لم أنسَ طرقات الباب المرعبة على غرفتي والصراخ باسمي كأن مصيبة قد حدثت فخرجت مرعوبة صارخة: (من الذي مات) أراقب نظرات الجميع لشاشة كاميرا المنزل واخي يتراكض والسيارات واحدة تتلو الأخرى وعلا الصراخ في المنطقة، ننتظر الأخبار، عاد أخي يدير يديه فكل ما هنالك ولد كادت أن تضربه دراجة هوائية فسقط على الأرض ولم يُصب إلا ببعض الخدوش!.
هذه المواقف تتكرر غالبا ونراها منتشرة عند النساء فتراهن يلطمن وجههن ويعلو البكاء فقط لأن شخصا من أفراد العائلة أصيب بجرح بسيط، أو بعض الحالات قد يعلو الصراخ على سقوط قدح في المطبخ، أو ارتفاع النار عند قلي الطعام ومواقف لا تعدو عن كونها أمور يومية تتكرر ولها معالجاتها البسيطة فكل ما تحتاجه اللحظة هي فهم ما حصل ثم تشغيل زر المشاعر.
فحالة التأهب واستعجال الأحكام والدخول في جو الخوف والرعب والصراخ هي من تعطي الأمور تأزيما فلربما كبير بالسن يُصاب بالسكتة أو طفلٌ يصيبه الذعر وغيرها من تبعاتها، ولو تأملنا بتراث أهل البيت (عليهم السلام) نجد حديثا صريحا يخبرنا بأن (من عظم صغائر المصايب ابتلاه الله بكبائرها)، كما في قضية مشهورة جرت بين الإمام الكاظم (عليه السلام) وإحدى جارياته حيث كانت تحمل أحد أبناءه الرُضّع لكنه سقط من يديها عن غير عمد فمات (وما وجدته في بعض المصادر أن الحادثة كانت أن الجارية كانت تصب للإمام ماءً ليتوضأ به لكن سقط من يدها الإبريق فشجّ رأس الإمام الشريف) فتبادرت مسرعة خائفة قائلة: “والكاظمين الغيظ”، فقال لها الإمام: كظمت غيظي، فقالت: “والعافين عن الناس”، فقال: عفوت عنك، فقالت: “والله يحب المحسنين”، فقال: اذهبي فأنتِ حرّة لوجه الله.
فإن يعفو إمام عن قتل طفل وهم منبع العطف والمشاعر أو حتى وإن كانت القضية متعلقة بابريق الماء الذي شج رأس الإمام سلام الله عليه، لو أي من رجالنا زوجته او ابنته فعلت ذلك لقامت الدنيا وما قعدت، التهويل لا يزيد الأمور إلا سوءا حتى وإن كان الحدث كبيرا فتهويله يعظم المصيبة في نفس الإنسان وقد يأخذه إلى الكفر، كل شي قابل للتعويض إلا الموت فمن ذهب إليه لا يعود وحتى الجزع فيه ما فيه من الكراهة إلا على مصيبة الحسين (عليه السلام) فهو يهون كل الرزايا وقد وضعه البارئ الملجأ حتى بمصيبته مصيبة مااعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام.
اضافةتعليق
التعليقات