنهم.
اضافةتعليق
التعليقات