كانت السماء تلك الليلة ملبدة بالغيوم، وكأنها تعكس الضباب الذي يغطي روحي. جلست وحدي في الغرفة، أشعر بشيء ينقصني رغم كل ما أملك . كان في داخلي فراغاً لم أستطع تفسيره. نظرت إلى المرآة، ولكنني لم أكن أرى نفسي حقاً، بل كنت أرى ظلاً لشخص تاه في دروب الحياة، وقد فقد بوصلته.
وفي هذه الأثناء وقعت عيني على المصحف الذي طالما تجاهلته. فتحت الصفحة عشوائياً، وقرأتها: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133). كانت الكلمات تخاطبني، تدعوني للعودة إلى الله.
ومع ذلك، شعرت بالتردد. كيف أعود بعد كل ما فعلته؟ إلا أني تذكرت قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ". إنها ليست مجرد كلمات. إنها وعد. وعد بأن الله ينتظرني رغم كل ما فعلته. تلك اللحظة كانت مفتاح تحولي. تلك الكلمات اخترقت عقلي وكأنها تحثني على السير نحو الطريق الصحيح. هل يمكن أن يكون الحل أقرب مما أظن؟
بدأت أسترجع ذكرياتي مع أصدقائي، خاصة يوسف، الذي كان دائماً يذكرني بأن الله قريب. لكن في خضم مشاغل الحياة اليومية، مثل العمل والالتزامات الأسرية، كنت أشعر بأنني أبتعد أكثر عن ذكر الله. كانت هناك دائماً مغريات الشيطان التي تجعلني أشعر بأن ما أقوم به من ملذات هو ما يجعلني سعيداً، لكنني كنت أدرك في قرارة نفسي أنني أشعر بالفراغ رغم كل تلك المظاهر.
بدأت مشواري بالتوبة، وكلما ابتعدت عن ما كنت أحبه، كنت أقترب أكثر من ما يحبه الله. في البداية، كان الأمر صعباً. شعرت بأنني أخلع ثوباً قديماً ممزقاً، لأرتدي ثوباً جديداً ناصعاً. كنت أواجه رغباتي، أقاوم نفسي، لكنني كنت أشعر بالحرية. لأول مرة في حياتي، شعرت بأنني على قيد الحياة.
مرت الأسابيع، ومع كل يوم كنت أشعر بأنني أقترب من الله أكثر. أدركت أن الحياة ليست مجرد وجود مادي، بل هي تجربة روحانية تتجاوز الأكل والشرب والعمل. الحياة الحقيقية هي أن تكون روحك متصلة بالله. أن تكون حياً بمعنى الكلمة هو أن تشعر بأن الله معك في كل لحظة، يرشدك، يحبك، ويمنحك القوة لتكون أفضل.
بدأت أخرج في نزهات طويلة في الطبيعة، أستمع إلى زقزقة العصافير وأشعر برائحة الأرض بعد المطر. كلما واجهت تحدياً، كنت أقول لنفسي إن الجهاد في سبيل الله أثقل في الميزان من أي متعة عابرة. لقد بدأت أرى كل شيء حولي بمنظور جديد، واكتشفت أن الحياة ليست مجرد مشاهد نراها، بل هي تجارب نعيشها بعمق.
لقد تعلمت أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن العودة إلى الله ليست نهاية بل بداية جديدة. أعيش الآن حياة مليئة بالمعنى والهدف، حيث يرافقني شعور السكينة والاطمئنان في كل خطوة أخطوها. لذلك، أنصح كل من يشعر بالضياع أو الفقدان أن يسارع إلى العودة إلى الله، فباب التوبة مفتوح دائماً، وهو السبيل إلى استعادة السعادة الحقيقية والطمأنينة في الحياة .
اضافةتعليق
التعليقات