اذا غرست شجرة العلم والإيثار في القلب وسقيتها بماء المحبة ونمت تحت أشعة شمس الإخلاص ستثمر أجود أنواع الثمار وأطيبها، سيكون أصلها في أعماق القلوب وفرعها في السماء، تأتي أكلها كل حين بإذن ربها...
في ساحة الروضة العلوية تحت ظل فيوضات الهية غُرست شجرة العلم في قلوب المؤمنات وافتتحت أبواب العلم ببركة باب علم رسول الله (صلى الله عليه واله)، فوفّق الله جماعة من الصالحات للحضور في ساحة علم العلماء والفضلاء حيث نوّر قلوبهن بحديث مع سماحة السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) وكلامه الصادق الذي كان ينبع عن صدق الأعمال والأقوال في نفسه، إذ إن الكلام دون العمل لا يؤثر على القلوب.
بدأ سماحته الكلام من خلال هذا السؤال؛ كيف كان أصحاب النبي (صلى الله عليه واله)؟ وما صفاتهم؟ حتى نتعلم منهم ونصبح مثلهم؟!
أفضل مرجع يمكننا ان نرجع إليه هو القرآن الكريم حيث يقول الله عزوجل: ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)).
فعلى كل مؤمن ان يسعى ليتخلق بهذه الصفات وتكون احدى صفاته الرحمة والمحبة.
بعض الناس يتمتعون بهذه الصفة (صفة الرحمة والرأفة) وبعضهم قساة القلوب واخرين بين هذا وذاك، ارحموا وارأفوا بالناس ليعرفكم الجميع بهذه الصفة، لا تتضايقوا ولا تحقدوا، الانسان الرحيم والودود لا يتضايق من كلام الاخرين كما ان الانسان لا يتأثر من كلام اطفاله، فهكذا الشخص الودود لا ينزعج من كلام الاخرين..
وقفة مع صفة الرأفة عند الانسان المؤمن
هناك قصة لطيفة في هذا المقام، حيث ورد بأن هناك طالب للعلوم الدينية، كان يُعرف بكثرة كلامه ضد العالم الفاضل (آخوند)، في ليلة من الليالي شعرت زوجته الحامل بوجع المخاض، عندما ذهب الزوج إلى القابلة رفضت أن تأتي معه، بقي حائراً، لم يعرف ماذا يفعل وأي طريق يسلك، في نهاية المطاف لم يجد حلاً سوى الرجوع إلى بيت ذلك العالم الجليل الذي لطالما تكلّم ضده، لم يجد في تلك الليلة ملجأ سواه، ومشى مسرعاً نحو بيته وتكلم معه وطلب منه المساعدة، هنا كان باستطاعة ذلك العالم الجليل أن يبعث خادمه معه ليتكلم مع القابلة ولكن رافقه بنفسه ومشى في ازقة النجف الضيقة الى ان وصلوا إلى بيت القابلة، بعد ان وصل دقّ الباب، جاءت القابلة غاضبة ولكن وجدت مرجع تقليدها لذلك لم تتكلم وتفاجأت، ثم طلب ذلك العالم الجليل من القابلة أن تأتي معهم، بما انها كانت تعرف مرجع تقليدها جيداً لم تعرف كيف تلبي طلبه، غيرت ملابسها ورافقتهم إلى بيت ذلك الطالب وساعدت تلك الزوجة لتلد بالسلامة بعد ذلك، ومع ان العالم الجليل اخوند كان يستلم مبلغ زهيدا جداً ولكن خصص مبلغ من ماله لذلك الطالب!.
وبذلك رأى أن أول أمر يجب ان يلتفت له؛ هو أن يرأف الانسان ويودّه لأجل الله سبحانه وتعالى، والجميع يعرف بأن مرجع التقليد لديه الكثير من المسؤوليات والاعمال لينجزها، يجب ان يدرس، يستقبل الناس ووووو، لكن بنفسه ذهب ليساعد ذلك الطالب وهذا يدل على صدق نيته ورأفته ووده.
