تستخدم كلمة الخجل في الأحاديث اليومية المعتادة للإشارة إلى الشعور بالضيق والانزعاج وعدم الراحة في المواقف الاجتماعية، وليس لكلمة الخجل معنى دقيق محدد فهي تتضمن معاني الحذر والاحتراس والجبن والكف عن السلوك.
وتصف إحدى السيدات ما ينتابها من خجل حال وجودها مع جماعة من الأفراد المعروفين جميعا لها فتقول: (أشعر بأنني لست على ما يرام، وأعتقد أنني من الضآلة والتفاهة بحيث لا أستطيع أن أقول أي شيء يمكن أن يلقى أدنى اهتمام من هؤلاء الآخرين، وأشعر بالعجز والارتباك كأنني غريبة عن هذا المكان حتى لو كنا جميعا معا، بحكم أننا أعضاء في النادي ذاته.
وإذا سألني أحدهم عن أي شيء أشعر بالقلق والتوتر الشديد، ولا أعرف كيف أو بماذا أرد، ويصاحب ذلك شعور بالسخونة تسري في جسدي ويحمر وجهي. لقد حاولت ألا أكون كذلك، وأن أفعل أي شيء آخر غير هذا الذي يحدث لي، ولكنني لم أستطع سوى الهروب والابتعاد عن الجماعة، وهذا الارتباك والخجل لا يحدث لي أبدا عندما أكون مع أي فرد من تلك الجماعة على حدة، بل فقط عندما أكون مع الجماعة).
يجد إن إحدى الخصائص الشائعة للخجل هي شعور الفرد بأنه لا يجد ما يقوله ومصدر صمت تلك السيدة هو انشغالها الشديد بأثر ما سوف تقوله ووقعه على الآخرين، وبرأيهم الذي سوف يكونونه عنها في ضوء ما ستقوله.
وهي كما تصف حالتها تتوقع مسبقا أنهم سيتخذون حيالها رأيا وموقفا سلبياً، لأنها ببساطة ليس لديها ما تقوله، بحيث يثير قدرا ولو بسيطا من اهتمامهم. ويؤدي هذا الانشغال الشديد إلى درجة عالية من الشعور بالذات والرغبة الشديدة في الهروب من هذا الموقف، وتشير كذلك هذه السيدة إلى أنها لا تشعر بالخجل في كل المواقف، فهي لا تخجل عندما تتحدث مع فرد واحد بل ينتابها الخجل فقط وسط الجماعة.
والخجل ليس حكراً على حياتنا المعاصرة، بل يوجد في كل العصور وفي كل المجتمعات. وعلى سبيل المثال، يقدم الروائي الفرنسي «بنيامين كونستانت Benjamin Constant في روايته «أدولف» Adolphe المنشورة العام ۱۸۱٦ وصفا رائعا للخجل فيقول:
لا أتذكر أن أبي تحدث معي مرة واحدة حديثاً جاداً مدة ساعة واحدة، وذلك خلال السنوات الثماني عشرة الأولى من عمري.
وعلى الرغم من أن خطاباته لى كانت مفعمة بالمشاعر الدافئة الفياضة والنصائح الحانية، فإنه ما من مرة نلتقي وجها لوجه إلا وأجده متحفظاً صامتاً، وكأنه غير عابئ بي، ولا يحمل لى إلا مشاعر باردة وفي تلك السنوات لم أكن أعرف ما هو الخجل ذلك الألم الداخلي الشديد الذي يطاردنا ويضايقنا بشدة حتى في سنوات العمر المتأخرة ويأخذ مشاعرنا العميقة ليحطمها ثم يضعها مهشمة في قلوبنا، ويجعل الكلمات على شفاهنا باردة متجمدة، ويعوق أي شيء نحاول أن نقوله ويتركنا عاجزين عن التعبير عن أنفسنا، لا نشعر إلا بالمرارة والسخرية كل ما نريده هو أن نثأر من مشاعرنا المؤلمة التي نعجز حتى عن التعبير عنها.
لم أكن أدرك أن والدي يعاني الخجل حتى مع ابنه، وبعد أن ظل والدي سنوات طوالا ينتظر مني أن أبدي أي مشاعر دافئة نحوه منعني عنها ما يبدو لي من مشاعره الباردة نحوي، تركني والدموع تملاً عينيه، متذمرا شاكيا متهما إياي بأنني لا أحبه.
في تصويره الحي والرائع لخبرات ومعاناة الشخص الخجول الذي يعجز عن التعبير عن نفسه وتوصيل مشاعره إلى الآخرين، نجح كونستانت في أن يضع يده على عدد من الملاحظات الدقيقة وأثار عددا من القضايا، مازالت حتى الآن مثار اهتمام الباحثين في موضوع الخجل فأولا، أوضح كونستانت أن الخجل يمكن أن يحدث في إطار العلاقات الأسرية الحميمة، ولا يقتصر حدوثه عند التحدث مع الغرباء أو التحدث وسط حشد من الناس.
وعلى الرغم من أن دراسة الخجل في إطار العلاقات الاجتماعية الحميمة يمكن أن تساعدنا على معرفة كثير من أسباب الخجل، فإن الدراسات التي اهتمت بذالك قليلة.
إن الشخص شديد الخجل نادرا ما يكشف عن خجله هذا إذا تفاعل مع أشخاص يعرفهم جيدا ومألوفين له، ويكون على ثقة بأنه موضع حبهم وتعاطفهم، وأن رأيهم فيه إيجابي.
وأخيرا، فإن ما يبديه أحد طرفي التفاعل الاجتماعي من مظاهر سلوكية تدل على الخجل، إنما ينعكس سلباً على استجابات الطرف الآخر.
اضافةتعليق
التعليقات