لايزال صدى كلماته يتجدد على مسامعي وكأني للتو أستمع له مع انه كان يتحدث بصوت منخفض تتخلل كلماته الحسرات، كان لوقع كلماته أثر على ملامحي ومشاعري فأصغي له تارة وأعاتب نفسي اخرى انني لم اناجِ سيدي كما هو، كيف يتحدث معه وكأنه يراه فيناجيه حينا ويعاتبه حينا اخر..
انشغل عن من حوله وراح يشكو له؛ سيدي ها قد جاء عام جديد وانا ارى اوراقي تتساقط واحدة تلو الاخرى وانت لا تزال غائب وها انا أعيش بطامورة يتشابه فيها النهار والليل تفتقر، لأبسط مقومات الانتظار لايدخلها نور الامل ولا يتجدد فيها الولاء لأنها تفتقر لثقافة الانتظار وتلك طامة كبرى، من المؤكد ان يوم الخروج من طامورة الجهل وان كان الى القبر سيكون الفرج بعينه ياسيدي..
يحسبني بعضهم على قيد الحياة، وانا اشعر ان الحياة تقيدني اكثر، واظن انها تخشى افلاتي فتشد من وثاقها حتى تكاد تكسر معصمي بقيودها المادية، لا اخشى الموت كما اخشى الحياة على هذه الشاكلة، لم اعد اقوى على البعد فإن لم يكتب لي اللقاء بك في الحياة فحتما ان لي لقاء بك عند الموت علني اتعجله سيدي، فحين تخلي سبيلي الحياة وتطلق صراحي سيكون الموت منقذي وطريقي للخلاص من ألم البعد ووحشة الانتظار بين اناس يائسين وكأن غائبهم لن يعود..
واخرين يشككون بوجوده..
بين هؤلاء وهؤلاء بت اشعر بشيء يكبس على انفاسي، يضيق صدري له، لا اعرف ان كان شعور الغربة في عالم مليء بالبشر وكأني خطفت من عالمي وقذفت في عالمهم.
ثم لم اتمالك نفسي ورحت ارفع رأسي واسترق النظر لعودة المصفر كيف راح يذبل وعيناه الغائرتين وشفاهه الذابلة فيظن الذي يراه انه في خريف العمر والحق ان اقرانه مازالوا في ربيعه، في عينه دمعة اسف على ايام مضت دون لقاء اردفها بسيل من الدموع..
كان يجلس في محرابه بتضرع وخشوع، ملامح وجهه تنبئ عن حزن عميق، وعن ألم خلّفه البعد والانتظار.. لا يرى من حوله مع ان الزمن مليء بالبشر..
بالكاد امسك نفسي لأستمع لبقايا كلماته وانصت حين اردف يقول:
يساورني الشك في بعض الاحيان: فأشك في نواياي، فتمر بخاطري عبارة؛ على نياتكم ياعباد ترزقون، ألهذا السبب لم التقِ بك سيدي، أهو من سوء نيتي لم ارزق تلك النظرة التي اتمنى؟
ام هو من ذنوب البشر؟
فأفتش بين خبايا نفسي عن خبث، عن دنس، عن لؤم، فأجدها تحب لغيرها ماتحب لها، واجدها تنفق من احب الاشياء عليها حتى انها بعيدة عن اللؤم ولاتحقد على النفوس المريضة، لماذا لم التقِ بك اذا؟
متى سيدوم غيابك سيدي؟
وهل من نهاية لانتظارك؟
ام ان ظهورك سيدي في زمن غيري؟
ثم سرعان مايعود لحاله ويناجيه دون يأس دون ملل: (هل اليك يابن احمد سبيل فتلقى).
ثم ألملم أوراقي وأجمع افكاري وكلي امل بلقاء قريب يحيي الزمان كما سيحيي الارض بعد موتها.
اضافةتعليق
التعليقات