نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا والتطور حيث أصبحت ألعاب الفيديو جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين، ومن بين عدد لا يحصى من أنواع الألعاب المتاحة، أثارت ألعاب الحرب، بتصويرها الواقعي للصراع المسلح، مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على سلوك اللاعبين الشباب، ومع استمرار ارتفاع شعبية هذه الألعاب، يستكشف الباحثون وأولياء الأمور على حدٍ سواء العلاقة المعقدة بين الحرب الافتراضية وسلوك الحياة الواقعية.
يجادل المؤيدون بأن الألعاب الحربية توفر شكلاً من أشكال الترفيه وهي وسيلة للأطفال للانخراط في التفكير الاستراتيجي وحل المشكلات، ومع ذلك، يعرب النقاد عن مخاوفهم بشأن احتمالية إزالة التحسس تجاه العنف وتطبيع السلوك العدواني الذي قد ينجم عن التعرض لفترات طويلة لمثل هذا المحتوى.
أظهرت العديد من الدراسات أن ألعاب الحرب يمكن أن تؤثر على سلوك الأطفال، حيث وجد تحليل تلوي حديث أن التعرض المطول لألعاب الفيديو العنيفة قد يؤدي إلى زيادة الأفكار والسلوكيات العدوانية، ومع ذلك، فإن تحديد السبب المباشر لهذه العلاقة لا يزال يمثل تحديًا، حيث قد تساهم عوامل أخرى في سلوك الطفل.
وتعتبر الألعاب الإلكترونية جزءا من الثقافة الحديثة، خاصة العنيفة إذ يمكن أن تزيد الميل إلى العنف والعدوانية لدى الأطفال. ويعّد ذلك من الآثار السلبية التي تحتاج إلى متابعة ومراقبة من قبل الآباء والأمهات.
الألعاب تكشف شخصية الطفل
ترى المختصة في علاج الصحة النفسية والسلوكية للأطفال والمراهقين جوانا عبود أن الطفل يحتاج في كل ما يفعله إلى إخراج كل ما في داخله من طاقة، وإلى تفجير الغضب، ويعبّر عن ذلك بالألعاب التي يختار أن يلهو بها.
وقد تكشف الألعاب التي يختارها الطفل تفاصيل معيّنة عن شخصيته ونفسيته، مثل لعب الأسلحة والتي تتمثل في البنادق والخناجر والرشاشات والمسدسات والسيوف، وصنعت كلها طبعا لتمجيد الحروب والقوة والنزاعات.
وهذا النوع من الألعاب له تأثيرات سلبية خطيرة، منها زيادة العنف لدى الطفل ومحاولته استخدام السلاح الأبيض في تصوير المعارك والقتال. ولذلك، لا بد للأسرة أن تكون حذرة تجاه تلك الأنواع من الأسلحة، لأنها ترسخ العنف والشجار لدى الأطفال.
وتؤكد عبود أنه غالبا ما يقلد الأطفال الأبطال الخيّرين الذين يسعون إلى إحقاق الحق ودفع الظلم ومحاربة القتلة. وهنا لا يكون الموضوع خطرا، ولكن يجب الحذر من أن يقلّد الطفل شخصية شريرة تعكس الكراهية والحقد وتسعى إلى إلحاق الأذى بالناس، وهنا يجب منعه من التماهي مع هذه الشخصية.
وتضيف عبود أنه من الضروري شرح مفهوم الخير والشر للطفل كي لا ينجر إلى الخرافات، بل العمل دائما على إعادته إلى أرض الواقع.
وتوضح عبود أن الألعاب العنيفة قد تعزّز ثقة الطفل بنفسه، وتنمّي القيم لديه إذا أحسن الأهل التوجيه.
وبالنسبة للألعاب الإلكترونية التي تتضمن محتوى عنيفا ويتم تصميمها لجذب انتباه الأطفال لدرجة أنه يحدث حالة من الاندماج بين الطفل واللعبة، حتى يصبح جزءا منها، ويشعر بالإثارة والتوتر، وكلما أدمن اللعب، تسربت جرعة من العنف إلى داخله، ليعيش في عالم العزلة والانفصال عن الواقع، فيزول إحساسه بالزمان والمكان، وتقلّ رغبته في تناول الطعام أو القيام بأشياء مفيدة.
وقد يقوده الأمر إلى التقليد الأعمى للألعاب، فيشرع في تطبيق ما يلعبه. بالتالي، من المهم أن يتسم الأهل بالحذر عند اختيار الألعاب التي يسمحون لأطفالهم بلعبها، والتأكد أنها تناسب عمرهم وتشجع القيم الإيجابية.
