من المعروف بأن الضوابط الكونية خلقت من اجل خدمة البشرية، فلولا هذه الضوابط لتَمَلك حياة الانسان الفوضى والعبثية. وبلا شك يعتبر العلم احدى هذه الضوابط والنعم التي وهبها الله للبشرية لتسير الحياة بصورة اسهل واسرع.
فتعددت العلوم واختلفت فروعه وتطورت حتى وصلت الينا بهذه الصورة المركزة، فبات يعيش العلم حالة من الانتشار والانتعاش والدراسة للاستفادة والإفادة في مجالات شتى، فتعددت الطرق التي تساعد في الحصول على المعلومة، فالمدارس والجامعات والمعاهد العلمية وصولاً الى الكتب والإنترنت جميعها تعد مصادر حية للحصول على معلومات مختلفة.
وفي كل الأحوال لا نستطيع الجزم بأن جميع المعلومات التي تصدر من هذه المنابع هي معلومات صحيحة ونقية، صحيح ان التطور التكنولوجي (الانترنت) سهل حياة البشرية لدرجة ان الحصول على المعلومة اصبح بكبسة زر بينما قديماً كان يستغرق الحصول على المعلومة ارتياد المكتبات ومجالسة اهل العلم و...الخ.
ولكن يبقى الانترنت سلاح ذو حدين يحمل الصحة والخطأ، فمن الضروري عدم الاعتماد الكامل عليه والتأكد من صحة المعلومة من منابع اخرى موثوقة.
كما أن للمعلم حق كبير على تلاميذه في توضيح العلم وايصاله الى الناس ونشره، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: اربع تلزم كل ذي حجي من امتي، قيل وما هنّ يا رسول الله؟، فقال: استماع العلم، وحفظه، والعلم به ونشره".
وناشر العلم يجب ان يكون متسلحاً بالصحة واليقين التام، لأن مسؤولية نقل العلم هي مسؤولية كبيره جداً فإذا تم نقل المعلومة الى الناس بصورة خاطئة سيؤثر ذلك على ترسيخ مفاهيم خاطئة في عقول المجتمع مما سيؤدي الى كارثة فكرية من الصعب جداً تغييرها.
اذن في هذه الحالة "للأستاذ حق كبير على تلامذته وله دور مهم في صناعة شخصيته، فلا ينبغي الاعتماد على الكتاب فحسب، فالذي يتتلمذ على الكتب بلا أساتذة يواجه في الاغلب خللاً في بنيته العلمية، الاّ اذا كان لذلك الانسان نبوغ خارق للعادة، فالتتلمذ المباشر على الكتاب لا يصنع شخصية علمية لذا لابد من شد الرحال الى أستاذ، فالأستاذ يصنع شخصية التلميذ".
فالتطور العلمي والاحتياج الفكري اصبح مقترنا بعاملان لا ثالث لهما هما العلم والمعلم، والمعروف على طول تاريخ مسيرة البشرية لم يأتِ احداً بنفس العلم الذي اتى به الامام الصادق (عليه السلام)، فالعلم الذي قدمه الامام لتلاميذه لعب دوراً مهما في تاريخ التطور، فقد سنحت للامام الفرصة في ان يبث هذا العلم العظيم في نفوس طلابه، اذ يقول محمد بن مسلم وهو من كبار الفقهاء: "ما شجر في قلبي شيء إلاّ وسألت عنه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) حتى سألته عن ستة عشر الف مسألة). وهذا هو تلميذ واحد من اصل اربعة الاف تلميذ (حسب الروايات المنقولة). فقد حل الامام الصادق بفكره العقد التي كانت تحول التوحيد والنبوة والامامة والمعاد التي استعصت على الفلاسفة والمفكرين لألاف الأعوام.
"وفي كتاب (الامام الصادق كما عرفه علماء الغرب) نماذج من البعد العلمي للإمام (عليه السلام) جديرة بالتأمل والتفكير، فقد نقل هؤلاء عن الامام اكتشافاته وريادته العلمية في عدة أمور مثل تخطئة نظرية بطليموس في كيفية حركة الشمس، وتخطئة نظرية العناصر الأربعة...الخ.
فمن المؤسف جداً ان نقضي الساعات الطوال في فهم ما يقوله ارسطو، او افلاطون او سقراط، و الانكى من ذلك الاعتقاد بما يقوله هؤلاء، بل والانكى ايضاً ترجيح البعض لما يقوله أولئك على ما يقوله الامام الصادق عليه السلام وحتى على ما يقوله النبي الأعظم والائمة الاطهار". على الرغم من ان العلم الذي اتى به الامام الصادق عليه السلام كان خارج عن المألوف وبعيدا تماماُ عن تصور الانسان، والكل متفق على نقطة واحدة وهي ان الامام (عليه السلام) هو انسان عبقري سواء كان من داخل المذهب الشيعي او خارجه، وحتى الغرب وغير المسلمين يعترفون بالذكاء الخارق الذي كان يتمتع به الامام عليه السلام، "فإذا توصل احد العلماء الى كشف حقائق علمية كثيرة لا يتوصل اليها العلماء الأخرون، ثم يقف العلماء في شرق الدنيا وغربها منكرين لهذه الحقيقة طوال الف عام، فهل هذا يعد ذكاء وقوة تفكير!، ام انه ارتباط بالغيب وبالله تعالى؟. وهل كان للامام مختبر في بيته ليحلل ماهية التجارب ويصل الى نتائج؟، اذن هو الارتباط العميق بالله تعالى وبالغيب وليس مجرد نقاء فكري وذكاء"، ونحن متيقنون بأن هذا العلم هو معجزة الهية، منحة الله المتعال الى الامام لينفع به الناس ويثبت عليهم الحجة بأنه امام وخليفة الله في الأرض.
فالتأكيد على اخذ العلم من منابعه الاصيلة هو معنى صريح للأخذ من علوم الرسول صلى الله عليه واله وسلم وعلوم القرآن الكريم واهل البيت الاطهار والأخذ من هذه العلوم التي لا يشوبها شائبة، والتي وضعت لخدمة البشرية والارتقاء بهم نحو العلا.
واعلاء كلمة الحق بأن اهل البيت (عليهم السلام) وضحوا جميع علوم الحياة وقدموها للناس، ولكن العالم لم يكترثوا لهذه المعرفة الإلهية التي كان يتمتع بها المعصومين ولم يستغلوا وجود الأئمة بينهم في فتح افاق العلم والمعرفة بشكل أوسع، فالعلم الذي وصلنا لا يمثل جزء صغير من العلم الذي كان يتمتع به الأئمة.
ومهما اختلفت الازمان وتغيرت الاماكن سيبقى المرجع الأعلى هو القرآن الكريم ورسوله واهل بيته الاطهار الذين بينوا احكام هذه الحياة ووضحوا السبل التي سهلت حياة البشرية وهذا ما بات يثبته العلم في قرننا الواحد والعشرين ويقرّ عليه، وفي هذه الحالة لا يسعني الاّ ان أقول عذراً ارسطو، عذراً افلاطون، عذراً يا علماء العالم، علومكم نسخ مكررة عما اتى به الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)!.
اضافةتعليق
التعليقات