فالمحبة تنقسم الى أقسام، على السبيل الشخصي، تتعلق بالأصدقاء والجيران واالاهل والأقرباء، الانسان الودود والرحيم يسمع آلام الاخرين ويساعدهم ويمشي في تلبية حوائجهم ان استطاع على ذلك، ليس لأجل السمعة والرياء بل حبّاً بهم وقربة إلى الله، وعليه، يجب ان يعرفكم الناس بهذه الصفة صفة الود والرحمة .
والقسم الثاني، المحبة على السبيل الأعم، فهناك خمسة ملايين يتيم في العراق يجب ان يجلس الانسان ويفكر ويعقد اجتماعات ليفكر ماذا باستطاعته ان يفعل لهؤلاء الأيتام، أيتام العراق، اليمن، البحرين، أفغانستان وووو..
كل شخص يجب ان يخطو خطوة لمساعدة الأيتام، اذا كان باستطاعته الكتابة يجب ان يكتب، اذا كان باستطاعته انتاج أفلام فليسعى لذلك كي يجلب الناس لمساعدة هؤلاء، وكل شخص في مجال عمله يفكر كيف يستطيع ان يقضي على فقرا لايتام ويساعدهم بطريقة أو بأخرى ويقلل من عددهم، اصحاب النبي (ص) كانوا يتمتعون بهذه الصفات، لو لم نجد هذه الصفات في أنفسنا اذن لا نستطيع ان نقول بأننا معه، وهذه الصفات هي:
"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار"، فالصفة الاولى ان يكون الانسان شديدا مع الكفار.
"رحماء بينهم"، أن يكون الانسان رحيماً دائما وأبداً بل يكون المثل الأعلى في ذلك مع الأقرباء والمؤمنين.
"تراهم ركعا سجّدا"، ركّعا جاءت بصيغة المبالغة، اي دائما يكون في حال العبادة والسجود والركوع، فالصفة الثالثة أن تكون علاقة الانسان قوية مع ربه.
عبادة الشيخ النخودكي
الشيخ حسن علي النخودكي كان يذهب عند منتصف الليل الى حرم الامام الرضا (ع) ثامن الأئمة، في ذلك الوقت كانت الأبواب تغلق في الليالي وكانوا يفتحون الأبواب قبيل الاذان الفجر، كان يقف خلف الباب و يصلي صلاة الليل في ذلك البرد القارس، وبعد ذلك يدخل الى الحرم الشريف ويزور ويصلي، قال بعض خدام الحرم الشريف بأنه عندما كان يركع كانت تتجمع الثلوج بمقدار شبر على ظهره وهو غارق في بحر مناجاة مع ربه، اي كان ركوعه وسجوده طويلا حيث تتجمع الثلوج على ظهره.
جدير بالذكر انه كان كبيرا في السن ومن المؤكد كان يعاني من آلام ولكن هذه الصفة من صفات المؤمن بأن يكون راكعا ساجداً، ولا يكون العمل روتينيا أو ظاهريا لأن الانسان في هذه الحالة لا يؤهل بأن يكون من أصحاب صاحب الزمان روحي فداه بل يفترض أن يكون العمل جذرياً.
ربما انتم كنساء لم يكن باستطاعتكم هذا العمل، او تركعوا لمدة نصف ساعة أو تسجدوا طويلاً بما ان المرأة لديها كثير من الأشغال، لأن عليها ان تهتم بالبيت والزوج والأطفال ولا تستطيع ان تفعل ذلك، فلتذكر الله دائما في عملها و قيامها وجلوسها لتسجل اسمها من ضمن هذه القائمة.
في رواية بأن من قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله اكبر، كانت له شجرة في الجنة، ورقة من تلك الشجرة أفضل من الدنيا ومافيها. وفي رواية اخرى من قال: اللهم صَل على محمد وال محمد، كانت له شجرة في الجنة، عندما قال النبي (صلى الله عليه واله) هذا الحديث كان هناك منافقين جالسين في المجلس كانوا يسعون ليجلبوا سمعة حسنة بين الناس، قال احدهم: اذن في الجنة لنا شجر كثير لأني دائم الذكر، النبي (ص) كان يعرفهم فقال لهم: بشرط ان لا ترسلوا لها نارا تحرقها.
