على الرغم من أن معظمنا غير متحمسين لفكرة تنظيف المنزل؛ فمن المحتمل ألا يكون هناك شخص واحد لا يحبّ نتائج التنظيف الجيد، هل يمكن لأي شخص أن ينظر إلى غرفة نُظّفَتْ تمامًا ويتذمر بعد ذلك؟ أنا لا أرى ذلك. الغرفة النظيفة هي منظر ترحيبي لأي شخص.
بالعودة إلى تلك الأيام عندما كنت مُحاطا بالأشياء، كنت أكره التنظيف، بغض النظر عن عدد المرات التي أنظف فيها، يستمر الغبار في التراكم. كما كرهتُ أيضًا غسل الصحون، كنت أنظر إليها جميعا مكدسة في مغسلة مطبخي، وأَعِدُ نفسي بأنني سأعود إليهم غدًا. ثم أذهب مباشرة إلى السرير.
كرهت هذه الحلقة التي لا تنتهي من الأعمال المنزلية، ليس من المستغرب أن منزلي كان دائما في حالة من الفوضى. حتى أنه تأتي وداعا للأشياء، بعض الأوقات تكون كل أرضية المنزل ممتلئة بالكتب، وأتذكر أني كنت أفكر في أنني في الأقل لن أحتاج بعد الآن إلى تنظيف المكان.
بالقرب من شقتي القديمة، كانت هناك شجرة جنكة تلوح في الأفق فوق الرصيف كل صباح، كنت أرى جارتي في منتصف العمر مشغولة بكنس الأوراق المتساقطة، وأتساءل كيف يمكنها تحمل فعل ذلك يوما بعد يوم. كانت الأوراق تتساقط طوال الوقت على أي حال، فلِمَ لَمْ تعتن بعمليّة الكنس مرّة واحدة في الأسبوع أو حتى كل يومين؟
هكذا كنتُ أنا الآن أستطيع أن أفهم كيف كانت تشعر المرأة. لم تكن الأوراق المتساقطة هي التي كانت تنظفها، بل كانت تكنس كسلها، ليس هناك شيء اسمه شخصية كسول، اعتدتُ رؤية نفسي شخصا كسولا لا يملك قوة إرادة. ظننتُ أنّها سمة شخصية لا يمكن تغييرها. وإلى جانب ذلك، كنت أقول لنفسي، ما مدى غرابة أن يكون رجل قدرًا؟
لكن كل ذلك تغير الآن، كل صباح؛ أنظف شقتي قبل التوجه إلى العمل. أنظُفُ الحمام وأرتبه عندما أستحم وبسب ذلك فهو دائما نظيف جداً وأغسل الصحون ما إن أنتهي من الأكل. أمارس الغسيل قبل أن تشكّل ملابسي المتسخة كومة ضخمة، وأعلق الأشياء المغسولة في شرفة شقتي حتّى تجف؛ إذ أمسح كل شيء أيضًا، بما في ذلك شرفة جاري.
ومع ذلك، لم أغيّر شخصيّتي. فلِمَ لَمْ أَعُدْ قَذِرًا كسولا؟ السبب البسيط لنظافتي الجديدة هو اننى أمتلك الآن عددًا أقل من الأشياء، وأصبح تنظيف المنزل أسهل. لا املك شخصية كسول الآن، ولم أكن في ذلك الوقت.
طريقة أرسطو للتنظيف
ظَنَّ أرسطو (بصياغة الفيلسوف ويل ديورانت) أنه «نحن ما نفعله مرارًا وتكرارًا. التميّز - إذًا - ليس عملا بل عادة». لست بحاجة إلى إرادة قوية للترتيب بانتظام والحفاظ على نظافة المنزل. سوف يتلاشى العزم وحده في النهاية على أي حال، كل ما عليك فعله هو جعل تنظيف المنزل عادة يوميّة، ما إن تصبح عادة، ستتمكّن من التنظيف من دون تفكير ثان.
