تغيرت عادات ارتداء الحجاب الإسلامي تحت تأثير دعوى النخب الاستعمارية والوطنية بأن في الحجاب قهراً للمرأة. وكان التغيير عنيفاً في بعض البلاد وأقل عنفاً في بلاد أخرى. فقد بدأ في التحجب نساء لم ترتدِ أمهاتهن الحجاب، وربما كافحت جداتهن لخلع الحجاب.
تحول هذا التيار إلى حركة نسائية شملت العالم الإسلامي كله من الجزيرة العربية إلى آسيا إلى المسلمات اللاتي يعشن في الغرب، وتسمى هذه الحركة بحركة: "العودة إلى الحجاب"، برغم أنها ليست "عودة" لأن أغلب النساء المرتبطات بالحركة يتحجبن لأول مرة.
أما أكثر الصور شيوعاً في الثقافة الشعبية الغربية للنساء اللاتي تحجبن ولم يكنّ محجبات فكانت في إيران وأفغانستان، حيث يفرض القانون الحجاب على النساء، حيث يقال: إن النساء يتحجبن خشية التعرض للعنف الجسدي الذي قد يجره عدم التحجب. ويرى الغربيون أن هذا العنف يسبب الذعر والألم الشديد للنساء المعنيات به. وفي هذه الظروف يبدو القول: إن الحجاب رمز لقهر المرأة منطقياً إلى حد كبير.
ولكن المشكلة هي أن هذه الفكرة تكاد تكون الوحيدة المعروفة في الثقافة الشعبية الغربية، وتكاد تكون الوحيدة المتاحة في الإعلام الغربي. وغالباً ما يستخدم التركيز على الحجاب في أفغانستان أو غيرها ليلائم إطاراً استشراقياً سابق التجهيز، من شأنه تفسير السلوك الإسلامي (بأنه متخلف وعنيف وقاهر). أما حركة العودة الطوعية إلى الحجاب فتمنح حيّزاً ضئيلاً في الإعلام الغربي، مع وجود مقالات قليلة مقتضبة تسمح لبعض النساء المسلمات بعرض آرائهن الإيجابية في الحجاب، ولكن الأغلب أن صورة الحجاب سلبية ترتبط بالعنف وبالقهر. الأهم من ذلك أن الاستشراق يقدم تفسيراً أحادياً لعادة ارتداء الحجاب: بأنه يتم بالاكراه، ويدل على القهر. وهذه هي العدسة الوحيدة التي ينظر من خلالها إلى كل النساء المسلمات في الغرب.
وقد وجدت عدة دراسات لحركة العودة إلى الحجاب أن النساء ارتدين الحجاب بوصفه إشارة إلى عدم رضاهن عن الوضع السياسي الراهن: إما بسياساته الحكومية وإما بالغزو "التجاري والتكنولوجي والسياسي والاجتماعي" لبلادهم من جانب الغرب، أو بهما معاً.
من المهم أن ندرك أن نوع الزي الذي اتخذه أولئك النساء كان يختلف اختلافاً كبيراً عما كان يرتديه جداتهن أو الفلاحات أو "بنت البلد" وهي المرأة الحضرية التي تنتمي إلى الطبقات الدنيا التقليدية، ولكنها ذات أصول ريفية. وقد عرف الزي الجديد "بالزي الشرعي" وكان يشير إلى قصد الالتزام بالشرع الاسلامي، وكذلك يشير إلى أن غيره من أشكال التحجب ليس شرعياً.
حاولت دراسة جون ويليامز لحركة العودة إلى الحجاب، 1978، أن تفسر سبب اتخاذ المصريات "الزي الشرعي" وجداتهن هن اللائي قدن العالم العربي نحو نبذ الحجاب، مع استمرار بعضهن في أداء الصلاة والصيام واعتبار أنفسهن مسلمات صالحات، وإن اتخذن الزي الأوروبي. فقد كتب أن "المصريات أثبتن أنهن لسن بالحملان المستكينة، ولا يستطيع أحد أن يقنعهن بخلع الملابس الأوروبية الأكثر راحة والأجمل مظهراً من أجل الزي الشرعي إلا أن يقررن هن ذلك". وقد خلص إلى أن لارتداء الحجاب أسباباً متعددة، منها الشعور بأنهن يقدمن "حلولاً لمشكلات" ويعلن موقفاً شخصياً "يرتبط عادةً "بدينهن" في دولة إسلامية تتجه للتحديث".
