في هذه الحياة نمر بالكثير من المواقف فنلاحظ هناك أشخاص ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس في كل موقف يعيشونه ولديهم ما يسمى بـ "السلبية السامة". لكن ماذا عمن ينظرون دائما إلى الجانب الممتلئ من الكأس ويصرون على استكشاف الجانب المشرق من كل موقف ولا ينفكون عن إخبار من حولهم بضرورة التفاؤل مهما كانت مشاكلهم؟
ما معنى الإيجابية السامة؟
يعرف موقع "فيري ول مايند" (VeryWellMind) الإيجابية السامة بأنها الاعتقاد بأنه بغض النظر عن مدى صعوبة أو شدة الموقف الذي تمر به يجب عليك الحفاظ على عقلية إيجابية ورفض المشاعر السلبية، وهو نهج "المشاعر الإيجابية فقط " في الحياة.
فرغم وجود العديد من الفوائد لامتلاك نظرة إيجابية فإن الحياة ليست دائما إيجابية ووردية، وقد نمر جميعا بمشاعر وتجارب مؤلمة، وهذه المشاعر مهمة أيضا ويجب التعامل معها بشكل فعال وعدم رفضها ودفنها خلف قناع التفاؤل والإيجابية.
وفي مقال نشرته صحيفة "ديلي ميل" (dailymail) البريطانية، قال الكاتب ميلو بوب إن علماء النفس يقترحون أن "الإيجابية السامة" -التي تنطوي على التمسك بعقلية إيجابية بغض النظر عن خطورة الموقف- لا تقل خطورة عن السلبية السامة.
وحول تأثير الإيجابية السامة على الناس، تقول اختصاصية العلاقات الزوجية والأسرية سامارا كوينتيرو إنه "من خلال إنكار حقيقتنا، نبدأ في العيش بشكل غير صادق مع أنفسنا ومع العالم. نفقد الاتصال بأنفسنا، مما يجعل من الصعب على الآخرين التواصل معنا. وحتى مع إظهار الشجاعة والصمود في وجه الصعاب، يعيش هؤلاء الأشخاص من الداخل حالة رهيبة من الخوف ويكونون بحاجة ماسة إلى الحنان والمؤازرة".
أمثلة على الإيجابية السامة
تأتي الإيجابية السامة في عدّة أشكال وصور، حيث يمكننا اختصار هذه الصور في الأمثلة التالية:
تجاهل، وإخفاء والتقليل من قيمة مشاعرك الحقيقية التي تشعر بها في لحظة معيّنة.
الإحساس بالسوء أو الخجل أو تأنيب الضمير تجاه مشاعرك الحالية (خاصّة إن كانت مشاعر سلبية كالحزن أو الألم أو الغضب...الخ).
ارتداء قناع مزيّف أمام الآخرين لإخفاء مشاعرك الحقيقية.
التظاهر بأنّ كلّ شيء على ما يرام في الوقت الذي لا يكون فيه كذلك.
التقليل من شأن مشاعر الآخرين والاستهزاء بها.
الإساءة للآخرين وفضحهم لأنهم يحسّون بمشاعر سلبية.
الاستهانة بتجارب الغير وعدم الاعتراف بأنّهم يعانون من مشكلة حقيقية، أو يشعرون حقًا بالألم أو الخيبة.
المبالغة في استخدام الاقتباسات والعبارات التحفيزية الإيجابية في غير مكانها.
متى تصبح الإيجابية سامة؟
على الرغم من أنّ للإيجابية والتفاؤل العديد من الفوائد، لكنّها قد تصبح في بعض الأحيان غير مفيدة، بل ومدمّرة أيضًا!
لن تكون الإيجابية إيجابيةً حينما تنكر أو تقلّل من قيمة المشاعر الإنسانية الفطرية.
لن تكون الإيجابية مفيدة حينما تدفع الأفراد للشعور بالعار وتأنيب الضمير، أو بأنه لا قيمة لهم بسبب شعورهم على نحو معيّن.
الأمل ليس مفيدًا حينما يقف في وجه الإحساس الطبيعي بالمشاعر المختلفة، أو حين يتجاهل حدّة الموقف وشدّته.
وكذلك الحال مع الرزانة والهدوء، فهي ليست شجاعة أو إقدامًا حين تجبرك على كبت مشاعرك الحقيقية لتجعل منك شخصًا مزيّفًا.
لنفكّر قليلاً في المثال التالي:
في الأوقات الصعبة كحالات انتشار وباء عالمي مثلاً، ستجد أنّ الناس في حالة من الذعر والهلع والخوف، إنّهم يشعرون بالحزن والغضب والقلق، ومزيج آخر من المشاعر السلبية.
نتيجة لذلك، يحاول الكثيرون التغلّب على هذه المشاعر باللجوء إلى الإيجابية السامّة، من خلال استخدام عبارات مثل:
"على الأقل لدينا منزل نعيش فيه، وطعام نأكله، وعائلة محبّة بالقرب منا"
"كان يمكن للأمور أن تكون أسوأ بكثير"
البعض الآخر، قد ينغمس في المقارنات فيقول أنّ شيكسبير قد كتب مسرحية "الملك لير" وإسحاق نيوتن طوّر نظريته عن الجاذبية خلال فترة الحجر الصحي!
