كم مرة عندما كنت طفلا سقطت على الأرض وأردت أن تخطو خطواتك الأولى في المشي؟
وكم مرة تكرر هذا السقوط إلى أن ثبتت خطوتك؟
هل سألنا أنفسنا لماذا يصر الطفل على السعي للمشي، وهل يعتبر ذلك من الجنون؟
الطفل يسعى كثيرا ويحاول دائما إلى أن يتعلم المشي. هذا هو حال كل من كان طفلا من الناس الموجودين على الكرة الأرضية والذين يقاربون 7 مليارات نسمة.
ولكن البالغين والناضجين لا ينتهجون هذا المنهج، إذ عندما يفشلون في أمر مرة أو اثنين ينسحبون تماما ويتوقفون ولا يصلون إلى هدفهم، وثمة قليل من الناس يصرون ويستقيمون للوصول إلى الهدف.
يعيش الانسان في حياته العديد من الأزمات كفقدان عزيز على قلبه، أو مواجهة خسارة مادية، أو فقدان منصبه وشغله، فمتى ما حصل مانع لديه لعدم وصوله إلى الهدف المبتغى والذي ينشد فتلك هي الأزمة.
في معنى الأزمة
الأزمة بمعنى الشدة والضيق الذي يمر به الانسان.
أما مفهومها: فإنها تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرار في أحد الكيانات الإدارية (دولة، مؤسسة، مشروع، أسرة) أو حتى على البعد الفردي حيث تتلاحق فيها الأحداث وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، أو على اتجاهاتها المستقبلية.
الأزمة بمعنى كلما تعمل أكثر تلاحظ النتائج بشكل أقل.
لهذا الانسان الناجح هو الذي يستطيع إدارة الأزمة بشكل صحيح لتعطي نتائج إيجابية.
فالفرد يولد في هذه الدنيا ليحصل على بعض الأشياء ويفقد أشياءً أخرى، وحقيقة الحياة هي أنها تأخذ من الانسان العديد مما أعطت.
يقول المختصون في علم النفس: إن 70% من المراجعين للأطباء هم الذي لم يتمكنوا أن يخرجوا أنفسهم من الأزمات التي تواجههم، وإذا تمكنوا من إدارة أزماتهم فإنهم يعالجون أنفسهم، بمعنى ثاني الإدارة الصحيحة للأزمات عامل أساسي للعلاج.
أحد الأطباء الذي حصل على جائزة نوبل في الطب يقول: أولئك الذين لا يستطيعون مواجهة الأزمات إنهم يموتون في شبابهم.
عندما يمر الانسان بأزمات هناك ردود أفعال عديدة إزاء ذلك: النكران-الفزع – قبول الفشل – الأحكام السريعة وغير الصحيحة – قصر النظر – القاء اللوم على الآخرين.. إدارة حل الأزمات تساعدنا على إيجاد حلول كي نتمكن من التضرر أقل في ذلك.
من خصائص الأزمات
1- المفاجأة العنيفة والشديدة وهي تهديد مباشر وصريح لكيان المجموعة أو الفرد.
2- التشابك والتداخل في عناصرها، وعواملها، وأسبابها وقوى المصالح المؤيدة والمعارضة لها.
3- تسبب الأزمة درجة عالية من التوتر خلال مدة قصيرة وتتطلب الأزمة اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها، إذ إن القرار هو القلب النابض للأزمة.
4- يصاحب الأزمة اعراضا سلوكية كالقلق والخوف والتوتر وعدم الانتباه، وانتشار الشائعات المغرضة.
فالوقوف على هذه الخصائص تمكن الفرد أو الجماعة من تفهم الأزمة ومكوناتها وأسبابها ومن ثم احتوائها واضعاف القوى المسببة لها وادارتها وربما الإحاطة بأزمات قادمة مستقبلا[1].
الشخصية الحسينية وإدارة الأزمات
السيدة زينب (عليها السلام) هي من القدوات الكبيرة للرجال والنساء وأكبر الأزمات التي مر بها التاريخ البشري هي الأحداث التي وقعت في سنة 61 ه،ـ في البداية نوضح باختصار ماهي الأزمات التي مرت بها السيدة زينب (عليها السلام) وبعد ذلك نعرض كيف ندير الأزمات التي نمر بها في حياتنا العملية عبر سيرة السيدة زينب وكيفية ادارتها للأزمة التي مرت في ذلك الوقت.
