يمتلك الكثير من الناس القدرات العقلية والجسدية التي لا يثقون بها ولا يستثمرونها بالطريقة الصحيحة، وعلى أساس ذلك فإنهم لا يحققون نجاحا مثلما حققه العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ.
أصيب هذا الرجل في شبابه بمرض نادر أدى الى إصابة معظم أعضائه بالشلل، فهو لا يستطيع أن ينطق ولا أن يمشي ولا أن يلبس ملابسه، ويحتاج إلى الرعاية الدائمة على مدار الساعة، وكل ما هو قادر عليه هو أن يحرك اثنين من أصابع يده اليسرى فقط.
ومع هذا فقد كان من أعظم علماء الفيزياء المعاصرين، ويحتل ذات الكرسي الذي كان لإسحاق نيوتن في جامعة كامبريدج، وكتابه (مختصر تاريخ الوقت) كان من أكثر الكتب مبيعا في العالم، إنه ستيفن هوكينغ البالغ من العمر (لدى تأليف هذا الكتاب ١٩٩٨) ستة وخمسين عاما.
فعلى الرغم من كل العوائق تمكن ستيفن من تحقيق أعظم انجاز فيزيائي في مرحلة ما بعد اينشتاين، وقد قيل في هذا الإنجاز إنه الجواب الذي أنتجه خلال نصف القرن الحالي ردا على فيزياء اينشتاين.
ويذهب بعض الفيزيائيين إلى عمل هوكينغ ربما شكل أحد أعظم الانقلابات في تاريخ العلوم وثورة هوكينغ تقوم على التوفيق بين دعامتي الفيزياء الحديثة، وهما نظرية اينشتاين والنسبية العامة التي تقول بأن الجاذبية هي التي تسير حركة الكواكب والنجوم والمجرات والكون نفسه على نحو منظم يمكن توقعه، ونظرية ميكانيكا الكم التي تقول بأن المادة على الصعيد الذري تعمل بشكل لا يمكن التنبؤ به.
لقد كان والد ستيفن باحثا علميا، وهو بكر أولاده الأربعة الذين عاشوا في جو علمي وعائلي متين الأواصر، ودخل ستيفن جامعة أوكسفورد عام ١٩٥٩ وكان متحررا وذكيا مع بعض عناد، كما كان محبوبا جدا من أصدقائه في الجامعة والبلدة، وفي سباق المراكب السنوي التقليدي بين جامعتي اوكسفورد وكامبريدج ظل وقتا ربانا لأحد المراكب.
وعلى الرغم من اجتنابه العمل الدراسي الشاق فإن أساتذته قدروه وكانت النتيجة أن واصل الدراسة حتى التحق بجامعة كامبريدج.
ولكنه ما كاد يمضي أشهرا قليلة في كامبريدج حتى ظهرت عليه بوادر علة جسدية وأخذ يتعثر في مشيه ويتأنى في لفظه ويجد صعوبة في السيطرة على ذراعيه وساقيه.
ووجد الأطباء أنه مصاب بخلل جانبي في الأنسجة والأعصاب الإرادية وهو داء قد يؤدي إلى الشلل والوفاة، وأمام ذلك الواقع المرّ أدرك هوكينغ أنه قد لا يعمر حتى الخامسة والعشرين.
وانتابه الأسى حين وجد أنه لا يقوى على السير في الجامعة من غير عكاز وهجر دروسه وأمضى الكثير من وقته في الفراغ، وقد حصل ستيفن على فرصة الزواج بالرغم من إمكانية وفاته المبكرة كما تنبأ الأطباء له.
وكان ذلك الزواج حدا فاصلا في حياة ستيفن، وفارقته خشية الموت وأكب على دروسه من جديد.
وفي مطلع السبعينات كانت حال هوكينغ الجسدية ساءت الى الحد الذي أوجبت إبقاءه في كرسي متحرك، إلاّ أن قواه الذهنية بقيت تحلق عاليا، وما فتأ يأتي بالنظريات الرائعة واحدة تلو الأخرى.
ويعتبر اليوم من كبار علماء الفيزياء حتى قيل عنه، إنه مقيد بالسرير ولكن عقله يسبح في الفضاء الواسع، ووصف بأنه أعظم عالم فيزياء معاصر، وأن نظرياته تتجاوز ما أعطاه اينشتاين.
ولذلك فحينما طبع له الكتاب الذي يحمل عنوان (مختصر تاريخ الوقت) بيع منه خلال فترة قصيرة أكثر من مليون وسبعمائة ألف نسخة.
وتسأل إذا كان الرجل عاجزا عن الحركة والنطق فكيف يكتب ويتفاهم مع الآخرين، ويأتيك الجواب: عبر جهاز كمبيوتر خاص به، يستعمله بأصابع يده اليسرى.
إن أهم ميزة لهذا الرجل أنه عنيد وصارم وأهم من كل ذلك أنه يستخدم عقله وما تبقى من جسده بشكل جيد، فبعد أن سلبه الداء عافيته الجسدية وجد في عقله طاقات مذهلة، فأصبح مثالا للشخص الذي يعيش مليا ضمن عقله.
وتوفي ستيفن هوكينج في منزله في كامبريدج بإنجلترا يوم الأربعاء 14 مارس 2018 عن عمر يناهز 76 عاما.
اضافةتعليق
التعليقات