إنّ لله في خلقه شؤونًا، ومن شأنه ابتلاؤهم بالخير والشرّ فتنة، فالإنسان المؤمن يمتحنه الله بأنواع من الابتلاءات، وهذا الابتلاء إمّا أن يكون إيجابيًّا يستلزم الشكر، وإمّا امتحانًا يستلزم الصبر.
ومن أشدّ الابتلاءات ما تعرّض له الأنبياء والرسل في طريق هدايتهم لأقوامهم، أو في علاقتهم مع المنعَم عليه. وفي محطّات حياتنا، وما ذكره قرآننا من تأريخ الأنبياء، وقفات نستفيد منها، وعناوين ونقاط نشير إليها.
فبدءًا من حياة الأنبياء، مرورًا بسيرة الأئمة الأطهار، وما يعيشه الإنسان المسلم، نجد مواضيع تُثير فينا ملكة التدبّر والتفكير.
فأوّلًا: عندما يُبتلى الإنسان بالعزّ والمكانة العالية عند الناس، تتلألأ أمامنا شخصية نبيّ الله موسى، وحكايته التي يقصّها القرآن علينا في سور متعددة، مثالًا يستوجب منّا الشكر والصبر، والاستعانة بالله، والاستغراق في طاعة الله.
وعند المرض، نتذكّر ما تعرّض له النبي أيّوب )عليه السلام( من ابتلاء، إذ دعا ربّه: "إنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين"، ليكون بذلك معلّمًا يقصده المؤمنون عند المرض، يتعلّمون منه أنّ الله لم يشقِهم إلّا ليسعدهم، فيكون بذلك عونًا لهم في محنهم، ويحمل لهم الأجر والثواب والمحبة.
وحين يتعرّض الإنسان للسخرية والاستهزاء، تبرز لنا شخصية نبيّ الله نوح )عليه السلام(، الذي لم يقف ذلك حائلًا أمام نشاطه، وكثير من الناس تعرّضوا لما تعرّض له، فكان قدوة لهم في الإلهام، والصبر، والتحدّي.
وأمام أذى الجهّال، لنا في رسول الله ﷺ قدوة حسنة، إذ لم يُؤذَ نبيّ مثلما أُوذي رسول الله، وهو مع ذلك لم يزدد لأمّته إلّا حبًّا ودعاءً لها بالصلاح والنجاة يوم القيامة.
ولعلّ شخصية النبي إبراهيم، وما تعرّض له من ابتلاء في كلمات أتمّهنّ، وصارت له الإمامة، تجسيد لذلك الابتلاء في ذريّته، وفي ولده إسماعيل الذي امتحن والده في طاعة الله، وسلّمه ليقدّمه قربانًا لما رآه في منامه. ولعلّ حياته الحافلة بالتدرّج إلى أعظم مصافّ الأنبياء، حيث سُمّي بأبيهم من أولي العزم، تشكّل بذلك إمامًا نخطو على خُطاه، ونتّخذه في سلوكه لبارئه نِبراسًا للهدى ومنارًا للتقوى.
ولو فصّلنا الامتحانات التي تعرّض لها كلّ نبي من الأنبياء، لما اتّسعت لذلك الأوراق، ولجفّت الأقلام، إلّا ما يُتلى من القرآن، فإنّه المحفوظ الذي صان بآياته الطرق المثلى.
فمَن منّا لم يُصَبْ عزًّا في مال أو ولد أو نجاح أو حتى فقر، رُفع أمام أعين الناس، ليكون فتنةً لهم، وفي ذلك ابتلاء وعِبرة؟ ومَن منّا لم يتعرّض للمرض أو الأذى، فكان رسول الله ﷺ وامتحاناته في أهل بيته وأمّته مدعاةً له للصبر والتأسّي؟.
إنّ تاريخ الشعوب في صبرها على ابتلاءاتها تاريخٌ حافل، استطاعت الأمّة الإسلامية أن تقف، بسبب عقيدتها وإيمانها بالآخرة، موقفًا تحسدها عليه باقي الأمم، وأتباع الأديان التي لا تؤمن بالحياة بعد الموت، أو أجر الصابر والمحتسب، أو ما أعدّه الله للشهداء الصابرين، الذين بذلوا المال أو النفس من حياة رغيدة حينما استجابوا لله والرسول لما يحييهم، فاحتملوا المشاقّ لإيصال صوت الله أذانًا في مسامع الأمم، التي انحرفت عن رسالات الأنبياء والرسل في دعوتها لنبذ الظلم وتوحيد الله، ونفي الأغيار عن مملكة الجبّار.
وأمام كلّ الابتلاءات التي نتعرّض لها، لا يسعنا إلّا الشكر والحمد، ذخيرةً صالحة، ليوفّينا الله بها أجور الصابرين.
اضافةتعليق
التعليقات