حسنًا، قد يكون ذلك صحيحًا، لكن شكسبير أو نيوتن حينها، لم يكن لديه أطفال ليدرّسهم في المنزل أثناء الالتزام بدوام كامل في شركة ما، في الوقت الذي فقد شريك حياته فيه وظيفته وتراكمت عليه الديون نتيجة انتشار هذا الوباء!!
إنّ تجاهل مشكلات البشر في مثل هذه المواقف، والتظاهر بأنّها ليست ذات أهمية كبرى ستجعل أصحابها يشعرون بمزيد من السوء والضيق، وتدفعهم في كثير من الأحيان إلى كبت مشاعرهم، ممّا ينتج عنه مشاكل صحية ونفسية أخرى أخطر وأعظم.
ما أضرار الإيجابية السامة؟
الإفراط بالإيجابية يؤذي الآخرين بشكل كبير، ويحد من قدرتهم على مشاركة مشاعرهم مع غيرهم، بل يجبرهم على كتم تلك المشاعر وإخفائها.
وللإيجابية السامة عدة أضرار منها:
إحساس العار والخجل
تتسبب الإيجابية السامة في إحساس الأشخاص بأن مشاعرهم غير مقبولة، وبالتالي يشعرون بالخجل من مشاركتها مع الآخرين.
في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى من يسمعهم ويقدم لهم كامل الدعم.
الشعور بالذنب
توصل رسالة بأنك إن لم تجد طريقة للشعور بالسعادة، حتى في مواجهة المواقف الصعبة، فأنت لا تقوم بما عليك بالقدر الكافي، وبالتالي يزداد شعورك بالذنب.
تجاهل المشاعر الحقيقية
تعمل كآلية ثابتة لتجنب المشاعر الحقيقية، وتمنع الأشخاص من الإحساس بالمواقف كما ينبغي، ومع الوقت يفقدون التعبير عن مشاعرهم الصادقة، فتزداد الآثار السلبية عليهم.
نقص الخبرات
هذه الطريقة تجبر الناس على تجنب اختبار المشاعر الحقيقية للمواقف الصعبة، فيفقدون القدرة على النمو واكتساب الخبرات، التي تؤهلهم للتعامل بالشكل الصحيح مع هذه المشكلات في المستقبل.
كيفية تجنب الإيجابية السامة
إذا كنت قد تأثرت بالإيجابية السامة، أو إذا كنت تدرك هذا النوع من السلوك في نفسك، فهناك أشياء يمكنك القيام بها للتخلص من هذه المشكلة:
اعترف بمشاعرك: لا تنكر وجود مشاعر سلبية لديك، بل قم بمواجهتها وتعلّم كيف تتعامل معها للتخلص منها بشكل تدريجي. من الممكن أن تكتب مشاعرك أو تتحدث إلى صديق أو معالج نفسي إذا كان ذلك سيساعدك على فهم مشاعرك بشكل أفضل.
كن واقعياً: عندما تفقد شخصاً عزيزاً عليك من الطبيعي أن تشعر بالحزن، وليس طبيعياً أبداً أن تكون إيجابياً، لذا كن واقعياً في تقييم المواقف التي تمر بها.
استمع للآخرين: لا يجب أن تقع ضحية الإيجابية السامة، ولا يجب أن تمارسها على الآخرين كذلك، تعلّم الاستماع للآخرين وتفهم مشاعرهم وإظهار الدعم لهم عندما يحتاجون إلى ذلك.
ابتعد عن مسببات الإيجابية السامة: في بعض الأحيان قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي أحد الأسباب التي تدفعنا إلى الإيجابية السامة، فنحن نشاهد أن الجميع سعداء، فنشعر بالذنب عندما لا نكون قادرين على أن نصبح مثلهم. يجب أن تفهم أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس الواقع وإذا كانت تسبب لك الأذى فمن الأفضل الابتعاد عنها.
في النهاية، الأمر لا يتعلّق بالإيجابية أو السلبية… لا يتعلّق بأن تكون متفائلاً على الدوام أو متشائمًا طوال حياتك، وإنّما ما يهمّ حقًا هو أن تكون صادقًا مع نفسك ومشاعرك في كلّ الأوقات.
إن كنت شخصًا ترى الجانب الممتلئ من الكأس في كلّ شيء، فهذا أمر رائع بلا شكّ، لكن تأكّد أنّ مشاعرك هذه ليست على حساب أحاسيس أخرى تكتمها وتكبتها.
حينما لا تجري رياحك كما تشتهي، لا تتظاهر بأنك سعيد ومبتهج رغمًا عنك. لا عيب في الشعور بالضيق أو الحزن أو الغضب أو أيّ مشاعر سلبية أخرى، لكن العيب الحقيقي هو الاستمرار في عيشها إلى الأبد، والأسوأ من ذلك كلّه أن تكبتها في داخلك لتظهر من جديد في شكل أمراض ومشاكل صحية أخطر وأكثر ألمًا.
اضافةتعليق
التعليقات