في عالم اليوم هناك ما يسمى بالطريق الامثل لبلوغ النجاح وذلك عَبر أن يرتبط الانسان بالناجحين، ويحيط نفسه بالأفراد المتميزين، فهذا من شانه أن يحفزه في أن ينجح بشكل أسهل وأسرع، وبالتالي تنتفي عنده حالة الاندماج السلبي مع غير الناجحين الذين يعيشون على هامش الحياة بلا أهداف أو غايات.
وهذا أمر صحيح وصحي -إن صح التعبير- ولكن للمؤمن الفطن نظرة اوسع وأشمل في ماهية هذه الاحاطة وسمات الشخصية التي يريد أتخاذها كنموذج أمثل يقتدي به، ليسلك طريق النجاح والفلاح الدنيوي الاخروي، وفي الجانب المادي والمعنوي في الحياة، وذلك عبر الارتباط الحقيقي بالنموذج الاتم للإنسان الكامل وهو إمام زمانه (صلوات الله عليه).
وهذا المفهوم قد بينه إمامنا زين العابدين (صلوات الله عليه) في مناجاته للمريدين بقوله: ((سُبْحانَكَ ما أَضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ! وَما أَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبِيلَه! إلهِي، فاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ إلَيْكَ، وَسَيِّرْنا فِي أَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ))، اي إن لله تعالى سبيل لابد أن يكون هو مطلب ومقصد لكل مريد يسعى لبلوغ النجاح الحقيقي لإنتهاز فرصة الحياة وبالتالي لبلوغ الحياة الابدية.
فمن السنن الالهية التي وضعت للبشرية هي وجود الحجج الالهيين الذين لابد للإنسان الموحد أن يركز بشكل كامل على السير بسيرتهم، وانتهاج نهجهم الذي هو نهج الصراط المستقيم، والاهتداء بهديهم، والاسترشاد بهم.
فتعالى يقول في محكم كتابه إن من أهم مهام الحجج (سواء كانوا انبياء- ائمة- اولياء) هي إخراج الانسان من الظلمات الى النور كما في قوله تعالى: {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}(الطلاق: 11).
اي يُخرجون الانسان من الظلمات المعنوية كالجهل، التيه والحيرة،...، والظلمات المادية كالإنغماس في كل ما هو لهو ولعب مما يجعل الانسان منشغل بالمراتب الدنيا في هذه المرحلة دون الترقي إلى مرتبته الإنسانية؛ الى تحصيل النور المعنوي كنور العلم ومعرفة الطريق والغاية من وجوده في هذا العالم،...، وتحصيل النور المادي ايضا من خلال تحقيق حسن السيرة والسلوك في شخصه، وهذا ما يجعله ناجحاً جداً على مستوى حياته الاجتماعية والعملية حتى.
وهذا ما يؤكده ايضا قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران: 164)، فإتباع الحجج الالهيين (الرسل) وما جاءوا به من رسالات من شأنها تزكية الانسان أي تنقيه وتطهره من أي ظلمة او ظلمانية قد تكون موجودة في قلبه فيصبح ذو قلب نوراني مؤهل لتحقق نور العلم فيه، لذا -كما يبدو - لذلك التزكية سبقت التعليم في الآية الكريمة.
فالقلب كما يصفه الامير (عليه السلام) كالوعاء، فالوعاء إذا لم يُفرغ من كل شائبة ظلمانية، لن ينتفع انتفاع كبير من أي نور يدخله، وإن أنتفع فإنه بشكل مؤقت ولن يدوم، بخلاف الاناء الفارغ والمتهيئ لاستقبال النور فدخول النور فيه سيكون غير منقطع وذو أثر دائم.
فكما نلاحظ إن الآية خصت أهل الايمان، ولم توجه بشكل عام لكل إنسان، اي لمن له أهلية وذو قلب مزكى.
بالنتيجة فإن الذي يعاني من أي إخفاق او تراجع في إحدى مستوياته الحياتية ولا يرى فيها ثمار إلهية نورانية عليه أن يراجع سلامة علاقته بإمام زمانه الذي هو خاتم السُبل والحجج الالهية في زماننا الآن.
وهذا يتطلب - بشكل عام - وجود معرفة حقيقية بمقام إمامته وحجيته علينا كموالين بشكل خاص، وحاكميته وولايته على العالم بأكمله بإذن الله تعالى وأمره، ووجود حالة من استشعار حقيقة وجوده معنا وفينا مع كونه غائب عنا، وبالتالي وجود حالة من الالتجاء الدائم اليه هذا من جانب.
ومن جانب اخر فإن تحقيق هذا الارتباط بمقدار ما هو طريق يَسلكه المؤمن، فهو مسؤولية كبيرة إذ أن تحقق هذه العلاقة ورؤية ثمارها يسهل على المرتبط سواء كان كفرد يُراد منه أن يَكون [مَظهر] لوجود الامام، و[مُظهر] لثمار الارتباط بالأمام او كفرد (كأب/أم) يراد (منه/منها) ربط ابنائه بصاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه).
لان نجاح هذا الفرد الناتج عن الارتباط به سيكون ظاهر للأبناء وللمجتمع ومتحقق على ارض الواقع وهذا امر مطلوب ولابد من لمس أثاره، فلا يشككوا الاخرين أو الابناء على مستوى صدق إنتماء المنتمي له أو حتى على مستوى التشكيك بأصل وجوده صلوات الله عليه على اثر غيبته.
فنحن نرى حجم المؤثرات الخارجية من نماذج مزيفة وهمية وخيالية تلك التي تملك نجاح وهمي مصنوع لا حقيقي، مؤقت لا دائمي، كيف أنها تصنع لهذا الجيل، والتي يحاول صناعها ربط الكبار والصغار بها، كما وإن مدى الاستجابة والتأثر المتحقق بها من قبل الكبار ملحوظ فكيف بالصغار!!
ومن هنا فإن المعرفة بالنموذج الحقيقي الموصل للنجاح والفلاح، وتحقيق الارتباط به صلوات الله عليه من شأنه تحصين الانسان وجعله على درجة من الوعي لينتبه فلا يسلك الطرق الوهمية للنجاح، وكذلك سيحصن الاخرين بالأخذ بأيديهم سواء افراد المجتمع او الابناء بالاتجاه الصحيح والقويم.
اضافةتعليق
التعليقات