عيناي تبصران خطوات ابي وزوجته وقلبي يتنشق ربيعه العطري، نهضت بعد ان احسست بالألم يعصر قلبي ويضغط علي، ضربت القدح بالأرض فتحطمت شظاياه .
صرخت بهم كالهدير ((اوليس هناك تقدير لأمي، لم يمضِ سوى اربعين يوما حتى هممتم بزفاف ابي، يالكم من سراب وعائلة دون قلوب)).
ثم هممت بحمل اختي الصغيرة والذهاب نحو الاعلى، على السلم المعتم ماتت خطواتي قرب ضالة الضوء المنسكب على الدرجات، اتجهت نحو غرفتي، اغلقت الباب واسترحت على السرير، احتضنت اختي الصغيرة فأنا منذ اليوم سأصبح اماً لها وفي داخلي السموم اللاهبة، كيف يطاوع قلب ابي ان يتزوج بهذه السرعة وما زال قبر امي قيد الرطوبة، نهضت بحزن شديد والقيت بجسدي المنهوك بين اكتاف الاريكة، مرت على خاطري لحظة حزن مشحونة بالكآبة حيث يتولد سؤال ملح: (لماذا.. لافرق لافرق ابدا، كما قالت جدتي ان لم يكن اليوم فغدا سيتزوج والدك فهو مازال في اول الشباب..).
كل شيء يتبدد الآن.. ذكرى امي، الراحة المنشودة، اي جلبة هذه التي تثير الاعصاب، وتخنق الانفاس ..
رنّ هاتفي مجددا، لا أود الرد، قرأت الاسم، انها صديقتي المقربة، منذ انتهاء العزاء لم اكلمها، اجبتها بصوتي المنهك، اخبرتني انها تريد القدوم غدا فهي مشتاقة لي، لم اطل الحديث فلا رغبة لي بالكلام، نظرت لهاتفي، تصفحت مواقع التواصل، رسائل تعزية كثيرة قد وصلتني من الاصحاب واشعارات كثيرة، تصفحت بملل قاتل وفراغ داخلي، قرأت بعض الخواطر عن الحزن، فعلا كانت عبارات جملية ومؤلمة، استوقفتني لتذرف من مقلتي الدموع، شعرت بأني اود الكلام لكن عيبي اني لااستطيع البوح لأحد عما في داخلي، فكتبت بعض السطور لأجد هناك منفذ لذاتي، كتبت كل مافي داخلي لأدمي السطور بألمي واقتل الحروف حزنا على امي .
مرت ايام وانا على هذه الحالة من الوحدة حتى زيارة صديقتي لم تخرجني من عزلتي والتي اصبحت عليها بعدما تأزم الوضع في المنزل وتركي للدراسة بسبب تلك التي دخلت كعروس للدار.. وكقطاع طرق لقلبي..
يتبدد كل شيء الان في بؤرة الخوف، تتعثر كلماتي امامها، ابتلع كل حرف غضب انطقه داخلي، فأبي، لم يعد ابي، تغير كليا، اي نوع من السلطة التي تمارسها علينا، جريان سريع يطفو على سطح الفكر ويتضح بوضوح اكثر (انها تود ان تقيدنا بالعبودية، تنطلق الكلمات منها بضجة وقساوة).
سأتحمل فما زالت اختي صغيرة وبحاجة لقوتي بجانبها، لكن ترك الدراسة اثّر على وضعي النفسي كثيرا، كنت اشكو لأمي ليلا ظلم زوجة ابي والدموع تبلل وسادتي، انا رهينة سجنها، انا معتقلة في قساوتها، كانت تراقبني على الدوام تتأمل اي زلة علي لتؤذيني دون سبب، تنهكني يوميا بالاعمال بلا رحمة لتتلاشى كل سعادة داخلي وينتشر الحزن في ارجاء خاطري ويطوق الجفاف ضفاف قلبي، لامنفذ لي، وكانت الكتابة هي منفذي الوحيد الذي يعبر عن حزني.
وذات مرة قرأت هاشتاك اطلق بأسم كاتبات المستقبل ولفت انتباهي، دخلت بينهم بإسم مستعار وبشخصية حقيقية لأسرد خواطري التي طالما خبأتها في داخلي، ويوما بعد يوم وجدت نفسي قبل اسمي، هناك حياة، وكلمة اطلقت علي بجدارة (الكاتبة المتألقة)، من بين جميع الكاتبات تم قبول اسمي المستعار لينتشر كل ما اكتب وليشاركني الجميع خاطراتي وحكاياتي التي احيانا اطرزها من واقعي.
ولدت لأكون كاتبة، الكتابة اخرجتني من عزلتي التي طالما عانيت منها، والقراءة فتحت لذاتي باب الحياة، انا كاتبة عنوانها القلم واسمها الكتاب، ولدت لأكون مختلفة .
وربما في ذات كل انسان قدرة كافية من ناصية الابداع والموهبة لكن هناك نقطة البداية، في داخل كل منا انتظار ولن يأتي الا من انفسنا.. عيبنا الوحيد هو الانتظار على امل التقدم دون السعي وراءه .
شاهدنا واختلطنا، كتبنا وتأثرنا بعوالم ثقافية واجواء تغني الموضوع فلا احد يكتب من فراغ، فالكتابة الجيدة تأتي من ثقافة متواصلة بالأجواء الثقافية سواء كانت من رواية او مجلة او كتاب ليتسع العقل وينهض الفكر لتتطور البلاد وتعود امجاد الحضارات فلا فنون ولاثقافة ولا كتابات ادبية تحمل مجدا للمستقبل الا تلك الكتابات التي تنضجها الحضارات في اجواء تحترم المستقبل وتحترم قبل كل شيء انسانية الانسان .
القراءة غذاء للعقل وحياة تبعدك عن الجهل وانس للروح وسلوة للنفس، قال الامام علي (عليه السلام): من تسلى بالكتب لم تفته سلوة ..
فليست هناك معرفة دون قراءة والمعرفة كنز الإنسان ورمز تكريمه؛ حيث خلق الله تعالى الإنسان مكرّماً على سائر المخلوقات فأعطاه العقل، وإنّ الإنسان يولد بقدرات عقلية لكنّه مثل الوعاء الذي إذا لم يُملأ يكون فارغًا، وإذا امتلأ فاض به، لذلك لا خير في عقل إذا لم يتم تزويده بالمعلومات التي تُنمّي قدرته وتُنشّط عضلات مخه، فالذين يقرؤون كثيرًا يعرفون كثيرًا، يخوضون في تجارب أمم سابقة، ويزورون مدنًا وأماكنا لم يروها إلا بين دفتيّ الكتب.
القراءة هي حياة أخرى تمنح للإنسان آفاق المعرفة والثقافة، فتتوسّع مداركه في التعامل واتخاذ القرارات الصحيحة، فتجد المثقّف يُحب الناس سماع رأيه والاخذ به.
وقد حثّ الإسلام على القراءة، بل نَزَل الوحي كله على قاعدة اقرأ، فكانت: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وإنّ أول ما خلق الله هو القلم، وقد سُمّيت أمة الإسلام (بأمّة اقرأ) وستقرأ يومًا بإذن الله..
فالقراءة سبب لرفعة الإنسان في هذه الحياة وفي الآخرة لأنها من أسباب العلم والمعرفة، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..).
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2017-05-06
ا.مصطفى الطالقاني عضو هيئة الكتاب العرب