الى تلك النساء اللاتي يرينَ من اسلامهم حجابا اسودا وعبادة فقط، الى النساء اللاتي ينبذن التطور ويفضلن مجالسة التخلف بين اركان هذه الدنيا الزائلة، اريد ان اصرخ بأعلى ترددات صوتي وأقول لكنّ بأن اسلامكن هو اسلام ناقص، الإسلام الذي يقتصر على الفيوضات العبادية فقط، هو ارتباط إلهي لم يبصر طريق الحق بعين الاسلام.
وعندما أقول بأن اسلامكم هو حجاب اسود وعباءة (فقط)، اريد ان انوه بأن العبادة الإلهية والحجاب هما اركان مهمة وواجبة في المسيرة الإسلامية الكاملة ولكن في نفس الوقت هنالك نوافذ مهمة جداً لو لم يتم اغلاقها بشكل جيد لدخل اللصوص الى دار الإسلام وسرقوا الدار بما فيها من مبادئ وقيم، هذا إذا لم يكنَّ السارق مشاعر الكره تجاه اهل البيت وقام بتهديم الدار على ام رأسنا!.
فالعبادة الإلهية تعد بمثابة الماء الذي يروي نفس المسلم ويزكي روحه الطاهرة ويصنع علاقة روحانية بين العابد والمعبود، والعبادة العملية هي بمثابة الغذاء الذي يمد الجسم بالطاقة، وفي كل الأحوال الانسان لا يستطيع ان يعيش على واحد منهما، وحتى يكون بكامل صحته وعافيته الجسمية يحتاج ان يتناول الغذاء ويشرب الماء... اذن التنازل عن أحد هذين العاملين يسببان خللاً بايولوجياً في صحة الانسان، وكذلك الحال مع العبادة العملية والالهية اذ ان التنازل عن أحدهما يسبب خللاً ديناميكياً في بنية الإسلام.
فالعبادة وأركانها تحتاج في أدائها إلى المعرفة والفهم كي تؤدى بالشكل الصحيح، فكم من قائم وراكع وليس له من قيامه إلا التعب، فكل حركة تحتاج لمعرفة، لذا كان "تفكر ساعة خير من عبادة ألف سنة".
ولأن المرأة تعد بمثابة القلب النابض بالمجتمع اذن من المهم ان تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، لأن خلل واحد بسيط سيؤثر سلباً على هيكلية المجتمع، وبالتالي هذا الخلل سيشكل خطراً على حياة الأمة ويؤدي بحياتها نحو الهلاك، لكون المرأة هي نصف المجتمع والمسؤولة عن تربية النصف الاخر.
ولما تتركه المرأة من تأثير عميق في نفوس الناس وجدنا الغرب واضعاً جلّ تركيزه على استغلال المرأة بصورة سلبية في الدعايات والاعلانات التجارية، ولكن لو اخذنا هذا التأثير بصورته الايجابية لطورنا الكثير من القدرات التي ستساهم في ارتقاء المجتمع، وكلما طورت المرأة نفسها أكثر كلما كان تأثيرها اقوى.
اذن بجانب العلاقة الخاصة التي تربطها بالله إضافة الى الحجاب الشرعي الكامل، هنالك مسؤوليات كاملة تترتب عليها كونها انسانة بالمرتبة الاولى ومسلمة وصاحبة رسالة بالمرتبة الثانية.
ومن أبرزها تطوير المهارات الشخصية وبناء الذات الإسلامية الصحيحة بكامل ابعادها، ولن يتم ذلك الاّ من خلال العمل المتواصل في خلق شخصية نسوية مميزة في الخط الإسلامي، ويتم ذلك عن طريق اكتساب مهارات معينة والسعي في تطويرها، مثلاً من لها ملكة الكتابة من الواجب عليها تطوير هذه الموهبة والسعي في توظيف هذه القدرة العظيمة في خدمة الإسلام، كإيصال الصوت الإسلامي والشخصيات العظيمة من خلال القصص والروايات ليتعرف العالم على تفاصيل وشخصيات هذا الدين العظيم، بالإضافة الى الصحافة ومجال الأفلام والتصوير والنحت والرسم وكافة الهوايات المعروفة.