مع ذلك يرى جون ويليامز أنه حتى "النساء اللاتي يدافعن عن رؤاهن على أساس أصولي (أنا مسلمة وهذا ما يأمرني به ديني) استجبن استجابات مختلفة عندما سئلن عن سبب استجابتهن الآن لأمر فرضه الإسلام من زمن بعيد، ولم يكن يسمع بهذا الوضوح من قبل". قدمت النساء أسباباً عديدة لما دفعهن إلى اتخاذ الحجاب في ذلك الوقت. ومن أقوالهن:
-"فعلت ذلك رفضاً لسلوك شباب اليوم والمجتمع المعاصر".
-"مر وقت ظننا فيه أن المجتمع الغربي يملك كل مفاتيح الحياة الناجحة المثمرة. وأننا لو اتبعنا خطى الغرب لتقدمنا. ونرى الآن أن ذلك لم يكن حقيقياً؛ فهم (أي الغرب) مجتمعات مريضة، وحتى ازدهارهم المادي يتهاوى، فأمريكا تمتلىء بالجريمة والانحلال، وروسيا أشد سوءاً، فمن يريد أن يكون مثلهم؟
كان أغلب الشابات المحجبات اللاتي قابلتهن شريفة زهور في دراستها للقاهريات في عام 1988 يرين الحجاب رمزاً للتحول "فهذا التحول، ليس مجرد قرار شخصي وأخلاقي، بل يمثل لهن انتماءً اجتماعياً نسائياً". وخلصت شريفة زهور إلى أن المحجبات في دراستها المسحية يعددن الحجاب رمزاً لرفض "المبادىء الموجهة لسياسة الدولة فيما يخص المرأة في السنوات الخمس والثلاثين الماضية، وهذا يعني رفض مبادىء العلمانية والنماذج والمثل الغربية عامة"....
كما لاحظت ليلى حسيني انتشاراً مماثلاً للحجاب عندما زارت المغرب في 1989. وقد دُهشت عندما لاحظت أن المحجبات كن في الغالب الأكثر جرأة ومشاركة في الفصل المدرسي، ووجدت أن ذلك يناقض الاعتقاد الغربي بأن المسلمات خاضعات، فقررت أن تواصل البحث وقامت بين عامي 1989 و 1991، بإجراء مقابلات شخصية مع نساء حضريات متعلمات ومهنيات، يعشن في الرباط والدار البيضاء. وكما في مصر كان الرداء الذي اتخذه أولئك النساء يختلف عن الحجاب المغربي التقليدي. وقد أكد النساء اللاتي قابلتهن ليلى حسيني أنهن لم يتعلمن الإسلام الصحيح، وأنهن جزء من حركة تسعى إلى تغيير المجتمع، بحيث يعكس المبادىء الإسلامية الحقة.
وتشير هذه الدوافع إلى نبذ للطريق العلماني مماثل لما حدث في مصر والذي ظلت المغرب تتبعه في العقود الأخيرة. فالنموذج العلماني لا يتوافق بسهولة مع منظومة القيم الأصيلة، حتى إن النساء "لا يشعرن أنهن متحكمات في الأنظمة التي تشكل حياتهن، ويشعرن أن القيم الغربية خبيثة الأثر".
وقال أولئك النساء لليلى حسيني: "يمكن للإسلام وحده إنشاء مجتمع فاعل"، وأكدن مراراً أن الرأسمالية تؤدي إلى الفوضى، والشيوعية ولى زمانها، وأن العلمانية كما تمارس في تونس، ضد الإرادة الإلهية".
كما تقول واحدة من هؤلاء النساء، واسمها جميلة: "إن تطبيق الإسلام الصحيح هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا. والنموذج الأسمى لهن هو المجتمع الذي كان قائماً على عهد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -.
وتقول خديجة: إن "الحجاب هو طريقي في الانسحاب من عالم خيّب آمالي، وهو حرمي الخاص" فالحجاب هو طريقتهن "لتمثل هوية إسلامية، وتفنيد محاولة لمحاكاة الغرب".
اضافةتعليق
التعليقات