دراسات
ونشر موقع "فيري ويل فاميلي" تقريرا استند إلى عدة دراسات تشير إلى أن هناك ارتباطا بين الممارسة المتكررة للألعاب العنيفة والعدوانية والسلوك العدواني للطفل.
وأبرزت دراسة أجريت عام 2010 من جامعة سوينبرن للتكنولوجيا أن الألعاب الإلكترونية التي تتضمن محتوى عنيفا، قد أثرت فقط على الأطفال الذين لديهم درجة عالية من العصبية والتوتر والغضب.
ووجدت دراسة أخرى أجراها مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية عام 2011، أنه رغم تأثير ألعاب الحروب على سلوكيات الأطفال -فهي تحفز على السلوك العدواني لدى الأطفال، نظرا لكثرة مشاهدة الطفل لمشاهد العنف- فإنها تقلّل من القيام بالجريمة بالفعل.
وبشكل عام، فإن تأثير الألعاب الحربية على سلوك الأطفال يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك:
1-عمر الطفل: الأطفال الأصغر سنا هم أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للألعاب الحربية.
مستوى العنف في اللعبة: الألعاب الحربية الأكثر عنفا هي الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية.
2-السياق الذي يتم فيه لعب اللعبة: إذا تم لعب اللعبة في سياق اجتماعي إيجابي، فقد تكون لها تأثيرات إيجابية أكثر.
لذلك، من المهم أن يكون الآباء على دراية بتأثيرات الألعاب الحربية على سلوك أطفالهم. ويجب عليهم اختيار الألعاب التي تناسب عمر أطفالهم ومستوى نضجهم. كما يجب عليهم مراقبة أطفالهم أثناء لعبهم للألعاب الحربية، ومناقشة السلوكيات التي يشاهدونها في اللعبة.
بعض النصائح للآباء حول كيفية التعامل مع الألعاب الحربية:
- التواصل والمناقشة: تحدث مع أطفالك حول العنف في الألعاب. اشرح لهم أن العنف في الألعاب ليس حقيقيا، وأن ما يحدث في اللعبة ليس مقبولا في الحياة الواقعية. قم بمناقشة هذه الألعاب مع طفلك ووضح له الاختلاف بين العالم الافتراضي للعبة والعالم الحقيقي.
- حدد أوقاتا لأطفالك في لعب الألعاب الحربية. يمكن أن يؤدي الإفراط في لعب الألعاب الحربية إلى زيادة السلوك العدواني لدى الأطفال.
- قم بمراقبة الألعاب التي يلعبها طفلك وتحقق من التصنيف العمري للعبة والتقيد به. تأكد أنه لا يتعرض لمحتوى عنيف أو غير مناسب لعمره.
- ابحث عن ألعاب حرب تقدم رسائل إيجابية، مثل الألعاب التي تركز على السلام أو التعاون. هناك العديد من الألعاب الحربية التي تقدم رسائل إيجابية للأطفال، مثل الألعاب التي تركز على حل النزاعات سلميا أو الألعاب التي تركز على العمل الجماعي.
- شجّع أطفالك على ممارسة أنشطة أخرى غير الألعاب الحربية. من المهم أن يمارس الأطفال أنشطة أخرى غير الألعاب الحربية، مثل الرياضة أو الفنون أو القراءة. سيساعد ذلك على ضمان حصولهم على مجموعة متنوعة من التجارب والمهارات.
-اللعب مع الأقران في المساحات المفتوحة.
-بناء علاقات صداقة صحيحة.
-غرس حب القراءة والرسم وكتابة القصص.
-المشاركة الجماعية في نشاطات فيها كثير من التسلية والمرح.
بالإضافة إلى هذه النصائح العامة، من المهم أيضا مشاركة الوالدين أمرًا أساسيًا في تخفيف أي آثار سلبية محتملة ، وكذلك يمكن للمعلمين أن يلعبوا دورًا في تعزيز الثقافة الإعلامية، ومساعدة الأطفال على التمييز بين الروايات الخيالية والواقع. يمكن للمدارس دمج المناقشات حول عواقب العنف والصراع، وتعزيز مهارات التفكير النقدي التي تمتد إلى ما هو أبعد من عالم الألعاب.
في الختام، فإن الجدل حول تأثير ألعاب الحرب على سلوك الأطفال هو موضوع معقد وذو جوانب متعددة، فبينما تشير الأبحاث إلى أن التعرض لألعاب الفيديو العنيفة قد يؤدي إلى زيادة العدوانية، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي قد تساهم في هذه السلوكيات، وبينما يتطور مشهد الألعاب باستمرار، فمن الضروري أن يتعاون الآباء والمعلمون والباحثون لتحديد طرق للسماح للأطفال بالاستمتاع بالألعاب بمسؤولية مع الحد من أي آثار سلبية محتملة.
اضافةتعليق
التعليقات