في أحد الايام بعد تناولنا وجبة الغداء بدأ والدي كالحالة المعتادة بالتحدث عن فضائل اهل البيت "عليهم السلام" إلى ان طرح علينا استشكال اوقفني وجعلت افكر: حقاً! كيف ذلك؟ ومالفضيلة للإمام علي عليه السلام إن كان هو في اعتقادنا يعلم الغيب ومبيته في فراش الرسول صلى الله عليه واله لا فضيلة لها لأنه يعلم انه لن يستشهد هنا فليس هذا يومه!.
قطع لي والدي حبل افكاري وقال: تعبتم وانتم تفكرون سأقول لكم الإجابة ولكن بشرط اريد ان تبحثوا عن القضية التي سأطرحها وتعلموني في اي الاماكن ممكن استخدامها، اومأتُ برأسي موافقة وكذلك اخي، ثم اكمل والدي حديثه: انه البداء، كذلك مولانا الامام علي "عليه السلام" يعلم ان الله عزوجل بيده كل شي ويستطيع ان يغير القضاء في اي لحظة "يمحو الله مايشاء ويُثبت وعندهُ أم الكتاب".
صحيح الامام يعلم الغيب ولكن علمه من الله سبحانه وليس لديه استقلالية وان حدث تغيير ف الله يخبر الائمة ومن الممكن ان لايخبرهم.
فهذه عقيدتنا في البداء ابحثوا وقولوا لي ما وجدتم امهلكم يومين للتعمق في هذا الموضوع، ولهوسي وشغفي في معرفة هذه الامور ذهبتُ لأبحث وبعد مرور اليومين وجدت كل ما اريد قوله وها هو لقائنا مرة اخرى بعد مائدة الطعام.
تكلمتُ بدايةً: حسناً سأبدأ انا، "البَدَاء" في اللغة هو الظهور والإبانة بعد الخفاء. واتُّهم الشيعة باعتقادهم أنَّ الله يغيِّر رأيه، فينتقل من جهل إلى علم، حاشى لله!.
ثم عقّب أخي: صحيح ماتقولين من القطعي والمحسوم لدى الشيعة أنّه لا يراد من البداء أنّ الله تعالى يبدو ويظهر له شيء بعد جهل انما اتفقوا على ان البداء بمعنى الظهور بعد الخفاء وقد قرأت رواية في شرح اصول الكافي للمازندراني الجلد السادس روى عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم".
ففي البداء يتضح لنا الفرق بين العلم الالهي وعلم المخلوقين، فعلم المخلوقين وإن كانوا أنبياء أو أوصياء. لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى وان كان بعضهم علماء وعلمهم بلا شك من الله عزوجل ولكن مع ذلك فلا يحطيون بكل شي كما يحيط الله فعلمه مخزون.
_احسنت يبدو انك بحثت اكثر مني، سأكمل ماقرأت: فنحن نؤمن أن الله تعالى قدَّر الأمور وهندسها من بدايتها إلى نهايتها، وتشمل هذه الأمور كلّ الخلق حتى أعمال الناس، فالله قدَّر كل شيء، فقد قدَّر الله عزَّ وجل أن تسير الأرض حول الشمس، والقمر حول الارض، كما قدّر تعالى أن يعيش آدم "عليه السلام" ما عاش، وأن أعيش أنا، وأن تعيش أنت من سنة كذا، من شهر كذا، من يوم كذا، في الساعة كذا، إلى سنة، وشهر، ويوم، وساعة، وثانية كذا.
هذه نقطة وسأذكر روايات واشرح مقصودي منها:
عن الإمام الباقر عليه السلام: "صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى وتيسِّر الحساب، وتنسئ في الأجل". الكليني، محمّد، الكافي، ج2، ص 150.
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدقة باليد تدفع ميتة السوء، وتدفع سبعين نوعًا من أنواع البلاء".- الكليني، محمّد، الكافي، ج4، ص 3.
أنَّ الله تعالى هندس مصير الإنسان بهندسة لم يغلق باب التغيير بها، بل أبقى للإنسان هامشاً أن يفعل ما يستطيع من خلاله تبديلاً في المصير، ففي الهندسة المبدئية قد يكون عمره 50 سنة، ولكنّه إن تصدَّق قد يطيل الله تعالى في عمره 10 سنين إضافية، وهكذا يبقى عند الإنسان أملاً بتغيير مستقبله ومصيره بقدرة الله تعالى وإرادته. وهذا ما عبَّر عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حينما قام من جانب حائط يكاد أن يسقط، فسأله البعض: أتفرَّ من
قضاء الله؟ فأجاب عليه السلام: "أفر من قضاء الله إلى قدره". المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 56، ص 3.
والدي: أحسنتِ سأنهي الموضوع بقصة ذكرت في بحار الأنوار، المجلد الرابع صفحة112:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا داود على نبينا وآله وعليه السلام جالس، وعنده شاب رثّ الهيئة يكثر الجلوس عنده، ويطيل الصمت، إذ أتاه ملك الموت، فسلم عليه وأَحَدّ ملك الموت النظر إلى الشاب، فقال داود عليه السلام: نظرتَ إلى هذا؟ فقال:
نعم، إني أُمرت بقبض روحه إلى سبعة أيام في هذا الموضع، فرحمه داود عليه السلام، فقال: يا شاب هل لك امرأة ؟ قال: لا، وما تزوجت قط. قال داود عليه السلام: فأتِ فلانًا (رجلاً كان عظيم القدر في بني إسرائيل)، فقل له: إن داود عليه السلام يأمرك أن تزوجني ابنتك، وتدخلها الليلة، وخذ من النفقة ما تحتاج إليه، وكن عندها، فإذا مضت سبعة أيام، فوافني في هذا الموضع، فمضي الشاب برسالة داود عليه السلام، فزوّجه الرجل ابنته، وأدخلوها عليه، وأقام عندها سبعة أيام، ثمّ وافى داود عليه السلام يوم الثامن، فقال له داود عليه السلام: يا شاب، كيف رأيت ما كنت فيه؟ قال: ما كنت في نعمة ولا سرور قط أعظم مما كنت فيه، قال داود عليه السلام: اجلس، فجلس وداود ينتظر أن يقبض روحه، فلما طال قال: انصرف إلى منزلك، فكن مع أهلك، فإذا كان يوم الثامن فوافني ههنا، فمضى الشاب، ثمّ وافاه يوم الثامن، وجلس عنده، ثمّ انصرف أسبوعًا آخر، ثمّ أتاه وجلس، فجاء ملك الموت داود عليه السلام، فقال داود عليه السلام: ألستَ حدثتني بأنك أمرت بقبض روح هذا الشاب إلى سبعة أيام؟ قال:
بلى، فقال عليه السلام: قد مضت ثمانية وثمانية وثمانية! قال: يا داود، إن الله تعالى رحمه برحمتك له فأخَّر في أجله ثلاثين سنة.
اضافةتعليق
التعليقات