فليسعى الانسان ان يكون ولياً من أولياء الله، لتجري الكرامة على يديه، الله كريم ورزاق وجعل الامر بيد الانسان عندما لا يظلم ولا يغتاب ولا يسيء الظن بالآخرين سوف يؤهل ليكون وليا من أولياء الله.
احدى صفات السوء هي سوء الظن، بعض العلماء يقولون انه مكروه والبعض يقول انه رذيلة اخلاقية، ولكن الشهيد الثاني وصاحب جامع السعادات يقولان بأنه حرام. اذن فليسعى الانسان ان يكون كاملاً و يجتهد في اكتساب الفضائل.
"يبتغون فضلا من الله ورضوانا"، الانسان المؤمن يأمل دائما في رحمة الله، حتى في أسوأ الحالات لا ييأس من رحمة ربه، حتى وان كان يعاني من مرض السرطان أو يكون فقيرا أو كان يعاني من مشكلة ما ويختنق من شدة الوجع، ينظر الى الجانب المشرق و يأمل بفضل ربه.
يبتغون فضلا من الله.. ما معنى فضل الله؟
هناك أنواع مختلفة لفضل الله احدى أنواعه العلم، العلم ماء، العلم نور، بعض الاشخاص علمهم كقطرة، بعضهم كماء الكأس، بعضهم كالجدول، بعضهم كالبحر، وبعضهم كالمحيط، الانسان يقيس علمه ليرى اين هو ويسعى ليصبح أفضل، في كل يوم ليقرأ ويزيد رصيده الثقافي والديني.
ورد في الرواية: تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح. وفِي رواية اخرى ان طالب العلم لتستغفر له الحيتان في البحر. أنتم تدرسون هنا و حيتان البحر تستغفر لكم، وان طالب العلم لتضع له الملائكة اجنحتها رضاً به. تخيلوا أنكم تضعون اقدامكم على الارض بينما يضع طالب العلم قدمه على اجنحة الملائكة!.
اغتنموا الفرص واقرأوا شرح نهج البلاغة، والتفسير الصافي، وتقريب القرآن الى الاذهان، والعلم النافع للتقدم، واذن معنى الفضل من الله ربما يكون العلم أو العمل الصالح أو الجهاد، هناك اناس يفرون من بلادهم لأجل حفظ دينهم، بالتأكيد هذا الشيء ثمين عند الله، انسان الى اخر لحظة في حياته يجب ان يكون في حالة استمرارية في طلب الفضل والرضوان من الله سبحانه وتعالى .
ورضواناً بأن يعمل الانسان بالطريقة التي يرضى منه الله سبحانه وتعالى، يكون نظرة الانسان وقيامه وجلوسه في رضى الله، لان الله يعرف حتى أفكار ونية الانسان، منتهى الرضى الرضوان، لنسعى ان نصل الى رضوان الله تعالى.
قطار عمر الانسان في حركة متواصلة ولكن فجأة تصل الى المقصد وتتوقف، العمر يمضي كطرفة عين وفجأة يظهر عزرائيل امام الانسان ويسقط ما في يد الانسان ويبقى عاجزاً ليس باستطاعته ان يفعل اي شيء.
الشعر الأبيض في رأس الانسان إنذار وتحذير لاقتراب الموت، وضعف الجسم إنذار، لذلك يجب ان نسعى الى تسوية حساباتنا والوصول الى قمة المكارم الاخلاقية، حتى اذا ظهر عزرائيل فجأة نكون في راحة من أمرنا ونكون في القمة، قمة العلم، قمة الخلق، قمة التقوى، قمة العمل.
باستطاعة الانسان ان يغير معدنه وأحواله ويطلب ذلك عند أهل البيت (عليهم السلام) ويطلب منهم ان يُفضّلوا عليه ويُغيروه ويطلب من الله والأئمة المعصومين ان يكون ممن يتصفون بهذه الصفات.
اضافةتعليق
التعليقات