“خفتُ من جمالكِ لأنه كانَ جميلاً، كما أنني كنتُ أضعف من أن أسكنَ صاعقته، أو أن أعومَ في حوضِ جلالته، فأغمضتُ عيني، ورضيتُ بالخسارة”.
هكذا أخذ يكتب عبد العظيم فنجان في قصيدته “فكرة عن الضوء أو ضوء عن فكرة” مشيراً لشعور جعله يرتعب من الاقتراب من محبوبته على الرغم من مشاعره المضطرمة تجاهها وأمله بسعادة عظيمة عند اللقاء.
إلا أن الشاعر ليس وحيداً في هذا الشعور، يبدو أن كثر منا يعانون مما يعاني منه الشاعر وبدرجات مختلفة، تسمى هذه الظاهرة بـ (الشيروفوبيا) أو (رهاب السعادة) وهي الحالة النفسية التي يتجنب فيها الفرد الأحداث الإيجابية لما تولده لديه من عدم ارتياح وقلق بدون أسباب منطقية يمكن الإشارة إليها بوضوح.
ويتفق الباحثون إن سبب هذا القلق ليس الحدث الإيجابي نفسه ولكن الخوف الدفين من النتائج السلبية التي قد تلي الأحداث الإيجابية، مثل الخوف من الضحك أو النجاح العظيم.
تتعدد أسباب هذا الإجهاد والعسر النفسي ولعل أحد أهم أسبابه هو العنصر الثقافي، فتشير أقدم الأساطير إن الفرح المباغت دون سبب نذير شؤم، وإن النجاح العظيم يليه حتماً فشل، تحاول هذه الأساطير إبقاء الإنسان متواضعاً وقريباً من حقيقته البشرية الضعيفة المحدودة إلا إنها رسخت في لا وعي الإنسان عبر العصور رهاباً من السعادة والنجاح. إن الأعمال الدرامية قد تكون أيضاً مسبباً تستند على عنصر الألم والتحدي لبناء قالب درامي محتدم وشيق، مما يجعل الغالبية يميلون إلى الاعتزاز بتجاربهم المؤلمة أكثر من السعيدة لأنها تمنحهم شعوراً بالأهمية ومركزية في الأحداث.
طفولة الإنسان هي القالب الذي يُبنى فيه مستقبل الإنسان، لذا فأي سلوكيات غير سليمة في تربيته أو مروره في أي موقف مؤلم يؤدي إلى تشويه بعض المفاهيم كمفهوم السعادة لدى النسخة الناضجة لهذا الطفل، فعلى سبيل المثال السلوك الذي يقوم به الآباء في جعل الحب مشروطاً، ومنح الرعاية والعطف مقابل متطلبات عالية تثقل كاهل الطفل وتجعله يتصرف خلافاً لحقيقته، أو خداع الطفل بكلمات معسولة أو حلوى أو ألعاب من أجل جعله يقوم بفعل لا يرغب به أو تناول دواء لا يعجبه يؤدي إلى حالة نفسية أكثر تعقيداً في المستقبل حسب حساسية الطفل ومدى تعقيد ذلك الموقف.
تشير الدراسات أيضاً إلى أن هناك أسباب أخرى للإصابة بـ(رهاب السعادة) كالمواقف العصبية التي يمر بها الفرد أو إصابته بأحد الاضطرابات النفسية كالإكتئاب.
تختلف مسببات الإصابة بـ (رهاب السعادة) إلا إننا جميعاً وفي وقت ما نميل للإنزواء بعيداً عن البهجة إذ نشعر إننا غير قادر على استيعابها، إنها براقة أكثر مما يجب، وصاخبة أكثر مما نستطيع احتماله، وعندها علينا أن نتقدم تجاهها كالمجانين دون تفكير، كمن يسير على النيران دون أي رجحان أو حكمة، قد تخوننا الشجاعة، غير أننا يحدونا حب الوصول إلى تُرعة السعادة، غير عابئين بالطريق.
اضافةتعليق
التعليقات