والتوسع اكثر في دائرة الجدية، نستطيع ان نجزم بأن وجود المرأة كتفاً بكتف الرجل هو امر ضروري جداً ولابد منه، اذ ان الساحة السياسية تفتقد الى العناصر النسوية القوية، وهذا يعد نقطة ضعف كبيرة على النساء المهدويات المنتظرات، لكون ٥٠ شخص من اصل ٣١٣ هنَّ نساء، فكيف من الممكن ان لا تكون المنتظرة الحقيقية والمؤهلة للقيادة في حكومة الإمام المهدي امرأة سياسية!.
وهكذا كانت الفُضليات من النساء السابقات في هذه الأمة كالسيدة الزهراء (سلام الله عليها)، وابنتها السيدة زينب (عليها السلام)، فقد كان لهما دوراً سياسياً واعلامياً واجتماعياً كبيراً جداً، وشهد لهنّ التاريخ التحليلات العميقة والاستنتاجات الفذة التي كنَّ يتوصلنّ اليها، إضافة الى إعطاء المحاضرات والسعي الدائم في نشر العلم.
فقد ناهضت السيدة زينب (سلام الله عليها) بأعباء الحركة السياسية الإصلاحية الكبرى، وكانت من المحدثات الرائعات اللاتي يمتلكن أسلوباً وعقلاً سياسياً فذاً، وقد شهدت الميادين لهن بذلك، لتبقى السيدة (سلام الله عليها) على أثره أعظم نموذج للمرأة المسلمة في أروقة التاريخ.
فإن نساء اليوم لا يُقصرن عن مثل ذلك، وخصوصاً لو كانت السيدة الزهراء والسيدة زينب (عليهما السلام) هما القدوة النسوية في محورهنَّ الحياتي، ولكن انعدام الوعي وتحيّز الشعور بالمسؤولية تجاه الإسلام والأمة، وتراجع الروح الرسالية إضافة الى الحواجز النفسية التي صنعتها الثقافة الجاهلية، جميعها كانت عوامل مساعدة في خلق هذا البرود الفكري الذي شجع النساء على البقاء بعيداً عن الخوض في الساحات الثقافية والعلمية وحتى السياسية منها والاقتصادية، لتُصد المرأة عن تفعيل دورها الرسالي في المجتمع.
اذن من واجب كل امرأة اليوم هو توسعة الدوائر الثقافية والتركيز على الدور الكبير الذي تلعبه في الساحة الإسلامية، ابتداءً من محيط بيتها وصولاً الى العالمية..
وهنالك أبواب عديدة تستطيع المرأة من خلالها فتح آفاقها العلمية والعملية وتوسعة الدائرة الثقافية بهدف التطوير الذاتي لخدمة الإسلام ومنها:
1- توسعة دوائر المعلومات، ورصد الأفكار الجديدة، والتناغم مع العولمة الحاصلة ضمن الحدود الشرعية التي اقرها الاسلام.
2- التسلح بالثقافة، عن طريق المطالعة المستمرة ومتابعة البرامج الثقافية والتعليمية.
3- الخروج من النطاقات الفكرية المحدودة، وتوسعة دائرة الصداقات والمعارف ومخالطة المجتمع من شتى الثقافات، والدخول في نقاشات حول مواضيع معينة، لتبادل الأفكار في دائرة أوسع والاستفادة من خبرات أصناف المجتمع.
4- تكوين حلقات نقاشية أو ما تعرف "بالمطابخ الفكرية" لطرح موضوع معين يشغل بال عامة الناس ويثري اهتمامهم ومناقشته من مختلف الجوانب، وطرح الرؤى والأفكار الجديدة.
5- الاستمرار في قراءة الكتب، سواء العلمية منها، او الثقافية، الاجتماعية، الادبية، التنموية، الدينية، للاستفادة الفكرية والنفسية، وفتح آفاق متعددة، إضافة الى خلق خيال خصب، يصلح لزرع المبادئ والأفكار الصحيحة.
6- طرح جميع التساؤلات التي تشغل فكر الإنسان على أصحاب الاختصاص والثقة، كي لا نسمح لأي شك أو سؤال يسرح في خوالجنا بلا إجابة.
7- تطبيق المفاهيم المكتسبة على ارض الواقع، ليصبح تطبيقا عمليا للثقافة النظرية التي اكتسبناها من القراءة والتعليم و...الخ.
8- الدخول الى الساحة السياسية والعسكرية ضمن الحدود التي اتاحها الدين الحنيف، وبناء الخلفية المعلوماتية التي تؤهل المرأة ان تكون محل ثقة في المشورة ومساعدة الرجل في عملية اتخاذ القرار.
اضافةتعليق
التعليقات