مكافآت جعل التنظيف عادة: يقال إن الحصول على المكافأة هو مفتاح تطوير عادة جديدة. مع التنظيف اليوميّ، قد تكون المكافأة هي الشعور بالإنجاز والهدوء الذي نشعر به بعد ذلك. هناك أيضًا مكافأة الثقة بالنفس التي نكتسبها عندما نتغلب على كلّ تلك الأعذار لعدم التنظيف والترتيب. كشخص تقلّلي، يصبح التنظيف سهلا وسريعًا، ومع ذلك ما زلنا نُكافئ على المنوال نفسه بسبب ذلك، نبدأ في الاستمتاع بالتنظيف، وبطبيعة الأعمال الحال يصبح التنظيف عادة. الشّيء نفسه ينطبق على جميع الأعمال المنزلية الأخرى التي يجب أداؤها في المنزل لتطويرعادة التنظيف الشيء المهم هو تسهيل الحصول على تلك المكافآت. سيكون الأمر سهلا إن كان لديك عدد أقل من الأشياء.
الغبار والأوساخ هي انعكاسات لأنفسنا في الماضي، قيل كثيرًا إن تنظيف منزلك يشبه تلميع نفسك أرى أن هذه قاعدة ذهبية. ليس الغبار والأوساخ التي تتراكم في منازلنا فحسب. إنّها أيضًا ظلال لأنفسنا الماضية التي سمحت لهذا الغبار والأوساخ بالاستمرار في التكوّن، من المؤكد أن تنظيف الأوساخ أمر مزعج، ولكن الأهم من ذلك؛ فإن الحاجة إلى مواجهة أفعالنا الماضية تجعل الأمر صعبا للغاية ولكن عندما يكون لدينا عدد أقل من الأشياء المادية، ويصبح التنظيف عادة سهلة؛ فإنّ الظَّلال التي نواجهها الآن ستكون من إنجازاتنا اليومية.
الاستيقاظ في الصباح الباكر، والاستحمام المنعش، والجلوس لتناول وجبة الإفطار على مهل، والتنظيف، وممارسة الغسيل قبل المغادرة إلى العمل سيؤثر بالتأكيد في الطريقة التي تحصل بها على المكتب ببساطة، من خلال عيش حياة منظمة، ستكون أكثر نشاطًا، وأكثر ثقة، وتحبّ نفسك بنحو أفضل مقارنة بالوقت الذي اعتدت فيه على البقاء في السرير حتى اللحظة الأخيرة والإسراع في كلّ شيء لغرض الوصول إلى العمل. وعندما تُحِبّ نفسك، سيكون من الأسهل مواجهة تحديات أخرى. يمكن للناس أن يتغيّروا، بدءًا من أنماط حياتهم.
الضغط لبناء مستقبل "ناجح"
(أنت مهم ، ولا يمكن الاستغناء عنك)
(كن على طبيعتك وكن فريدًا)
نحن نعلم أنّ الجميع يقدمون النصح بنية حسنة، لكن ربّما الشباب يتعرضون لوابل من هذا النوع من الرسائل بنحو يومي. إنهم يتعرضون للضغط باستمرار ليصبحوا أشخاصًا آخرين. أنا أيضًا تعرّضت للنوع نفسه من الضغط، وشعرت بالإحباط بسبب عدم قدرتي على تحقيق هذه التوقعات.
بعد أن انفصلت عن معظم أشيائي؛ هناك شيء واحد يمكنني قوله بصراحة الآن هو أنه ليست هناك حاجة حقيقية إلى إنجاز شيء ما، أوبناء مستقبل طموح. يمكننا أن نبدأ بالتراضي مع أنفسنا والشعور بالسعادة بالاستمرار في حياتنا اليوميّة، وتقدير اللّحظة الحاليّة.
عندما أنتهي من مهام التنظيف البسيطة في شقتي الجديدة، وأجولُ في الحي، أدرك أنه ليس هناك أي شيء آخر أحتاج إليه أو أريده أذهب إلى المتنزه، وأشاهد البَط في البركة؛ وهي تنفش ريشها. أرى مدى استرخائها - فإنّ كلّ ما تفعله هو نفش الريش. فهي ليست متوترة أو من فكرة أن عليها المحاولة لأن تصبح شيئًا ما. إنها لا تحاول بنحو محموم بناء حياتها المهنيّة، ولا تتملّق إلى بطة أخرى. يبدو كل ما تفعله قلقة هو الاستمتاع بمياه البركة، ونفش ريشها، وعيش حياتها. عندما يتعلّق الأمر بذلك، أليس هذا كل ما نحتاج إليه حقا في حياتنا أيضًا؟
بعد أن انفصلت عن الجزء الأكبر من ممتلكاتي أشعر بالرضا الحقيقيّ عن حياتي اليوميّة. إنّ فعْلَ العيش ذاته يجلب لي الفرح.
اضافةتعليق
التعليقات