أنواع الأزمات:
1-أزمة معرفة العقيدة: من الأخطار التي كانت تحوم حول الإسلام في ذلك الوقت هي الانحراف العقائدي وتحريف واقعة عاشوراء، فعلى سبيل المثال سعى بنو أمية أن يستغلوا جهل الناس ويعرفوا أنفسهم أنهم جند الله وهذه الفاجعة العظيمة هي قضاء وقدر وكل قول أو فعل يعمله الخليفة هو الصواب، وكيف أنهم استطاعوا بذلك أن يصوروا الموقف إذ كلما يصدر عن الخليفة هو الحق ولابد من الوقوف معه. وفق هذا التخطيط أي ظلم أو فساد أخلاقي يصدر من الخليفة يزيد فهو صحيح لهذا عندما أراد أهل البيت وهم سبايا الدخول إلى الشام أشاع أعوان يزيد أنهم من الخوارج وهذه الفكرة لاقت قبولا بين الشاميين لهذا كانوا يباركون بعضهم بعضا.
2-أزمة السلوك والأخلاق: هذا الأمر جعل بني أمية يدخلون عبر النظريات التي يحملها أعوانهم إلى السلوكيات السيئة والبدع والانحرافات الفاسدة وهذا ماجرّأ يزيد أن يتمادى في فساده أكثر فأكثر.
3-الأزمة النفسية والروحية: استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) بتلك الطريقة الفجيعة خلف أزمات نفسية وروحية في نفوس الباقين، لذا تحتاج هذه القافلة التي تحمل اليتم والأسر والغربة إلى ملجأ يلتجأون إليه كي تشفى جروحهم وتستعيد النفوس الجريحة عافيتها.
• ماهي الحلول لإدارة الازمة؟
الخطوة الأولى: الاستعداد للأزمة
الانسان لابد ان يكون دائما مستعدا نفسيا للأزمات والامتحانات، يقول تعالى في كتابه الحكيم: (إنا خلقناكم لنبلوكم أيّكم أحسن عملا). لذا يجب أن نعرف أن هناك مشاكل وابتلاءات لابد أن تحدث في الحياة.
يقول أحد الكبار: إن الحياة كالمدرسة فالفرصة فيها 5 إلى 10 دقائق والباقي دروس لذا لا يجب أن نتوقع أن تكون جميعها فرص للعب والترفيه وبدون مشقة.
السيدة زينب كانت تعرف أنها ستواجه هذا الابتلاء العظيم وكانت ترى النياحة والندب عندما يقرأها جبرئيل في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما كانت توصيها والدتها الزهراء (عليها السلام) قبل استشهادها، وكذلك والدها أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل استشهاده سألته السيدة زينب هل صحيح ما روته لها أم أيمن من حديث كربلاء؟ وهناك قرأ لها ما سيحدث في كربلاء.
وكذلك ذكرت مواقف كثيرة بين سيد الشهداء والسيدة زينب بين المدينة ومكة وكذلك في طريقهم إلى كربلاء، ينقل في عصر يوم تاسوعاء بينما كان الامام الحسين (عليه السلام) جالسا ومتكئاً على سيفه أخذته غفوة، من جانب آخر كانت حركة جيش الأعداء قد ازدادت مما ينذر بقرب الحرب، أتت السيدة زينب (عليها السلام) إلى أخيها الامام الحسين (عليه السلام) وقالت له: ألا تسمع صوت العدو؟ فأجابها: «يَا أُخْتَاهْ إِنِّي رَأَيْتُ السَّاعَةَ جَدِّي مُحَمَّداً (صلى االله عليه وآله وسلم) وَأَبِي عَلِيّاً وَأُمِّي فَاطِمَةَ وَأَخِيَ الْحَسَنَ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا حُسَيْنُ إِنَّكَ رَائِحٌ إِلَيْنَا عَنْ قَرِيب» هنا انقلبت السيدة وبدأت بالبكاء فقال لها الامام: یا أخیتي اسكنی رحمك الرحمن.
الخطوة الثانية: مواجهة الأزمة
ينقسم الناس في مواجهة الأزمات على قسمين:
1- انكار الأزمة
2- مواجهتها بطريقة منهجية
نرى الكثيرين عندما يمرون بأزمة فإنهم إما يفرون منها أو ينكرونها أو يحاولون إلقاء اللوم والسبب على الآخرين، ومن المفترض أنه في مقابل المشاكل والصعوبات والأزمات لابد من قبولها ومواجهتها بالطريقة الصحيحة.
لذلك نرى السيدة زينب (عليها السلام) واجهت هذا الحدث العظيم بطريقة جعلته يصبح ثورة خالدة حية، ولهذا قالوا إن النهضة الحسينية حسينية الوجود زينبية البقاء.
الخطوة الثالثة: التأقلم والحفاظ على الهدوء بقدر الإمكان
ليس مهما ماهو شعورك أو احساسك في وقت الأزمة ولكن الأهم هو أن تحافظ على هدوئك في تلك اللحظة، هذا العمل ينعكس على بقية أفراد الأسرة، مرن نفسك على النفس العميق إذ إن ذلك يوصل كمية كبيرة من الأوكسجين إلى المخ ويساعدك على اتخاذ القرار الصحيح.
عندما يصاب طفلك بمشكلة ما تحاول دائما أن تلق عليه اللوم وتؤنبه فهو في المرة الثانية لايلتجئ إليك عند حصول مشكلة أخرى له لأن مشكلته الأولى لم تحل وبقيت كما هي. ولكن الحل الأمثل هو إيجاد الحل للمشكلة وبرؤية واضحة.
لذا نجد السيدة زينب مع عظم المصاعب والفجائع التي واجهتها تبقى على هدوئها تماما مع العلم أنها أقامت المآتم في الكوفة وفي الشام ولكنها لم تفقد رباطة جأشها.
الخطوة الرابعة: إيجاد معنى للمعاناة أو النظر إلى الحدث بإيجابية:
لا تجعل الأزمة تصيبك بالانهيار، ولكن ابحث عن درس أو معنى يفيدك في هذه الأزمة بحيث تتعلم منه ويفيدك في المستقبل.
مثلا الذي يفقد عزيزا عليه لابد أن يستفيد من ذلك إن الدنيا زائلة ولا يبقى فيها شيء فالأفضل أن نتزود لما هو باق.
ونذكر مثالا أخرى لتوضيح الرؤية كالذي يستطيع أن يحول الألم إلى قيمة في حياته بحيث يستفيد منه في المستقبل فذلك يساعده للارتقاء أكثر.
إذا استطاع الانسان أن يقوي إيمانه بالله تعالى في اصابته بالمشكلات فسيرتقي في هذا المجال. ويصل إلى مرحلة أن كل ما يحصل هو بعين الله سبحانه وتعالى وسيحصل على الثواب الجزيل وستهون عليه كل الصعوبات.
لذا نرى السيدة زينب (عليه السلام) لاقت ما لاقت من المصائب ولكنها عندما سألها يزيد: (كيف رأيت صنع الله بأخيك)، فأجابت (عليها السلام): (مارأيت إلا جميلا).
الخطوة الخامسة: الكلام حول الموضوع
الأسرة التي تعاني من أزمة الكلام هو أمر حياتي، ولكن مع الأسف الشديد إن الكثير من الأسر تفقد الكلام بين أفرادها، الأطفال أو الأبناء المراهقين إذا أرادوا الكلام حول مسألة معينة أو مشكلة ما تنهال عليهم سيول اللوم والعتاب أما ترى ماذا عملت؟ سأقول لوالدك حالا؟ كم مرة أقول لك لا تعمل هذا الشيء؟
هذه ردود الفعل الانتقادية تجعل في المرة القادمة لا يتكلم الابن أو البنت معك لأنك لم تقدم حلا لمشكلته إضافة إلى ذلك سيطرحها مع أصدقائه أو صديقاتها الذين لا يحملون أي تجربة في هذه الحياة ويوجهوه في الاتجاه الخطأ.
أما الطريقة الصحيحة هي سواء كان أما أو أبا هي أنك فرح لأنه سأل هذا السؤال منك.. وكأنك تقول لهم بلسان الحال أنا موجود وفي متناول اليد لأي سؤال أو مشكلة تطرأ عليك .
فقد يكون السلوك الذي فعله الابن أو البنت غير مرغوب لديك ولم تؤيده وتعتبره مسؤولا عنه مثال: الدرجات المتدنية للدروس في المدرسة، أو ضربه لأحدهم في المدرسة، أو شرب السيكار أو المواد المخدرة أو...
لذا فإن الرسالة التي يتم توصيلها إلى البنت أو الابن عبر ردة الفعل هذه هي الاهتمام لأمره والأولوية له كما هناك الرسالة الأخرى سيتم توصيلها إليه وهي أن طبيعة الحياة لا تبقى على هذا وإنما هو أمر وسيزول.
لذا نرى أن تسكين وتهدئة الباقين في كربلاء كان من الوظائف الصعبة التي أوكلت إلى السيدة زينب (عليها السلام)، كانت تجمع الأطفال والنساء وتتكلم مع واحد واحد منهم وتهدئهم، هذا الدور قامت به حتى مع الامام السجاد (عليه السلام) في اليوم الحادي عشر من المحرم عندما رأته حزينا منكسرا فقالت له: (لَا يُجْزِعَنَّكَ مَا تَرَى فَوَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِلَى جَدِّكَ وَ أَبِيكَ وَ عَمِّكَ وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ الميثاق [مِيثَاقَ] أُنَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا تَعْرِفُهُمْ فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ هُمْ مَعْرُوفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَيُوَارُونَهَا وَ هَذِهِ الْجُسُومَ الْمُضَرَّجَةَ وَ يَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ لَا يَدْرُسُ أَثَرُهُ وَ لَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ).
بعض العلماء يقولون لولا تسكين السيدة زينب للإمام السجاد (عليه السلام) كان سيموت من شدة المصاب أما كلامها (عليها السلام) هو الذي هدأه.
والبعض يعتقدون أن التنبؤ بالمستقبل هو بعد آخر من أبعاد شخصيتها العظيمة.
الخطوة السادسة: اتخاذ قرارات عقلانية سليمة بدلا من العاطفية
إحدى الصفات التي تتميز بها النساء هو قوة البعد العاطفي وهذا من ألطاف الله تعالى، ولكن يجب الانتباه أنه في الأزمات والمشكلات يجب عدم ترجيح البعد العاطفي على البعد العقلي. نعم تستطيع المرأة عبر البعد العاطفي تفريغ الألم عبر البكاء ولكن يجب الحذر أنه لا يؤثر على قراراتنا العقلية.
وهناك بعد آخر في المشاكل والأزمات لا يجب أن تولول المرأة وتندب حظها وتقف وقوف المتفرجة.
لهذا نرى السيدة زينب (عليها السلام) في أصعب المواقف والأزمات التي مرت بها غلبت العقل على العاطفة لأنها التي كانت تنوب عن الامام السجاد (عليه السلام) في رحلة الأسر والسبي.
موقف للعقيلة: استشهاد ابنيها عون ومحمد في واقعة الطف، يقول أحد المحققين: لم أجد في كتب المقاتل أن السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) صاحت أو ناحت أو صرخت أو بكت في شهادة ولديها، لا في يوم عاشوراء ولابعده، ومن الثابت أن مصيبة ولديها أوجدت في قلبها الحزن العميق، بل وألهبت في نفسها نيران الأسى وحرارة الثكل.
وختاما إن الشخصية الحسينية هي التي تستطيع إدارة أزماتها بفن ودراية بحيث تتمكن وهي في شدة الأزمة وتأثيرها على القدرة في السيطرة عليها وانحسارها بأقل الخسائر وأحيانا عكسها على مسببها والأثر الذي نتجت عنه.
اختبر نفسك
1- اذكر نموذجا لأزمة مررت بها وخطوت بعض الخطوات التي ذكرت سابقا.
2- ماهي أشد اللحظات قوة على نفس الانسان في الأزمة؟
3- هل مررت بأزمة في العقيدة وماهو الإجراء الذي اتخذته؟
اضافةتعليق
التعليقات